ارشيف من :آراء وتحليلات
العراق: اقتحام وزارة العدل... المشهد يتكرر!!
من دون أدنى شك لا يحتاج العراقيون الى صدور بيان رسمي ممّا يسمى بـ"دولة العراق الاسلامية" التابع لتنظيم القاعدة يعلن مسؤوليته عن عملية اقتحام وزارة العدل التي جرت الخميس الماضي، وتسببت باستشهاد وجرح العشرات من موظفي الوزارة ومنتسبي الأجهزة الامنية، حتى يتأكدوا أن "تنظيم القاعدة" هو من يقف وراء ما حصل، وقبل أن يعلن التنظيم مسؤوليته عن العملية، فإن مجمل الدلائل والمؤشرات والمعطيات ذهبت الى أن ذلك التنظيم هو المخطط والمنفذ، وإذا كانت هناك أطراف اخرى قد شاركت في التخطيط او التنفيذ فإن أدوارها كانت مكملة وليست اساسية.
ومن هذه الدلائل والمؤشرات:
-إن العملية كانت انتحارية، ومعروف ان تنظيم "القاعدة" والاجنحة التابعة له هي التي تعتمد هذا الاسلوب الذي غالبا ما يستهدف عموم الناس بلا تمييز فيما بينهم، فخلال الأعوام العشرة الماضية تسببت عشرات ـ او مئات ـ العمليات الانتحارية في الاسواق وأمام المدارس والجامعات والمستشفيات ومراكز التطوع وغيرها من المؤسسات الحكومية والأماكن العامة، بإزهاق ارواح أعداد هائلة من الناس الأبرياء.
ـ إن عملية اقتحام وزارة العدل تشبه الى حد كبير ـ إن لم تكن تتطابق ـ مع عمليات إرهابية سابقة تبنتها "دولة العراق الاسلامية" مثل عملية اقتحام مبنى مديرية مكافحة الارهاب في العاصمة بغداد أواخر شهر تموز/يوليو الماضي، والتي كان يراد من ورائها إطلاق سراح عشرات الإرهابيين المعتقلين في تلك المؤسسة، وقد جاءت عملية الاقتحام ضمن مخطط اطلق عليه "هدم الاسوار"، اي هدم أسوار السجون وإطلاق سراح المعتقلين منها، وتبعتها بعد شهرين عملية اقتحام سجن تسفيرات محافظة صلاح الدين (تكريت)، ولم تختلف الأخيرة عن سابقتها من حيث آليات التخطيط والتنفيذ. وكتبنا في حينه تحت عنوان (سجن تكريت.. والبقية تأتي) .."ما الذي يمنع تكرر حصول ما حصل في سجن تكريت في أي مكان آخر يمكن أن يكون داخل المنطقة الخضراء التي يقال عنها انها شديدة التحصين، فقبل بضعة أيام قامت مجموعة إرهابية باغتيال أربعة من الحراس الأمنيين في احد مداخل المنطقة الخضراء بكواتم الصوت في وضح النهار! ومن يستطيع ان يقتل الحراس بهذه السهولة، كيف لا يمكنه اختراق المنطقة الشديدة التحصين والقيام بعمل انتحاري يستهدف إحدى المؤسسات أو الشخصيات هناك وهي كثيرة جدا؟".
ولعله خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة شهد العراق عمليات إرهابية مماثلة عديدة من بينها اقتحام البنك المركزي وسط بغداد في منتصف شهر حزيران/يونيو 2010، واقتحام مبنى مجلس محافظة صلاح الدين/تكريت في نهاية شهر شباط/فبراير 2011، واقتحام مديرية التحقيقات الجنائية في محافظة الانبار في منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2012.
ـ جاءت العملية بعد تهديدات واضحة وصريحة وعلنية أطلقتها شخصيات دينية وسياسية من على منابر التظاهرات الجماهيرية في محافظة الانبار ومدن أخرى، علما ان تلك الشخصيات معروفة بتطرفها وتكفيرها للآخر، وتناغمها مع اطروحات تنظيم القاعدة وأهدافه، ناهيك عن أجنداتها المتمثلة بإسقاط الحكومة وإفشال العملية السياسية برمتها.
ان اتفاق مجمل الاطراف والقوى السياسية ومعها الشارع العراقي على نقطة مهمة وحساسة وخطيرة، تتمثل في ضعف الأجهزة الأمنية واختراقها من قبل الجماعات الإرهابية، يعبر في واقع الأمر عن قراءة ورؤية موضوعية للمشهد الأمني العام في البلاد.
