ارشيف من :آراء وتحليلات

خلفيات ومجريات أزمة الودائع في قبرص

خلفيات ومجريات أزمة الودائع في قبرص
وأخيرا حطت الأزمة المالية الأوروبية رحالها في الجزيرة القبرصية. يقول بعض الخبراء إن أزمة مالية، وفي قبرص بالذات، تثير الكثير من الشكوك! ذلك ان الاقتصاد القبرصي هو أساسا اقتصاد خدماتي، قليل التكلفة، ويعتمد أكثر ما يعتمد على السياحة والخدمات المالية الدولية، وخصوصا على شركات "الاوفشور" والودائع الاجنبية. ويبلغ حجم الودائع المالية في قبرص أضعافَ أضعافِ الناتج الداخلي القائم. وهذا ما يستبعد تماما امكانية حدوث أزمة مالية. ولكن إذا عرفنا ان 37% من الودائع في قبرص هي بالتحديد ودائع روسية، فإن هذا يعطي بعض التفسير لطبيعة الأزمة المالية في قبرص باعتبارها تهدف الى ابتلاع وطرد الودائع الروسية. ولكن ما هو أخطر من ذلك كما يقول هؤلاء الخبراء، ان هذه الأزمة تشي ببداية الصراع على استخراج وتسويق الغاز من المياه الدولية القبرصية. وان هناك تنسيقا اميركيا ـ ألمانيا للتضييق على الوجود المالي الروسي في قبرص وطرده، قبل بدء التنقيب واستخراج الغاز، خوفا من دخول الرساميل الروسية الكبيرة على خط استخراج وتسويق الغاز في شرقي المتوسط، ما يجعل كل أوروبا سوقا للغاز والنفط لروسيا.

ونلقي فيما يلي نظرة على مجريات الأزمة المالية في قبرص كما وردت في الصحافة الروسية والبلغارية:

جرت في قبرص مظاهرات احتجاجية ضد فرض الضريبة على الودائع. وحسب مخطط الدولة فرضت على البلاد ضريبة لمرة واحدة على الودائع البنكية. ونوقشت إمكانية فرض ضريبة مقدارها 9،9% على الودائع التي تفوق 100 الف يورو، وضريبة مقدارها 6،75% على المبالغ الأقل من 100 الف يورو.
خلفيات ومجريات أزمة الودائع في قبرص


كما يجري البحث في احتمال آخر وهو أن تفرض ضريبة مقدارها 12،5% على المبالغ الكبيرة، و3% على المبالغ الأصغر.

ولا يمكن للمودعين التهرب من الرسم. إذ إن الأموال تقتطع منذ فتح الحساب لدى البنك. وإدخال هذه الضريبة الإضافية هو شرط الزامي من أجل تقديم المساعدات المالية لقبرص من قبل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وهذا الاجراء يمكن أن يسبب الهلع في الأسواق المالية، ويحطم الثقة لدى المودعين في أوروبا، أما قبرص فتفقد سمعتها بوصفها "ملاذا آمنا"، كما يقول بعض الخبراء لجريدة "روسييسكايا غازيتا" الروسية.

وبالتالي فبمقدار ما يكون سقوط أسواق الصناديق المالية شديداً وطويلا، سيكون مصير اليورو متعلقا به، كما سيكون رد فعل السوق الأميركي على المشكلات القبرصية.

ويقول ياكوف ميركين رئيس "مؤسسة الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية" إن فرض هذه الضريبة الإضافية هو تدبير قاس وفظ لا سابق له. مضيفاً "انه لا يذكر ان سلطة قامت بمثل هذا الاجراء من قبل".

المساعدة الروسية ضرورية

هذا وستبحث المشكلة القبرصية قبل كل شيء في الاجتماع المشترك للمفوضية الأوروبية والحكومة الروسية، الذي سيعقد في موسكو في 21-22 اذار/مارس الجاري، كما أعلن الممثل الدائم للاتحادية الروسية لدى الاتحاد الاوروبي فلاديمير تشيجوف.

