ارشيف من :آراء وتحليلات

فينزويلا: من وماذا بعد شافيز؟

فينزويلا: من وماذا بعد شافيز؟
فينزويلا... وماذا بعد؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يحوم الآن فوق فينزويلا وحولها. لقد نجح شافيز في العودة إلى وطنه قبل وفاته، ولكنه لم يتح له إلقاء خطبة وداع للشعب الذي بادله الحب. فطوال نصف سنة صارع مرض السرطان وخضع لأربع عمليات في كوبا. ولكنه أخيراً أسلم الروح.

وجاء في التعزية التي وجهها الرئيس الروسي بوتين الى نائب الرئيس الفينزويلي نيكولاس مادورو ان تشافيز كان "قائدا عظيما" و"صديقا قريبا لروسيا". "لقد كان شخصية قوية وغير اعتيادية، ينظر الى المستقبل ويضع نصب عينيه دائما هدفا ساميا". "وبفضله وُضع اساس متين للشراكة الروسية ـ الفينزويلية، التي نشأت على الاتصالات السياسية النشطة والمشاريع الانسانية والاقتصادية الواسعة".

وجاء في بيان التعزية الصادر عن الحكومة الكوبية: "ان الكومندان شافيز كان احد أبرز ابنائنا. لقد كان شافيز كوبيا ايضا! كان اشبه شيء بابن حقيقي لفيديل وكان صديقا حميما لراؤول! اننا سنتذكره عسكريا وطنيا وضع نفسه في خدمة فينزويلا، ومناضلا ثوريا باسلا وشجاعا. وان نضاله البطولي ضد الموت بدا كمثال لا سابق له للمقاومة".

فينزويلا: من وماذا بعد شافيز؟

وارسلت تعازيَ تقديرية ايضا بلدان خارج الاقليم كالصين، ايران، أبخازيا وفلسطين. وجميعها اكدت على التزامه بقضايا الشعوب المظلومة. وبشكل خاص قال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد "لقد كان رمزا للثوار والاحرار في العالم".

وبالاضافة الى الدول الصديقة ودول أميركا اللاتينية عبرت عن تعازيها دول غربية أيضا. والدولة الوحيدة التي سمحت لنفسها بأن توجه تعابير حادة ضد المتوفى هي الولايات المتحدة الاميركية. ولم يخف اعضاء الكونغرس "الجمهوريون" اغتباطهم بموت القائد الفينزويلي، الذي وقف بصلابة ضد الامبريالية الاميركية، ولم يتوان جورج بوش الابن عن نعته بـ"الشيطان".

فقبل وفاة شافيز توترت العلاقات بين فينزويلا وأميركا اكثر واكثر، الى درجة ان فينزويلا ابعدت من البلاد الملحق العسكري الاميركي دايفيد دل موناكو "لمشاركته في مؤامرة ضد الجمهورية". اما باراك اوباما، وبالرغم من عدم تعزيته بوفاة شافيز، فقد صرح "في هذا الوقت العصيب فإن الولايات المتحدة الاميركية تدعم شعب فينزويلا وتؤكد على حرصها على تطوير علاقات بناءة مع حكومة فينزويلا".

وفيما كان نائب الرئيس الفينزويلي نيكولاس مادورو يعلن نبأ الوفاة لم يتمالك نفسه عن ذرف الدموع. وفيما بعد صرح للصحفيين انه سيتولى مسؤولية قيادة الدولة حتى موعد اجراء انتخابات رئاسية بعد 30 يوما. ورد بايجابية على دعوة المعارضة للمحافظة على الوحدة. وكان شافيز خلال اشتداد مرضه قد سمى مادورو خليفة له في حين كان يعتبر ان الخلف سيكون رئيس البرلمان ديوسدادو كابيليو.

وتقول الاشاعات انه كانت تجري بين الرجلين المفضلين لدى شافيز معركة خفية حول من سيخلف الرئيس. وكان هناك اعتقاد بأن الجيش يؤيد كابيليو. ولكن بعد وفاة شافيز لم يتردد الجنرالات في الاعلان عن ولائهم لنائب الرئيس. ومن المحتمل انه سيدخل ميدان المنافسة ضد المرشح الموالي للحكومة حاكم ولاية ميراندا انريكه كابريليس. وهو الذي خسر المعركة الانتخابية الرئاسية امام شافيز في تشرين الاول الماضي. ولكن بعد وفاة شافيز فإن زعيم المعارضة لم يعبر عن الشماتة بل قال: "لقد كنا خصوما لهوغو شافيز، ولكننا لم نكن اعداء. وهذه رسالة احترام وتضامن، موجهة الى جميع الفينزويليين من دون استثناء". ودعا كابريليس، الذي كان يتحدث باسم كتلة الوحدة الديمقراطية المعارضة، السلطة لان تعمل بموجب الدستور. والدستور ينص على انه في حال وفاة الرئيس فإن وظيفة الرئيس يتولاها رئيس البرلمان، اي كابيليو. ولكن المعارضة لم تلح على هذا الطلب.

"من الان فصاعدا، ان فينزويلا لن تكون وحيدة ـ فمعنا روسيا! انهم شركاؤنا الاستراتيجيون. بعد الان لن نكون وحيدين. نحو شواطئنا يتوجه الاسطول الروسي، الذي بدأ يتحرك!" ـ هذه الكلمات العاطفية التي ادلى بها شافيز سنة 2008، تعبر بوضوح عن موقفه من روسيا.

