ارشيف من :آراء وتحليلات

بغداد والقاهرة .. الاقتصاد هو المفتاح!

بغداد والقاهرة .. الاقتصاد هو المفتاح!
الاقتصاد ... كان العنوان الرئيسي والأبرز لزيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل امس الاثنين إلى بغداد، فبالاضافة الى ستة وزراء معنيين بملفات الاقتصاد والتجارة رافقوا قنديل، هم وزراء الصناعة، والتجارة، والبترول، والقوى العاملة، والكهرباء والطاقة، والتخطيط والتعاون الدولي ومعهم وزير الخارجية، ضم الوفد الزائر ستين من كبار رجال الاعمال والمستثمرين المصريين في مجالات مختلفة.

الدخول من بوابة الاقتصاد لدفع العلاقات التي ظلت لفترة طويلة ـ منذ غزو الكويت عام 1990 ـ تشوبها الكثير من الاشكاليات والتجاذبات يعد خطوة صحيحة، لأن ذلك من شأنه ان يضع أسسا ومرتكزات قوية لصالح الطرفين، ويختزل المسافات، ويركز على نقاط الالتقاء ويجنب نقاط الافتراق.

اغلاق ملفات سابقة


وتسعى القاهرة من خلال تعزيز علاقاتها مع بغداد في هذا الوقت بالذات الى تحقيق عدة أهداف:

ـ اغلاق ملفات سابقة يعود بعضها إلى أكثر من عشرين عاما كقضية "الحوالات الصفراء" التي أصدرها نظام صدام بعد رفضه تحويل المستحقات المالية لأعداد كبيرة من العمال الأجانب الذين كانوا يعملون في العراق خلال الثمانينات، ومن بينهم مليونا عامل مصري، وقدرت المبالغ المستحقة لهم بـ 408 مليون دولار في ذلك الوقت.

ـ معالجة الأزمات والمشكلات الاقتصادية التي واجهتها مصر بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حسني مبارك، من خلال الانفتاح على اسواق وميادين جديدة، بعيدا عن العقد والاشكاليات السياسية.

بغداد والقاهرة .. الاقتصاد هو المفتاح!
قنديل والمالكي ... فتح آفاق جديدة

ـ تصحيح الاخطاء التي وقعت فيها السياسة المصرية خلال العقود الثلاثة الماضية، عبر بناء علاقات متوازنة، تنأى بمصر عن الاصطفافات والتحالفات السياسية العقيمة وغير المجدية، ولعل رئيس الوزراء المصري عبر عن هذا المعنى في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره العراقي يوم امس بقوله "حرصنا على اقامة علاقات اقتصادية مشتركة وديمومة لهذه العلاقات، وهناك رغبة سياسية قوية في تحقيق التعاون الاقتصادي بين البلدين وحل جميع الملفات العالقة".

في مقابل ذلك فإن بغداد هي الأخرى تسعى الى فتح آفاق جديدة مع القاهرة، وإغلاق ملفات الماضي بطريقة مرضية ومقبولة ونهائية، من أجل الانطلاق بقوة في مسيرة علاقات إيجابية وبناءة مع طرف عربي وإقليمي له ثقله وتأثيره وحضوره في المشهد العام مثل مصر.

فتح افاق جديدة

ولعل الرسائل التي أطلقتها بغداد بعد الاطاحة بنظام حسني مبارك بشأن رغبتها في إصلاح وتعزيز وتقوية علاقاتها مع القاهرة في مختلف المجالات كانت واضحة ومعبرة، بدءا من المواقف العراقية المؤيدة للثورة المصرية والداعمة لإرادة الشعب المصري في اختيار من يدير شؤونه، مروراً بلقاءات كبار المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء نوري المالكي مع الرئيس المصري محمد مرسي وبعض أعضاء فريقه الحكومي على هامش مؤتمر قمة عدم الانحياز الذي عقد في العاصمة الايرانية طهران اواخر اب/اغسطس من العام الماضي، وكذلك على هامش مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القاهرة في السادس من شهر شباط/فبراير الماضي، وانتهاء بزيارة رئيس الوزراء هشام قنديل لبغداد، وما أسفرت عنه من تفاهمات واتفاقيات اقتصادية وتجارية بالدرجة الاساس، أبرزها المباشرة بإنهاء ملف الديون المصرية، والإتفاق على تكرير النفط العراقي بمصافٍ مصرية عبر مد أنبوب يوصل النفط العراقي من ميناء العقبة الأردني الى الاراضي المصرية، ووضع آليات تضمن حقوق ورساميل الشركات التي تقرر الدخول الى سوق الاستثمار العراقي، وإلغاء القيود المفروضة على دخول المصريين الى العراق لغرض العمل، والمالكي أكد "ان هناك خطة كبيرة لتنفيذ جميع مذكرات التفاهم التي وقعت بين البلدين في مجالات الطاقة والاعمار والبناء ودور شركات القطاع الخاص في إعمار العراق، ونحن عازمون على تعويض العراق عن السنوات الماضية التي مرت من دون تقدم في الإعمار والخدمات من خلال الاستثمار والاستعانة بالشركات الصديقة ".