وكان وزير المالية القبرصي ميخاليس ساريس قد صرح انه سيجتمع في 20 اذار/مارس الجاري بممثلي وزارة المالية الروسية. وتقول صحيفة "روسييسكايا غازيتا" انه ليس من المعلوم عما سيتكلم في موسكو. وخاصة انه لم يكن قد علم بعد ماذا سيكون قرار البرلمان القبرصي بشأن القانون المختلف عليه لفرض الضريبة الإضافية على الودائع البنكية. وترددت معلومات في الصحافة بأن البرلمان قد لا يقر هذه الضريبة.

ويقول خبراء "روسييسكايا غازيتا" إن أي قرار يتخذه البرلمان القبرصي سيكون مؤلما. ولكنه يفترض مع ذلك أن المساعدة الروسية للقبارصة ستكون ضرورية. ويذكر أن السلطات القبرصية كانت تتحدث انه قبل كل شيء يجب تدوير القرض المقدم من روسيا بقيمة 2،5 مليار يورو كي يتم تسديده ليس في سنة 2016، بل في سنة 2022. وكذلك أن تقدم روسيا قرضا جديدا بقيمة 5 مليارات يورو. وقد أدلى وزير المالية انطون سيلوانوف بتصريح يُفهم منه ان روسيا حينما ستتخذ قراراتها ستأخذ بالاعتبار تطبيق قبرص للضريبة على الودائع.

وممثلو الجزيرة لا يتخلون عن مشاريع إعادة الهيكلة، والحصول على أموال جديدة، حسب اقوال سيرغيي بوخوف الخبير في مركز التنمية التابع لـ"المدرسة الاقتصادية العليا". ويقول "انها مسألة ثقة بالبلاد". وليس من السهل اعطاء قروض، في حين يوجد شكوك بامكانية استعادة الأموال. وفي الوقت ذاته فهو لا يستبعد الاتفاق على التمديد إذا امكن التوصل الى شروط تضمن مصالح روسيا، ولا تكون مكلفة للجانب القبرصي، مثلا فيما خص كشف المستفيدين من تسجيل الشركات الروسية في الجزيرة. "ويجري الكلام قبل كل شيء على ان تعيد روسيا تمويل القروض المعطاة حتى الآن وتخفيض الفائدة على القروض"، كما تقول يفغينيا ياكوفليفا من شركة "بريأوريتيت". وهي تعتبر انه في كل الاحوال، فإن قبرص لن تستطيع وحدها ان تصمد بوجه السياسة الاقتصادية للمجموعة الأوروبية، بدون دعم روسيا. اما الخبيرة اولغا بونوماريوفا فلا تستبعد أنه من الممكن ان تخطو قبرص الى الوراء وتتخلى عن اتخاذ قرار بفرض الضريبة على الودائع.

أخذا بالاعتبار تطور الأحداث فإن اتخاذ قرار جيد يبدو في الواقع أمراً صعباً بل مستحيلاً. لقد تقدمت الحكومة من النواب باقتراح جديد: الودائع حتى 20 الف يورو أن لا تفرض عليها الضريبة الجديدة، الودائع من 20 الفا حتى 100 الف يورو ان تفرض عليها ضريبة بمقدار 6،75%، والودائع الاكثر من 100 الف يورو تفرض عليها ضريبة 9،95. ولكن إذا اعفيت الودائع الصغيرة من هذه الضريبة فإن قبرص تفقد إمكانية جمع حوالى 6 مليارات يورو، كما يطلب منها الاتحاد الاوروبي، وذلك حسب حسابات البنك المركزي القبرصي. ولكن بانيكوس ديميترياديس حذر من امكانية تسرب 10% من المودعين في خلال أيام قليلة. وتسرب المودعين يزيد من تعقيد المشكلة في قبرص. وهو ما يحدث تحت تأثير الأزمة الأوروبية، وعجز اليونان، والوضع في اسبانيا والبرتغال. وقد بدأ المودعون يسحبون ودائعهم من الشركات المالية الكبرى في الجزيرة منذ نهاية سنة 2010. وفي نهاية سنة 2011 خفض أكثر من مرة الرأسمال الخاص للبنك الوطني القبرصي.

