ارشيف من :آراء وتحليلات

التدخل الاميركي وتوقيع سليمان وميقاتي محاولة لخلط أوراق الانتخابات

التدخل الاميركي وتوقيع سليمان وميقاتي محاولة لخلط أوراق الانتخابات

ليست الانتخابات النيابية في لبنان مجرد تفصيل محلي فقط، بل هي تعكس الحراك والتبدل في موازين القوى والأطراف السياسية والاجتماعية وحتى الطائفية، وتعكس أيضاً التبدل في خريطة التحالفات وما يحكمها من حسابات ومصالح متنوعة، وتفتح خلاصتها الى تبديل في السلطات عبر مسار ديموقراطي فعلي، في نظام ديموقراطي برلماني كالنظام اللبناني يحتل فيه المجلس النيابي موقعاً مفصلياً يتجاوز دوره التشريعي والرقابي الى دور انتخاب رئيس الجمهورية والحكومة، يعزز ويقوي من لعبة الصراع السياسي على البرلمان، وفي بلدٍ تنخره الانقسامات السياسية المتجاوزة للاعتبارات المحلية والمتداخلة بعمق مع الانقسامات الاقليمية والدولية، وفي بلدٍ تجتاحه الانقسامات الطائفية، ما يجعل من أي استحقاق سياسي محطة لخوض مواجهات متعددة الأبعاد، تزداد حدة وخطورة بحسب الواقع الجيو ـ سياسي الفاعل لبنانياً على نحوٍ رئيسي.


بناءً عليه، يتعامل الأطراف المحليون والاقليميون والدوليون مع استحقاق الانتخابات اللبنانية كفرصة لتعديل التوازنات في السلطة إما للحفاظ عليها، وإما لاستعادتها، وإما لامتلاك تأثير أكثر من الطرف الآخر، وإما لعكس تسويات مرحلية تتطلّبها الظروف والتفاهمات الخارجية أكثر من الظروف والاعتبارات الداخلية. إن فهما معمقا لحقيقة ما يجري حالياً من اشتباك محلي وإقليمي ودولي حول الاستحقاق النيابي يحتاج منا ملاحظة الآتي:

أولاً: ان لبنان يقع في صلب المعادلة الجيو ـ سياسية والاستراتيجية والاجتماعية لسوريا، ويكون مغمض العينين من لم ير المحاولات الحثيثة التي يقوم بها تيار المستقبل وبعض التيارات السلفية المعروفة الارتباطات والتمويل لتحويل منطقة الشمال على الأقل الى مدى حيوي وإسنادي للمجموعات المسلحة في سوريا، وهؤلاء منسجمون تماماً مع خيارهم السياسي المتطابق مع خيار منظومة مشيخات الخليج الدائرة في فلك المشروع الاميركي ـ الصهيوني في المنطقة، والراغبة بقوة بنفض اليد نهائياً من موضوع الصراع مع الكيان الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، القصة لا تقف عند هذا الحد، بل كان هؤلاء يتمنون لو أنهم ما زالوا في السلطة ليتمكنوا من تجيير موقع لبنان بالكامل لمصلحة ضرب موقع سوريا المقاوم والممانع في المنطقة.

هذا في جانب، وفي جانب آخر، فان تيار المستقبل وملحقاته ومنتجاته المتنوعة بما فيها ادواته الأمنية داخل السلطة، بنوا كل رهاناتهم على أن اسقاط النظام في سوريا هو المدخل الأهم والأنسب لتعديل موازين القوى المحلية لمصلحتهم، والعودة الى السلطة من ضمن رؤية سياسية جديدة تطيح بكل عناوين التفاهمات السابقة ومعادلاتها وفي طليعتها معادلة الجيش والشعب والمقاومة.

حسابات هذا التيار ورهاناته لم تنجح على الأقل حتى الآن، ويمكن القول أكثر من ذلك إنها ارتدت عليه سلباً على أكثر من صعيد سواء داخل ساحته، أم على صعيد علاقاته مع بعض حلفائه.

ثانياً: الحلفاء المسيحيون للتيار الأزرق توزعوا على فئتين: فئة الشخصيات المستقلة التي بقيت على ولائها المطلق لهذا التيار، وفئة أخرى حاولت ان ترسم مسافة تكتيكية عنه كحزبي القوات والكتائب، هذان الحزبان اللذان يلتقيان مع التيار الأزرق على أولوية العداء للنظام السوري ولسلاح المقاومة، الا انهما وجدا نفسيهما مضطرين للأخذ بالاعتبارات مجموعة وقائع لا يمكن تجاوزها، وهي:

أ ـ أن هناك فرصة للخروج من حال التبعية المطلقة للتيار الأزرق الى حال التحالف الندي، هذه الفرصة يتيحها القانون الارثوذكسي تحديداً.

ب ـ أن الظروف وضعتها بين خيار اختيار المصلحة المسيحية العامة، او اختيار مراعاة مصالح التيار الأزرق، ولا سيما أن الجنرال عون كان يقف على يمينها.

ج ـ الخطاب السياسي النزق والموغل في مذهبيته لتيار المستقبل اضافة الى تنامي بعض التيارات السلفية التكفيرية، وخطابها السياسي النقيض لكل شعارات هذه القوى، وضعتهما في حال من الحرج الشديد، كما أصاب منطقهما التبريري لدعم التيار الأزرق وتصنيف حزب الله على نحو خاص بأنه هو الخطر بأعطاب كبيرة، وذلك لمصلحة المنطق الضد سواء للجنرال عون، ام للبطريرك الراعي في بعض نواحيه.

