ارشيف من :آراء وتحليلات

اولاند يجتاز الباب الموصود ويذهب لاكتشاف موسكو

اولاند يجتاز الباب الموصود ويذهب لاكتشاف موسكو
في الأسبوع الماضي قام الرئيس فرنسوا أولاند بأول زيارة له إلى روسيا الإتحادية. وقبل توجهه الى موسكو عقد اجتماعا موسعا مع كبار رجال الأعمال الفرنسيين، وهذا ما اكد طبيعة الزيارة ومحتواها الرئيسي. وقد طرح أولاند في الكرملين موضوع تسهيل نظام منح التأشيرات بين البلدين لما لهذا الامر من أبعاد انسانية وسياحية وتجارية واقتصادية. وقد بحث الرئيسان فلاديمير بوتين واولاند في الشؤون السياسية، ولا سيما الأزمة السورية والتدخل العسكري الفرنسي في مالي ضد المجموعات المسلحة هناك. الا ان الطابع الاقتصادي ظل غالباً على الزيارة.

ويقول بعض المحللين المطلعين إن الازمة المالية والإقتصادية في فرنسا، التي تنذر بالتحول الى أزمة اجتماعية ـ عرقية نظراً للطابع "الملوّن" ـ وخصوصا الاسلامي ـ لغالبية المهمشين والعاطلين من العمل والضواحي الفقيرة في باريس وغيرها من المدن الفرنسية الكبيرة، هي احد الدوافع الرئيسية لهذه الزيارة.

وفي لقائه مع ممثلي رجال الاعمال الفرنسيين في روسيا اعرب اولاند عن استعداد باريس لتسهيل اجراءات نظام التأشيرات بين البلدين من اجل توطيد العلاقات بين البلدين. ويوظف رجال الاعمال الفرنسيون سنويا في روسيا حوالى 10 مليارات يورو، وبذلك تشغل فرنسا المرتبة الثالثة للمستثمرين الأجانب في روسيا. وهذا المبلغ يزيد اضعافا عما يوظفه رجال الأعمال الروس في فرنسا. كما شدد اولاند على انه من الضروري تحفيز المستثمرين الروس، وكذلك الفنانين، العلماء والسياح العاديين لزيادة زيارة فرنسا الى اقصى حد ممكن.

اولاند يجتاز الباب الموصود ويذهب لاكتشاف موسكو

ذكّر أولاند رجال الاعمال الفرنسيين بأنه قابل الرئيس بوتين لاول مرة في شهر حزيران/يونيو الماضي، واول كلمة نطق بها امامه هي مسألة "العلاقات الاقتصادية". وقال "ان مهمتنا الرئيسية هي توسيع الحضور في السوق الروسية".

وتعقيبا على تصريحات أولاند قال بافل شينسكي المدير  العام لغرفة التجارة والصناعة الفرنسية ـ الروسية انه "كان الكثيرون يتخوفون من أن الرئيس أولاند سيتصرف في السلطة انطلاقا من المعتقدات الايديولوجية. ولكنه تبين انه براغماتي ثابت، وأنه يهتم قبل كل شيء بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين". "ويشهد على ذلك انه، خلافا لسلفيه نيكولا ساركوزي وجاك شيراك، فإن أول ما قام به في موسكو هو الاجتماع الى رجال الاعمال الفرنسيين في روسيا". ويقول أحد الخبراء إنه "أخذاً بالاعتبار الفهم المشوه لروسيا في الخارج، فمن المهم ان الرئيس أولاند قرر ان يستمع، عن روسيا، ليس الى مستشاريه الخاصين، أو الى الموظفين الروس، بل الى أناس يعملون بشكل دائم في روسيا".

ولم تقتصر المحادثات بين الطرفين على الجوانب الاقتصادية ـ التجارية، إذ بحث الرئيسان الوضع في سوريا، واعرب اولاند عن امله في تصريح لإذاعة "صدى موسكو" بأن يتوصل المجتمع الدولي خلال بضعة اسابيع الى حل سياسي ما، من شأنه تجنب التصعيد اللاحق للنزاع، مؤكداً  "ان باريس لا تعتزم خرق الحظر الصادر عن الاتحاد الاوروبي على توريد السلاح الى سوريا". وقال "ان فرنسا تتمسك بكلمتها"، ملاحظا ان بعض البلدان الاخرى لا تزال ترسل الاسلحة الى المعارضة السورية".