بغداد والقاهرة .. الاقتصاد هو المفتاح!
مرسي والمالكي في اجتماع على هامش قمة مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي

ولا شك أنه من الحكمة والمنطق، ان تبحث القاهرة عن آفاق للانفتاح الاقتصادي والسياسي حتى تتغلب على المشاكل والأزمات المعقدة والشائكة التي تواجهها، فهي على الصعيد الاقتصادي تعاني تراجعاً كبيراً في عملتها، وانحساراً حاداً في دينامية القطاعات الانتاجية لها كالسياحة والصناعة والاستثمارات الاجنبية. وسياسياً تواجه السلطة ممثلة بحركة الإخوان المسلمين تحديات داخلية بسبب معارضة التيارات والقوى العلمانية التي تمثل بشكل آو بآخر النظام السابق، فضلا عن التحديات الخارجية بسبب التضييق والمواقف السلبية حيالها من قبل أطراف اقليمية ودولية مختلفة كالمملكة العربية السعودية التي تتوجس كثيراً من صعود نجم الاخوان المسلمين في مصر وغيرها باعتبارهم يشكلون تهديداً للوهابية ونظامها الرسمي في المملكة، وكذلك من قبل "اسرائيل" والولايات المتحدة الاميركية.

ومن الطبيعي أن تجد مصر في العراق اليوم ميدانا مهماً يتيح لها الانعتاق من ظروفها وأوضاعها الصعبة، لا سيما وان هناك قواسم مشتركة على صعيد التجربة السياسية الديمقراطية، والتوجهات المتبادلة لتبني سياسات خارجية متزنة ومعتدلة، الى جانب تشابه التحديات الخارجية وتماثل مصادرها واهدافها، وهو ما أشار اليه المالكي قائلا: "ان ما حصل في العراق ومصر من تحولات سياسية وديمقراطية يتيح فرصًا واعدة لتعاون ثنائي، وأن هناك توافقا واتفاقا على العمل والتنسيق لمواجهة الإرهاب والتطرف وقمع الشعوب ودعم التحولات الديمقراطية في المنطقة من خلال مبدأ الاعتدال والوسطية وحل المشكلات بين الدول بالحوار والتفاهم".

التغلب على الشد المذهبي

ونجاح توجهات ومساعي اصلاح وتعزيز وتقوية علاقات القاهرة مع بغداد، ربما يقترن بعامل مهم جداً، الا وهو تجنب اخضاع مسارات تلك العلاقات لعوامل الشد المذهبي والطائفي التي أخذت تستفحل وتهيمن على مساحات غير قليلة من المشهد العربي والاسلامي بفعل أجندات معينة تحركها وتوجه مساراتها قوى إقليمية ودولية تتوافق وتلتقي في مصالحها وتوجهاته، وأبعاد عوامل الشد المذهبي والطائفي يتيح صياغة مواقف منسجمة بخصوص قضايا مهمة وحساسة وخطيرة مثل الأزمة السورية وسبل حلها، والاتفاق على مبدأ رفض التدخل الاجنبي، وطبيعة التعاطي الدولي مع ايران وطموحاتها النووية السلمية، ونبذ سياسة المحاور والمحاور المضادة التي غالبا ما تعود بالضرر على من يقحم نفسه فيها او يتبناها من أجل إرضاء أطراف أخرى.

ولأن المداخل صحيحة، وهي تعكس فهماً وقراءة واقعية وموضوعية للمصالح الحقيقية، فإنه من الطبيعي أن توصل الى نتائج ايجابية مثمرة من جانب، ومن جانب آخر تجعل الاتفاق والتوافق على الكثير من القضايا أمراً ممكناً ومتاحا بأقل قدر من الوقت والجهد والتكاليف.

مصر تحتاج الى ان تعزز اقتصادها، وهذا في حال تحقق سوف يفضي الى احتواء مشاكلها السياسية والأمنية، واستعادة دورها، والعراق له نفس الرؤية، ولم يخطئ من قال ان "الاقتصاد هو المفتاح"!.
2013-03-05