ثالثاً:
أن رئيس الجمهورية كان أكثر شفافية ووضوحاً منذ البداية لجهة تحديد موقفه من الاستحقاق النيابي، فهو أعلن صراحة انه ضد القانون الأرثوذكسي، وأنه مع قانون يتبنى النسبية، وأنه اذا لم يتم التوصل الى توافق، فان قانون الستين نافذ... الخ. وأنه أخيراً مع اجراء الانتخابات في وقتها.

في الخلاصة، ان مجموع مواقفه يقول انه مع الستين عملياً، لأنه يدرك صعوبة التوافق، الأمر الذي لا يسمح بإجراء الانتخابات في وقتها، الا وفق هذا القانون، وهذا ينسجم مع مساره السياسي الأخير المتماهي الى حد كبير مع فريق 14 آذار.

رابعاً: ان رئيس الحكومة ـ على عادته ـ بقي يمارس نوعاً من التورية السياسية، حيث يسرب معلومات بأنه مع الارثوذكسي، أو يبلغ من يعنيه الأمر بموقفه الايجابي هذا، في حين ان مواقفه العلنية التي بدأت من لندن وصولاً الى مواقفه الأخيرة، ضمن موقعه انه ضد الارثوذكسي ولن يصوت عليه.

خامساً: جاء توقيع كل من وزير الداخلية ورئيس الجمهورية والحكومة على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات وفق قانون الستين ليشكل صدمة سياسية. يمكن لميقاتي وسليمان ان يتذرعا بالأسباب القانونية لتبرير توقيعهما، الا أنهما يدركان في قرارة نفسيهما ان توقيعهما لا معنى سياسيا له سوى صب المزيد من الزيت على نار الانقسام الحاد حول قانون الانتخابات، وخصوصاً ان الرافضين لقانون الستين هم اكثر بكثير من الرافضين للقانون الارثوذكسي، وأنهما بقرارهما هذا، انما يغامران بدفع الأمور الى الخيارات القصوى.

سادساً: برز بوضوح مؤخراً الدخول الاميركي والأوروبي على خط الاستحقاق النيابي من مدخلين:

الأول: ان الاعتبار الاساسي هو لإجراء الانتخابات في وقتها حتى لو كان بموجب قانون الستين، التبريرات المُساقة ضعيفة بالقياس الى موجبات التفاهم او التأجيل وحتى التمديد، ماذا يعني هذا الموقف عملياً؟ إنه يعني ان المطلوب انجاز الانتخابات لقلب المعادلة الداخلية لمصلحة فريق 14 آذار، حتى لو أدى الى الاطاحة بالاستقرار الذي طالما اعتبر شرطاً غربياً لازماً. هل هذا يعني بدوره انه حان الوقت لإسقاط هذا الشرط لاعتبارات لا تخص الأزمة اللبنانية لوحدها، وانما لاعتبارات تخص الأزمة السورية لا سيما بعد تقريب تسليح المجموعات المسلحة لقلب توازنات القوة الميدانية لمصلحتها.

الثاني: التسليم بضرورة التأجيل او التمديد لكن وفق شروط عامة مفادها ان لا يقف التمديد مثلاً عند حدود المجلس بل يتجاوزه ليشمل كل شيء تقريباً.

سابعاً: من نافل القول، ان لدى تحالف 8 آذار قرارا استراتيجيا كبيرا بعدم اجراء الانتخابات وفق قانون الستين.

ثامناً: ماذا لدينا من سيناريوهات في ضوء كل ما تقدم؟

أ ـ أن يكون كل ما يجري هو لوضع الأطراف للتفاهم على قانون انتخابات يشكل تسوية ما، وهذا امر بالغ الصعوبة، الا اذا كان المطلوب هو ايجاد قانون يوازن بين تحالف الرابع عشر من آذار وتحالف الثامن من آذار، وعلى ان يأخذ من كل منهما لمصلحة ما يسمى بالكتلة الوسطية، ما يعني بدوره ابقاء الأمور على ما هي عليه، بانتظار ما ستؤول اليه الأمور في المنطقة عموماً وسوريا تحديداً.

ب ـ أن يكون كل ما يجري هو لإنضاج الظروف الملائمة للتأجيل او للتمديد لكن بعد انتاج تفاهم شامل حولها، وفي حال حصوله، فهذا بدوره سيكون سقفه الزمني مرتبطا بالتقديرات الخاصة بالسقف الشرعي للأزمة السورية.

ج ـ أن يذهب أنصار القانون الارثوذكسي الى النهاية وبالتالي يدعو الرئيس بري الى عقد جلسة للهيئة العامة للمجلس للتصويت عليه، وعندها سيكون موقفا القوات والكتائب على المحك خصوصاً بعد الضغوط الاميركية عليهما لعدم المشاركة في التصويت.

في مطلق الأحوال، لا طريق الستين معبدة قانونياً بالكامل، وهو محل رفض سياسي اكثر من ميثاقي، ولا طريق الأرثوذكسي معبدة أيضاً بالكامل، ولا طريق التفاهم سهل في ظل تعقّد الحسابات وتضارب المصالح والغايات، الأمر الذي يجعل التمديد او التأجيل هما الخيار الأكثر واقعية وسهولة.
2013-03-13