فهناك من قال ان عملية الاقتحام تعد خرقا نوعياً كبيراً في هذه المناطق الحساسة، وإنها تثبت هشاشة وضع السيطرات والأجهزة الامنية والضعف الاستخباراتي.
وهناك من قال بأن تنظيم القاعدة ما زال لديه إمكانية عالية من ناحية التحرك ومباغته القوات العراقية، وعلى القوات الأمنية ان تعلم انها تواجه عدواً شرساً متمرساً في هذا المجال هو تنظيم القاعدة.
وهناك من قال، ان هناك غيابا للمعلومة وضعفا في الجهد الاستخباري، وهناك ضربات استباقية وتراخياً في القيادات الأمنية، ولا بد من اعادة النظر بالقيادات الأمنية والخطط.
وكل ما قيل صحيح بصرف النظر عن الدوافع والاهداف.
واذا كان تنظيم "القاعدة" قد نجح في اختراق واحدة من أهم المؤسسات الحكومية، وفي منطقة تعتبر وفق الحسابات والمعايير الأمنية محصنة، فإنه من الصعب، بل من غير المعقول الإدعاء بأن عملية الاقتحام فشلت لأن أفراد المجموعة الإرهابية التي هاجمت الوزارة قد قتلوا جميعهم، لأن هؤلاء المهاجمين لم يكن من بين اهدافهم النجاة والبقاء على قيد الحياة، إذ ان ثلاثة أو أربعة منهم فجروا انفسهم في اماكن مختلفة من مبنى الوزارة ليتيحوا لزملائهم الوصول الى حيث يريدون، وقد قيل ان وجهتهم الحقيقية كانت الطابق الثالث، اذ توجد ملفات الاحكام المختلفة بحق المعتقلين.
بيد ان تقريراً سرياً صدر مؤخراً من مستشارية الأمن الوطني وكان موجها الى رئيس الوزراء نوري المالكي، وتسربت فقرات منه الى وسائل الاعلام يتحدث عن أن عملية اقتحام وزارة العدل ليست الا "بروفة" ـ او مقدمة ـ لاقتحام مبنى مجلس الوزراء في داخل المنطقة الخضراء!.
حيث يؤكد التقرير ان كل المعطيات والظروف التي رافقت عملية اقتحام وزارة العدل تشير إلى أن العملية كانت تدريباً لتنفيذ عملية أكبر وأخطر قد تكون في المرة المقبلة اقتحام منطقة رئاسة الوزراء باتجاهين, المدخل من منطقة فندق الرشيد والمدخل القريب من شارع وزارة الخارجية، وانه تبين من خلال بعض القرائن أن عملية اقتحام وزارة العدل كانت تهدف الى معرفة حجم القوات الامنية التي يعتمد عليها المالكي في المنطقة المحيطة بمداخل رئاسة الوزراء, حيث تقع شبكة الاعلام العراقي، ومجلس محافظة بغداد، ووزارة الخارجية، والسفارة الايرانية، والطريق المؤدية الى مدخل وزارة الدفاع.
ويشير التقرير الاستخباراتي الى "ان اكثر من خمسة تفجيرات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة تمت بتنظيم عال في نقطة التقاطع الى مدخل رئاسة الوزراء ووزارة العدل في كراج علاوي الحلة وسط بغداد، غير ان هذه التفجيرات لم تكن فعالة بالمستوى المتوقع، وبالتالي كان هدف تفجير هذه السيارات والعبوات، تحديد ردود فعل القوات الموجودة والكامنة لحماية المنطقة ومن اي مواقع ستخرج، كما ان اقتحام مبنى وزارة العدل تم بواسطة انتحاريين اكتفوا بتفجير الطابق الاول واغتيال الحرس، رغم ان الظروف كانت مهيئة لاحتلال مبنى الوزارة بالكامل واحتجاز رهائن وتحقيق خسائر اكبر بكثير مما حصل، ما يدل على ان الهجوم تكتيكي".
وأشارت مستشارية الأمن الوطني في تقريرها الى الخطأ الذي وقعت به القوات الامنية، والمتمثل بحركتها بصورة عفوية مفرطة من مواقعها بحيث عرّفت بنفسها وبالطرق التي تسلكها في حالات التصدي لهجمات داخل هذه المنطقة الحيوية.