وتضيف يفغينيا ياكوفليفا "ان السبب الأساسي هو الأزمة المالية العامة في منطقة اليورو، وبالأخص في اليونان، التي كانت قبرص توظف بنشاط في سنداتها. وهناك سبب آخر وهو أن القطاع الواقعي للاقتصاد القبرصي هو القطاع السياحي، الذي بالاضافة الى سياسة الشركات "الاوفشور" في قبرص لا يمكن أن يشكل قاعدة قوية للاقتصاد".

هل توجد لدى قبرص إمكانية أخرى لايجاد النقود، لاجل انقاذ نظامها المالي؟ ـ لأجل حلحلة الاقتصاد وزيادة ثقة المستثمرين ينبغي مرور وقت، كما يقول الخبير بوخوف. ولكن الأموال هي ضرورية الان. وفي هذا الوقت يمكن النظر في احتمال اخر وهو بيع الممتلكات ذات الأصول الجذابة، كما يقول هذا الخبير. وفي كل بلد يوجد ما يمكن بيعه. وقد طرح احتمال ان تقوم الشركة الروسية العملاقة "غازبروم" بتقديم المساعدة مقابل الحصول على امتياز التنقيب عن الغاز في القطاع القبرصي. ولكن هذه المعلومة لم تتأكد. كما أن هناك اقتراحات بأن تقوم بريطانيا وأميركا بإعادة تمويل الاقتصاد القبرصي مقابل استخدام الموانئ البحرية القبرصية.

ويقول بوخوف إنه اذا لم يستطع البرلمان الموافقة على قانون الضريبة من القراءة الأولى، فهذا سيضطر الحكومة للبحث عن موارد أخرى للحصول على الاموال.

هذا وقد صوت ضد مشروع القانون في البرلمان ليس فقط نواب المعارضة بل وايضا عدد من نواب الحزب الحاكم. وهذا ما دفع الرئيس للتوجه نحو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لطلب المساعدة. وانتشرت معلومات أنه يمكن طلب المساعدة من روسيا ايضا.

ان رفض زيادة الضريبة على الودائع يعني عمليا التخلي عن البرنامج المضاد للأزمة. وبهذه الحالة كما تقول مصادر وكالة إيتار ـ تاس الروسية، لا يبقى امام الحزب اليميني "التكتل الدمقراطي" بزعامة رئيس الجمهورية أي خيار آخر سوى طلب المساعدة من روسيا.

خلفيات ومجريات أزمة الودائع في قبرص

وفي هذا الوقت وافق وزراء المالية في منطقة اليورو أن ترفع قبرص نسبة الفائدة على المودعين الكبار وأن تخفض النسبة على المودعين الصغار، ولكن بشرط أن تستطيع قبرص جمع مبلغ 5،8 مليار يورو، الضرورية لأجل إقرار المساعدة للجمهورية. "ان المجموعة الاوروبية تعتبر أن المودعين الصغار عليهم أن يدفعوا ضريبة أصغر، من الضريبة التي يدفعها المودعون الكبار. كما إننا نؤكد أيضا على أهمية الضمان الكامل للودائع البنكية الاقل من 100 الف يورو"، ـ هذا ما صرح به رئيس المجموعة الاوروبية ييرون دايسيلبلوم.

قرض انقاذي بضريبة على الودائع

وقد وافق الاتحاد الاوروبي على تقديم قرض إنقاذي لقبرص، مقابل أن تقوم البلاد بادخال ضريبة لمرة واحدة على الودائع.