فينزويلا: من وماذا بعد شافيز؟

فبعد ان بدأت اميركا الحصار الاقتصادي على فينزويلا سنة 2005 وبتعليمات مباشرة من شافيز بدأ عقد صفقات بمليارات الدولارات مع موسكو: لقد تم شراء: الذخيرة، رشاشات كلاشنيكوف، طائرات هيليكوبتر، طائرات مطاردة، بطاريات صواريخ مضادة للطيران، زوارق خفر السواحل، غواصة. وبلغ التبادل التجاري بين روسيا وفنزويلا 7،944،1 مليارات دولار مع فائض 1،1943 مليار لمصلحة روسيا. وفي لائحة الصادرات الروسية تحتل الجزء الاكبر الماكينات، المعدات، ووسائط النقل (3،50%)، سلع اخرى (1،40%)، منتجات الصناعة الكيماوية (6،5%). وعقد البلدان اتفاقا نفطيا ضخما: 60% من العقد تعود لشركة النفط الفينزويلية الحكومية PDVSA، و40% للكونسرسيوم الحكومي الروسي، الذي يضم "روسنفط"، TNK-VR و"لوكأويل".

وعلق على وفاة شافيز نيكولاي ليونوف، الجنرال ـ ليوتينانت المتقاعد، الرئيس السابق لمديرية التحليل في الكا جي بي السوفياتية بالقول: ان الوفاة المبكرة للسياسي البارز، والصديق الحقيقي لروسيا هوغو شافيز، سيكون لها نتائج جدية بالنسبة لموسكو، التي سبق ان وقعت مع القائد الفنزويلي الراحل عقودا كبيرة مفيدة لكلا البلدين. وقد اعرب شافيز مرارا عن اعجابه بالسلاح الروسي. وليس من الصدفة ان الجيش الفينزويلي يعتمد اساسا في تسلحه على النماذج الروسية. ومن الواضح انه فقط بانتصار مرشح الاشتراكيين في الانتخابات الرئاسية يمكن الأمل بضمان استمرار العقود مع الشركات الروسية. وعلى العكس من ذلك، في حال انتصار مرشح المعارضة، المدعوم من الغرب، فإن السلطات الفينزويلية الجديدة يمكن ان تلغي الاتفاقات المعقودة معنا.

وبالاضافة الى ذلك فإن كابريليس اعلن انه في حال تسلمه السلطة فإنه سيستبدل الطائرات المطاردة الروسية بطائرات مدنية. ان ثروات الغاز والنفط في فينزويلا تجتذب كل العالم. وقد عملت هناك لمدة طويلة الشركات الاميركية والانكليزية الضخمة، التي طلب منها شافيز المغادرة. ولست أشك ان هذه الشركات ستقوم بجهود سياسية ومادية قصوى لاجل دعم مرشح المعارضة كي تستعيد لنفسها هذا السوق المربح، الذي بفضل شافيز دخلته الشركات الروسية. ان الصراع سيكون جديا. ولا ننسى ان روسيا كانت تمتلك بشخص شافيز حليفا سياسيا قويا في نصف الكرة الغربي. والفوائد من التعاون لم تكن تقتصر على الجوانب الاقتصادية والعسكرية. واذا كانت روسيا تريد ان تحتفظ بمواقعها في فنزويلا وفي القارة، فعليها ان تبذل قصارى جهودها لاجل دعم خليفة قائد الثورة البوليفارية.

في حال جاءت الى السلطة في فينزويلا المعارضة المؤيدة للغرب، فإن خسارة روسيا ستكون كبيرة. أما اذا كسب المعركة الرئاسية نائب الرئيس نيكولاس مادورو فإن الحوار بين موسكو وكاراكاس سيتواصل. وقد اقسم مادورو انه سيتابع انتهاج خط شافيز. ولكن هذا وحده لا يعطي الضمانات الكاملة على استمرار تطبيق العقود الكبرى مع روسيا. وخاصة فيما يتعلق بقرض الاربعة مليارات دولار المخصص لشراء التكنولوجيا العسكرية من روسيا. لقد عمل مادورو لسنوات الى جانب شافيز وكان يطبق سياسته، الا انه لم يكن يدلي بتقديراته الخاصة. ولقد سبق لمادورو ان زار موسكو، الا أنه كان دائما لسان حال القائد. والان فإنه هو الذي يقف في الصف الاول، وعليه ان يرد على هجومات المعارضة. وبالاخص الهجوم على العلاقات المميزة بين كاراكاس وموسكو. ويقول الخبراء ان معركة الرئاسة القادمة ستكون قاسية جدا، وستقف الى جانب المعارضة الامبراطوريات النفطية الغربية، التي سبق لشافيز ان طردها من البلاد وهي تأمل الان ان تعود لاخذ مواقعها السابقة.

ان روسيا لا تستطيع ان تكتفي بموقف المراقب المتعاطف مع مادورو، بل يجب ان تقوم بدور فعال بوصفها الورقة الرابحة الرئيسية بيده. ذلك ان روسيا لم تقم فقط بتقديم القروض بمليارات الدولارات لاعادة تسليح الجيش الفينزويلي وتحديث صناعة النفط الفينزويلية، بل انها هي الضمانة الاساسية لحماية استقلال فينزويلا. ولهذا ينبغي لروسيا ان تعلن وقوفها علنا الى جانب مادورو.

*كاتب لبناني مستقل
2013-03-14