ونصحت المالكي بأن يعيد النظر بخطة الانتشار العسكري في المنطقة المحيطة برئاسة الوزراء وبأعداد القوات المتمركزة وأنواعها وتسليحها بسرعة، لأن اي هجوم متوقع لاقتحام مداخل المنطقة الخضراء سيتضمن تفجير عدد كبير من العبوات والسيارات قد يبلغ عددها العشرين سيارة وعبوة وبأطنان من المواد المتفجرة، لإثارة الهلع وقتل اعداد كبيرة جداً من الاشخاص، يعقبها اقتحام مسلح للمنطقة إما بواسطة سيارات الاسعاف التي ستكون محملة بأعداد كبيرة من المسلحين او بقوات ترتدي زي الجيش ستأتي من خارج المنطقة، وقد يبلغ تعدادها اكثر من مئة مسلح.
وحتى لو بدا ان هناك نوعاً من المبالغة في تقرير مستشارية الأمن الوطني، إلا أن الافتراضات والاحتمالات التي يتضمنها تتسم بقدر كبير من الواقعية، وخصوصاً أن تكرار وقوع هجمات إرهابية على مواقع ومراكز حساسة في بغداد ومدن أخرى يؤكد حقيقتين مؤلمتين بالنسبة لرجال السياسة والأمن العراقيين المعنيين بزمام الأمور، الحقيقة الأولى هي أن الجماعات الارهابية ما زالت تمتلك القدرة على التحرك والفاعلية من دون ان تكون ملزمة بتغيير وتعديل الكثير من سياقات عملها، مستفيدة من الازمات السياسية في البلاد، وقدرتها على تجنيد عملاء لها من داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، والحقيقة الثانية، تتمثل في أن الأخيرة ما زالت ضعيفة ومخترقة ومتعددة الولاءات وتفتقر الى المهنية والحرفية الكافية التي تجعلها قادرة على الامساك بزمام الامور.
وطبيعي ان وصول الجماعات الارهابية الى داخل المنطقة الخضراء ـ علما ان تلك المنطقة شهدت في اوقات سابقة عمليات ارهابية محدودة استهدفت مجلس النواب، فضلا عن كشف مخططات لادخال اسلحة ومتفجرات، او وضع اليد على قسم منها ـ يعني، في ظل الاحتقانات السياسية الحادة واتساع الهوة بين الفرقاء، وارتفاع وتيرة الشد الطائفي بفعل عوامل داخلية وخارجية، أن كل الاحتمالات قائمة، وأن المشهد يمكن ان يتكرر في مواقع اكثر حساسية من وزارة العدل، والمسافة هنا لن تتجاوز بضع مئات من الامتار!.
ومن هذه الدلائل والمؤشرات:
-إن العملية كانت انتحارية، ومعروف ان تنظيم "القاعدة" والاجنحة التابعة له هي التي تعتمد هذا الاسلوب الذي غالبا ما يستهدف عموم الناس بلا تمييز فيما بينهم، فخلال الأعوام العشرة الماضية تسببت عشرات ـ او مئات ـ العمليات الانتحارية في الاسواق وأمام المدارس والجامعات والمستشفيات ومراكز التطوع وغيرها من المؤسسات الحكومية والأماكن العامة، بإزهاق ارواح أعداد هائلة من الناس الأبرياء.
ـ إن عملية اقتحام وزارة العدل تشبه الى حد كبير ـ إن لم تكن تتطابق ـ مع عمليات إرهابية سابقة تبنتها "دولة العراق الاسلامية" مثل عملية اقتحام مبنى مديرية مكافحة الارهاب في العاصمة بغداد أواخر شهر تموز/يوليو الماضي، والتي كان يراد من ورائها إطلاق سراح عشرات الإرهابيين المعتقلين في تلك المؤسسة، وقد جاءت عملية الاقتحام ضمن مخطط اطلق عليه "هدم الاسوار"، اي هدم أسوار السجون وإطلاق سراح المعتقلين منها، وتبعتها بعد شهرين عملية اقتحام سجن تسفيرات محافظة صلاح الدين (تكريت)، ولم تختلف الأخيرة عن سابقتها من حيث آليات التخطيط والتنفيذ. وكتبنا في حينه تحت عنوان (سجن تكريت.. والبقية تأتي) .."ما الذي يمنع تكرر حصول ما حصل في سجن تكريت في أي مكان آخر يمكن أن يكون داخل المنطقة الخضراء التي يقال عنها انها شديدة التحصين، فقبل بضعة أيام قامت مجموعة إرهابية باغتيال أربعة من الحراس الأمنيين في احد مداخل المنطقة الخضراء بكواتم الصوت في وضح النهار! ومن يستطيع ان يقتل الحراس بهذه السهولة، كيف لا يمكنه اختراق المنطقة الشديدة التحصين والقيام بعمل انتحاري يستهدف إحدى المؤسسات أو الشخصيات هناك وهي كثيرة جدا؟".