وبهذا تكون قبرص اصبحت خامس دولة في منطقة اليورو تحصل على سلة قروض إنقاذية، بعد أن وافق الاتحاد الاوروبي على صرف مبلغ 10 مليارات يورو من اجل اعادة الاستقرار الى القطاع المصرفي في قبرص. وهذا المبلغ هو أقل من المتوقع، وأقل بكثير من المبالغ التي صرفت للبلدان المأزومة الاخرى، والتي هي بالطبع ذات اقتصادات أكبر. والفارق الجذري بين القروض الانقاذية التي قدمت سابقا الى اليونان، البرتغال، ايرلندا واسبانيا، والتي تقدم اليوم الى قبرص، هو أنه ينبغي على قبرص جمع 5،8 مليارات يورو عبر فرض ضريبة لمرة واحدة على الودائع البنكية. وقد أدى ذلك الى حدوث مظاهرات واعمال احتجاجية في البلاد، والى سحب واسع النطاق للودائع التوفيرية من البنوك.

ومعلوم ان حوالى نصف الودائع في الجزيرة هي ليست للسكان المحليين، بل لمواطنين روس أغنياء، وهو ما كان سببا رئيسيا للمماطلة في المحادثات من أجل المساعدة الاوروبية، وعاملا رئيسيا لتطبيق هذا الإجراء غير الاعتيادي. ويقدر المحللون حجم الودائع الروسية في البنوك القبرصية بأنه حوالى 25 مليار دولار. ويعتبرون في المانيا وغيرها من الدول الاوروبية انه من الصعب سياسيا تبرير "انقاذ" هذه الودائع.

ونقلت رويترز عن وزير المالية القبرصي ميخاليس ساريس قوله "ليتني لم اكن انا الوزير الذي سيفعل ذلك. ولكن افلاس النظام البنكي او افلاس البلاد بأسرها سوف يؤدي الى خسارة أكبر للاموال. آمل ان يعطي ذلك انطلاقة جديدة لقبرص".

وقال الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسياديس ان رفض القرض الانقاذي سوف يؤدي الى انهيار اكبر بنكين في البلاد. "ان على قبرص ان تختار بين سيناريو كارثي من الافلاسات المنفلتة، او التعامل المؤلم ولكن الممسوك مع الازمة".

وبدون القرض الانقاذي فإن قبرص يمكن ان تقع في العجز، ما يثير مخاوف المستثمرين حول كل مستقبل منطقة اليورو. والقرض هو أقل مما كان متوقعا، وسيستخدم بشكل رئيسي لاعادة رسملة البنوك، التي تحملت خسائر كبيرة، بسبب اعادة هيكلة القرض الذي كان قد قدم لليونان.

ومن المتوقع ان يبدأ تطبيق الضريبة الجديدة يوم الثلاثاء القادم، اذا أقرها البرلمان، لأن يوم الاثنين هو يوم عطلة للبنوك المحلية. وحسبما يقول وزير المالية اليوناني يانيس ستورناراس فإن فروع البنوك القبرصية في اليونان لن تطالها الضريبة الجديدة.

وحسب رأي عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الاوروبي يورغ أسموسن فإن الجزء من الودائع المساوي للضريبة الجديدة سوف يتم تجميده فورا. وقد ابلغ موظفو البنوك زبائنهم أنهم يمكن ان يتصرفوا بكامل مبالغ ودائعهم، باستثناء الجزء المساوي للضريبة.

وكان الاعلان عن الضريبة يوم السبت الماضي قد دفع الوف المواطنين القبارصة كي يصطفوا في طوابير امام آلات سحب المال، من اجل ان يسحبوا على الاقل جزءا من اموالهم. مع علمهم ان هذا لا يغير حجم الضريبة التي ستقتطع.

"بكل بساطة ـ انها سرقة"

وبالرغم من تحديد السحوبات بمبلغ 400 يورو فقط، فإن غالبية الآلات فرغت من الاموال يوم السبت الماضي بعد الظهر.