كما كان الوضع في مالي حاضراً على جدول المحادثات وهو ما اشار اليه اولاند أن الصراع هناك هو صراع ضد الارهاب، والرئيس بوتين يصارع هو ايضا ضد الارهاب بكل الوسائل الممكنة، وحسب قوله فإنه "لو لم تتدخل فرنسا في مالي لكانت هذه البلاد وقعت كليا في قبضة الارهابيين".

وبالاضافة الى اجتماعه مع رجال الاعمال الفرنسيين في روسيا، فقد شملت زيارة اولاند لقاءً موسعا له مع كبار رجال الاعمال الروس ايضا.

وقد كانت في السابق "السياسة الكبرى" هي الغالبة على طبيعة العلاقات بين موسكو وباريس، لكن اولاند يريد الآن ان يبدل هذا النهج وان يعتمد مع روسيا "دبلوماسية الاقتصاد". وهذا التوجه يمكن بسهولة تفسيره، وردّ اسبابه إلى تدهور الحضور الفرنسي في التجارة العالمية وتراجعه الى نصف ما كان عليه في السنوات العشر الاخيرة، اذ انخفضت حصة فرنسا من 6% الى 3،5%. وهذه الامر سبب عجزا كبيرا في الميزان التجاري الفرنسي، ما يشكل تهديدا جديا للاقتصاد الفرنسي وللنفوذ العالمي لفرنسا.

وتعمل فرنسا في هذه المرحلة على انجاح العديد من المشاريع المشتركة مع روسيا، لأنها تشكل سوقاً رئيسياً لشركة "رينو" للسيارات، والشيء ذاته يقال عن "السوسيتيه جنرال". وشركة "أشان" التي تستخدم 25 الف عامل في روسيا. وهناك تعاون في حقول بناء الطائرات، النقل، القطاع الفضائي، الطاقة وغيرها. وتنطلق ادارة اولاند الآن من قناعة بأن روسيا، خلافا للاتحاد الاوروبي، هي سوق متنامية. وبنتيجة المحادثات وقعت روسيا وفرنسا عددا من الاتفاقات الهامة، بما في ذلك اتفاق التعاون في حقل التكنولوجيا الفضائية.

اولاند يجتاز الباب الموصود ويذهب لاكتشاف موسكو

بهدف تطوير العلاقات التجارية ـ الاقتصادية بين البلدين قدم بوتين تطمينات إلى جمعيات رجال الاعمال الفرنسيين في روسيا، وتحدث عن محفزات وتسهيلات تعمل عليها حكومته وتبسيط العمليات الشكلية، واستبعاد الحواجز الادارية وتسهيل كل اشكال التبادل بين البلدين. واشار الى ان "التبادل السلعي قد نما بشكل ملحوظ في السنوات الثلاث الماضية (من 17،1 مليار دولار سنة 2009، الى 28،1 مليار دولار سنة 2011).  ولكنه اعترف انه بسبب الازمة في منطقة اليورو فقد تراجع التبادل السلعي الفرنسي في السنة الماضية الى 24،3 مليار دولار".

وأقر  اولاند بأن ضعف التوظيفات الروسية في فرنسا يعني ان على فرنسا أن تغير الكثير من القواعد وان تقلل الحواجز.
وتفيد احصاءات جرت مؤخرا ان 13% من الفرنسيين يعتبرون روسيا صديقا، و13% آخرين يعتبرونها عدوا، أما باقي الفرنسيين فيستصعبون الجواب. والسبب ـ حسب رأي اولاند ـ أنه في فرنسا يعرفون القليل عن روسيا، وهذا مصدر عار فيما خص بلدين متقاربين ثقافيا وسياسيا.

وفي لقائه مع جمعيات رجال الأعمال الفرنسيين في روسيا لخص أولاند سياسته نحو روسيا: "الرهان هو بسيط: حضور فرنسي اكبر في السوق الروسية، زيادة التصدير، انشاء فرص عمل جديدة، واجتذاب الرساميل الروسية الى فرنسا". "نحن علينا ان نستقطب التوظيفات، لأننا بحاجة الى اماكن عمل جديدة". وعلى الدولة ان تسهل هذه العملية. "وفي ما يتعلق بالرساميل، ومن اجل تسهيل توظيفها في فرنسا، فقد قررنا انه من المرغوب فيه ان يتم تكوين صندوق واحد او عدة صناديق سيادية روسية" في فرنسا.
2013-03-06