ولعله خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة شهد العراق عمليات إرهابية مماثلة عديدة من بينها اقتحام البنك المركزي وسط بغداد في منتصف شهر حزيران/يونيو 2010، واقتحام مبنى مجلس محافظة صلاح الدين/تكريت في نهاية شهر شباط/فبراير 2011، واقتحام مديرية التحقيقات الجنائية في محافظة الانبار في منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2012.
ـ جاءت العملية بعد تهديدات واضحة وصريحة وعلنية أطلقتها شخصيات دينية وسياسية من على منابر التظاهرات الجماهيرية في محافظة الانبار ومدن أخرى، علما ان تلك الشخصيات معروفة بتطرفها وتكفيرها للآخر، وتناغمها مع اطروحات تنظيم القاعدة وأهدافه، ناهيك عن أجنداتها المتمثلة بإسقاط الحكومة وإفشال العملية السياسية برمتها.
ان اتفاق مجمل الاطراف والقوى السياسية ومعها الشارع العراقي على نقطة مهمة وحساسة وخطيرة، تتمثل في ضعف الأجهزة الأمنية واختراقها من قبل الجماعات الإرهابية، يعبر في واقع الأمر عن قراءة ورؤية موضوعية للمشهد الأمني العام في البلاد.
فهناك من قال ان عملية الاقتحام تعد خرقا نوعياً كبيراً في هذه المناطق الحساسة، وإنها تثبت هشاشة وضع السيطرات والأجهزة الامنية والضعف الاستخباراتي.
وهناك من قال بأن تنظيم القاعدة ما زال لديه إمكانية عالية من ناحية التحرك ومباغته القوات العراقية، وعلى القوات الأمنية ان تعلم انها تواجه عدواً شرساً متمرساً في هذا المجال هو تنظيم القاعدة.
وهناك من قال، ان هناك غيابا للمعلومة وضعفا في الجهد الاستخباري، وهناك ضربات استباقية وتراخياً في القيادات الأمنية، ولا بد من اعادة النظر بالقيادات الأمنية والخطط.
وكل ما قيل صحيح بصرف النظر عن الدوافع والاهداف.
واذا كان تنظيم "القاعدة" قد نجح في اختراق واحدة من أهم المؤسسات الحكومية، وفي منطقة تعتبر وفق الحسابات والمعايير الأمنية محصنة، فإنه من الصعب، بل من غير المعقول الإدعاء بأن عملية الاقتحام فشلت لأن أفراد المجموعة الإرهابية التي هاجمت الوزارة قد قتلوا جميعهم، لأن هؤلاء المهاجمين لم يكن من بين اهدافهم النجاة والبقاء على قيد الحياة، إذ ان ثلاثة أو أربعة منهم فجروا انفسهم في اماكن مختلفة من مبنى الوزارة ليتيحوا لزملائهم الوصول الى حيث يريدون، وقد قيل ان وجهتهم الحقيقية كانت الطابق الثالث، اذ توجد ملفات الاحكام المختلفة بحق المعتقلين.
بيد ان تقريراً سرياً صدر مؤخراً من مستشارية الأمن الوطني وكان موجها الى رئيس الوزراء نوري المالكي، وتسربت فقرات منه الى وسائل الاعلام يتحدث عن أن عملية اقتحام وزارة العدل ليست الا "بروفة" ـ او مقدمة ـ لاقتحام مبنى مجلس الوزراء في داخل المنطقة الخضراء!.