وصرح احد المواطنين الذي كان يعمل لسنوات في بريطانيا وعاد حديثا الى بلاده، صرح لمندوب رويترز "انني غاضب جدا. لقد عملت سنوات طويلة من اجل جمع هذه الاموال. والان اخسرها، لان الالمان والهولنديين قالوا هكذا". وقال آخر "يقولون ان صقلية هي جزيرة المافيا. ليست صقلية كذلك، بل هي قبرص. انها ببساطة سرقة".

وعلق وزير المالية الهولندي ييرون دايسيلبلوم الذي يترأس المجموعة الاوروبية، علق بالقول "ان هذا هو اسهام من اجل الاستقرار المالي لقبرص، ومن العدالة ان يكون الاسهام من قبل جميع المودعين. اننا لا نعاقب قبرص، بل نقوم بمعالجة مشاكلها". ويضيف ان فرض الخسائر على المودعين كان حتى الان محرما، ولكن الان لا يمكن بدون ذلك انقاذ القطاع المالي للبلاد، الذي هو ثماني مرات اكبر من اقتصادها. واكد انه بفضل القرض الانقاذي فإن دين قبرص سوف ينخفض حتى فقط 100% من الناتج المحلي القائم حتى سنة 2020.

والناتج المحلي القائم لقبرص يبلغ فقط 0،2% من الناتج المحلي القائم لبلدان منطقة اليورو، وكانت قبرص قد طلبت مساعدة دولية منذ حزيران/ يونيو الماضي، ولكن التفاهم على المسألة تم تأجيله عدة مرات، بسبب تخوف الدول الاوروبية الاخرى، المتعلقة بالكمية الكبيرة من الرساميل الروسية في النظام المالي للجزيرة والتي تثير الشكوك على احتمالات "غسيل الاموال". ومقابل القروض وافقت قبرص على تطبيق المزيد من الشفافية وكذلك ان ترفع الضرائب على الشركات من 2،5% الى 12،5%.

في البداية كانت السلطات القبرصية تعتبر انها تحتاج الى مساعدة بمقدار 17 مليار يورو وهو ما يعادل حجم الناتج المحلي القائم للبلاد. ولكن مثل هذا القرض يمكن ان يزيد ديون البلاد الى مستوى 145% من الناتج المحلي القائم، وهو ما يتعارض مع القواعد المعتمدة من قبل صندوق النقد الدولي. ولهذا فضلت السلطات اللجوء الى طرق اخرى لزيادة مداخيل الخزينة عبر زيادة حجم الضرائب.

وكانت كريستين لاغارد، المدير الاداري لصندوق النقد الدولي قد شاركت في المباحثات بخصوص قبرص في بروكسل، واعلنت انها تؤيد الصفقة التي تم التوصل اليها، وانها ستطلب من مجلس ادارة الصندوق ان يساهم في السلة التمويلية. "اننا نؤمن ان الاقتراح يدعم الاقتصاد القبرصي. وصندوق النقد الدولي سوف يساعد في التمويل، ولكنه لم يتخذ بعد قرار بالمبلغ الذي سيساهم به"، حسبما قالت.

وبسبب علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع قبرص فإن موسكو سوف تقدم ايضا المساعدة، بدءا من تأجيل تاريخ استحقاق الدين الروسي البالغ 2.5% مليار يورو لمدة خمس سنوات حتى سنة 2021. كما خفضت فوائد هذا القرض. وصرح اولي رين المفوض الاوروبي للشؤون الاقتصادية "بقدر ما اعلم فإن الحكومة الروسية هي مستعدة للمساعدة باعادة جدولة القرض". وهذا التأجيل سيخفف العبء عن قبرص التي ستقفز ديونها الى 7 مليارات يورو في السنوات الثلاث القادمة.

والسؤال الان ماذا سيكون ردّ الفعل حيال الخطوة الخطرة من قبل الاتحاد الاوروبي. اذا لم يتوقف سحب الودائع وتسرب الرساميل من قبرص فهذا من شأنه ان يضع البرنامج الانقاذي فوق رمال متحركة والى ان لا يعود دين الـ10 مليارات يورو المتوقعة مبلغا كافيا. وبالاضافة الى ذلك فإنه من الصعوبة اعطاء ضمان، بأن ذلك لن يتكرر في مناطق اخرى، بحيث يبدأ المودعون في البلدان المأزومة الاخرى في سحب اموالهم وقائيا وايداعها في بلدان اكثر استقرارا.