حيث يؤكد التقرير ان كل المعطيات والظروف التي رافقت عملية اقتحام وزارة العدل تشير إلى أن العملية كانت تدريباً لتنفيذ عملية أكبر وأخطر قد تكون في المرة المقبلة اقتحام منطقة رئاسة الوزراء باتجاهين, المدخل من منطقة فندق الرشيد والمدخل القريب من شارع وزارة الخارجية، وانه تبين من خلال بعض القرائن أن عملية اقتحام وزارة العدل كانت تهدف الى معرفة حجم القوات الامنية التي يعتمد عليها المالكي في المنطقة المحيطة بمداخل رئاسة الوزراء, حيث تقع شبكة الاعلام العراقي، ومجلس محافظة بغداد، ووزارة الخارجية، والسفارة الايرانية، والطريق المؤدية الى مدخل وزارة الدفاع.
ويشير التقرير الاستخباراتي الى "ان اكثر من خمسة تفجيرات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة تمت بتنظيم عال في نقطة التقاطع الى مدخل رئاسة الوزراء ووزارة العدل في كراج علاوي الحلة وسط بغداد، غير ان هذه التفجيرات لم تكن فعالة بالمستوى المتوقع، وبالتالي كان هدف تفجير هذه السيارات والعبوات، تحديد ردود فعل القوات الموجودة والكامنة لحماية المنطقة ومن اي مواقع ستخرج، كما ان اقتحام مبنى وزارة العدل تم بواسطة انتحاريين اكتفوا بتفجير الطابق الاول واغتيال الحرس، رغم ان الظروف كانت مهيئة لاحتلال مبنى الوزارة بالكامل واحتجاز رهائن وتحقيق خسائر اكبر بكثير مما حصل، ما يدل على ان الهجوم تكتيكي".
وأشارت مستشارية الأمن الوطني في تقريرها الى الخطأ الذي وقعت به القوات الامنية، والمتمثل بحركتها بصورة عفوية مفرطة من مواقعها بحيث عرّفت بنفسها وبالطرق التي تسلكها في حالات التصدي لهجمات داخل هذه المنطقة الحيوية.
ونصحت المالكي بأن يعيد النظر بخطة الانتشار العسكري في المنطقة المحيطة برئاسة الوزراء وبأعداد القوات المتمركزة وأنواعها وتسليحها بسرعة، لأن اي هجوم متوقع لاقتحام مداخل المنطقة الخضراء سيتضمن تفجير عدد كبير من العبوات والسيارات قد يبلغ عددها العشرين سيارة وعبوة وبأطنان من المواد المتفجرة، لإثارة الهلع وقتل اعداد كبيرة جداً من الاشخاص، يعقبها اقتحام مسلح للمنطقة إما بواسطة سيارات الاسعاف التي ستكون محملة بأعداد كبيرة من المسلحين او بقوات ترتدي زي الجيش ستأتي من خارج المنطقة، وقد يبلغ تعدادها اكثر من مئة مسلح.
وحتى لو بدا ان هناك نوعاً من المبالغة في تقرير مستشارية الأمن الوطني، إلا أن الافتراضات والاحتمالات التي يتضمنها تتسم بقدر كبير من الواقعية، وخصوصاً أن تكرار وقوع هجمات إرهابية على مواقع ومراكز حساسة في بغداد ومدن أخرى يؤكد حقيقتين مؤلمتين بالنسبة لرجال السياسة والأمن العراقيين المعنيين بزمام الأمور، الحقيقة الأولى هي أن الجماعات الارهابية ما زالت تمتلك القدرة على التحرك والفاعلية من دون ان تكون ملزمة بتغيير وتعديل الكثير من سياقات عملها، مستفيدة من الازمات السياسية في البلاد، وقدرتها على تجنيد عملاء لها من داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية، والحقيقة الثانية، تتمثل في أن الأخيرة ما زالت ضعيفة ومخترقة ومتعددة الولاءات وتفتقر الى المهنية والحرفية الكافية التي تجعلها قادرة على الامساك بزمام الامور.
وطبيعي ان وصول الجماعات الارهابية الى داخل المنطقة الخضراء ـ علما ان تلك المنطقة شهدت في اوقات سابقة عمليات ارهابية محدودة استهدفت مجلس النواب، فضلا عن كشف مخططات لادخال اسلحة ومتفجرات، او وضع اليد على قسم منها ـ يعني، في ظل الاحتقانات السياسية الحادة واتساع الهوة بين الفرقاء، وارتفاع وتيرة الشد الطائفي بفعل عوامل داخلية وخارجية، أن كل الاحتمالات قائمة، وأن المشهد يمكن ان يتكرر في مواقع اكثر حساسية من وزارة العدل، والمسافة هنا لن تتجاوز بضع مئات من الامتار!.