الغضب والفوضى والمأزق السياسي لا تزال هي المؤشرات الطاغية في قبرص الآن، بعد الاعلان عن سلة قرض انقاذي من 10 مليارات يورو. وقد اجلت الحكومة ثلاث مرات حتى الان التصويت في البرلمان على البرنامج الانقاذي المتفق عليه مع منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي. وقد امتنع البرلمان يوم الاثنين الماضي عن التصويت على مشروع قانون فرض الضريبة على الودائع كما يطلب المقرضون الخارجيون مقابل تقديم المساعدة المالية الى الجزيرة. كما ان البنوك ظلت مغلقة ابوابها حتى يوم الخميس في محاولة لتجنب السحب المذعور للودائع. وامام الخوف ان لا يوافق البرلمان على مشروع القانون، تراجع الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوروبي ووافقوا على منع فرض الضريبة على المبالغ ما دون الـ100 الف يورو، وان يتحمل المودعون بأكثر من هذا المبلغ الضربة الرئيسية، وخصوصا ان غالبيتهم هي من الروس، كما وافقوا ان تزيد فائدة الضريبة الى 15.6%. وقد اثارت هذه الضريبة غضبا شديدا في موسكو. وجوابا على ذلك لمح وزير المالية الروسي انطون سيلوانوف ان موسكو يمكن ان تعيد النظر في قرار تسهيل شروط تسديد القرض الذي سبق ان منحته روسيا لقبرص والبالغ 2.5 ملياري يورو. وتحاول بروكسل ونيقوسيا اقناع روسيا بتأجيل دفعات تسديد القرض وان تخفض الفائدة. وتناهت من الاتحاد الاوروبي تحذيرات انه اذا لم يوافق البرلمان على مشروع قانون الضريبة فإن البنكين الاكبرين في الجزيرة سينهاران في غضون ايام قليلة. وبعد ذلك سينهار النظام المالي برمته في قبرص.

وبالرغم من ان الكثير من ممثلي البنك المركزي الاوروبي يؤكدون ان التدابير المفروضة على قبرص تتعلق بها وحدها وبهذا الظرف بالذات وان هذه التدابير لن تطبق في بلدان اخرى، فإن الكثير من الاختصاصيين يرون ان هذه التدابير هي سابقة خطيرة. ويقول رئيس وزراء لوكسمبورغ جان ـ كلود يونكر ان هذه التدابير يمكن ان تقوض الثقة العامة بالبنوك. وقد اوجدت هذه التدابير قلقا في اوساط المودعين في مختلف البلدان الاوروبية.

خلفيات ومجريات أزمة الودائع في قبرص

وقد ردت الاسواق المالية القبرصية على محاولة فرض الضريبة على الودائع بأنها افتتحت جلساتها بالبيوعات المكثفة للاسهم والسندات. ويرى بعض المحللين انه خلف عجز البرلمان عن الموافقة على مشروع القانون ينتصب شبح الرساميل الروسية المودعة في قبرص.

وفي تصريح لرئيس الجمهورية الى Financial Times انه سيتم تعويض المودعين الذين لن يسحبوا ودائعهم بسندات وأسهم بنكية، اما المودعون الذين يبقون على ودائعهم لمدة سنتين تاليتين، فإنه سيتم تعويضهم بسندات مكفولة بالاستخراج القادم للغاز الطبيعي في قبرص.

ظل موسكو

ان المشكلة القبرصية تخرج عن حدود قبرص، ذلك ان 37% من الودائع في البنوك المحلية، والتي تبلغ قيمتها 68 مليار دولار، هي ودائع اجنبية، وغالبيتها هي لروس، مواطنين وشركات. وقد اعلن الناطق بلسان رئيس الجمهورية الروسية فلاديمير بوتين ان قرار فرض الضريبة "هو غير عادل، وغير مهني وخطير". اما وزير المالية أنتين سيليانوف فأكد ان منطقة اليورو قد اتخذت القرار بدون ان تستشير موسكو. وحسب تقديرات مختلفة فإن الودائع الروسية في قبرص تبلغ على الاقل 20 مليار يورو، ومن الممكن ان تبلغ 35 مليارا.

"ان شروط هذا التفاهم هي خبر سيئ للمودعين الروس، الذين يمتلكون لا اقل من 20% من الودائع في قبرص. وكل الشركات الروسية الكبرى لها نشاطات في الجزيرة وهي ستتحمل الخسائر. ان تأثير المشكلة على النظام الروسي بأكمله هو محدود، ولكن في البورصة بدأت اسهم البنوك تنخفض. اذا مرت الصفقة، فإن البيزنس الروسي سيبدأ حتما بنقل رساميله من قبرص"، بهذا علقت ليزا يرمولينكو الخبيرة الاقتصادية في Capital Economics.

اما اوساط المقرضين الاخرين لقبرص ومنهم صندوق النقد الدولي فيعتبرون انسحاب الرساميل الروسية شيئا ايجابيا لانه يخفف الشكوك حول "غسيل الاموال".

ومن جهته اكد رئيس الوزراء الروسي ان المشكلة يمكن ان تؤدي الى "تصحيح" في العلاقات مع قبرص. ووصف الضريبة المقترحة على الودائع بأنها "مصادرة لاموال الغير".

وقد بدأ ردّ فعل سلبي في الاسواق المالية الاوروبية، اذ سجل FTSE انخفاضا بنسبة 0،7% وCAC 1،9% و DAX انخفض 1%، وانخفضت المؤشرات في مدريد وميلانو 2،1%.

وعلقت الخبيرة ألاليزا بياتسا من مؤسسة Newedge Strategy بالقول "هذا تدبير متطرف وغير مسبوق، يمكن ان يزرع الهلع في اطراف منطقة اليورو، وان يؤدي الى تسرب الرساميل. على المدى القصير يمكن توقع ارتفاع ريعية السندات في البلدان الاطرافية وإضعاف اليورو".

وسيؤثر سلبا على سمعة البنوك منع المودعين من استخدام ودائعهم في قبرص. وسيؤدي عدم موافقة البرلمان على مشروع قانون الضريبة الى تأجيل فتح المؤسسات المالية لمنع السحوبات.

ويلاحظ فلاديمير دلوخي، وزير اقتصاد سابق في تشيخيا، يعمل حاليا مستشارا لدى مؤسسة Goldman Sachs "من المفهوم ان الناخبين في المانيا وشمالي اوروبا يريدون ان يروا تضحية ذاتية ما. ولكن في الوقت ذاته فإن الموافقة على القرار الذي يعني عمليا الاستيلاء على 10% من الودائع يعني القيام بعمل لا سابق له. واذا وقعنا في وضع اكثر صعوبة يمكن ان يحاولوا ان يأخذوا ايضا 50%".

اما شارون بوولس، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والنقدية في البرلمان الاوروبي فيعلق قائلا "لقد ادخلت الضمانات للودائع حتى لا يكون هناك سبب كي يقوم مواطنو الاتحاد الاوروبي بنقل ادخاراتهم من بلد الى اخر. وقد ذهب ذلك الان ادراج الرياح. لو كان بنك منفرد قام بذلك لكان الان قد قدم للمحاكمة بتهمة خداع الزبائن".
ويقدر الخبراء ان هذه الضريبة سيكون من نتائجها الاستيلاء على 3،5 مليارات يورو من الودائع الروسية.
فهل ستسكت روسيا عن هذه اللطمة... اذا نجحت؟

*كاتب لبناني مستقل
2013-03-21