ارشيف من :آراء وتحليلات

السـؤال القلق: هل يوفي الروس والصينيون سوريا حق (الصداقة)!!.

السـؤال القلق: هل يوفي الروس والصينيون سوريا حق (الصداقة)!!.
«لا يوجد في العالم أصدقاء وأعداء، ولكن أعداء بدرجات مختلفة»
هنري كسنجر

إنها حرب حقيقية على سوريا بكل ما للكلمة من معنى... تُدار من غرفة عمليات مركزية أقامها حلف الناتو في تركيا ـ أضنة، موظفاً لها ما لديه من تقنيات كالأقمار الصناعية، وطائرات تجسس من طراز (يو 2 )، وأواكس، وغير ذلك من وسائل مخصصه لغايات الاستطلاع والاتصال والتشويش والتنصت، هذا فضلاً عن النشاطات الاستخبارية على الأرض والتي فعلت فعلها في مجال تقديم المعلومات التي سهلت على ميليشيا المعارضة عمل عدة اختراقات في مواقع لم يكن يفترض أن تسقط من الوجهة العسكرية لولا توافر كل هذه التسهيلات!!.

لقاء ما سبق لم يظهر من موسكو وبكين ما يمكن الاعتداد به عملياً على ارض المواجهة، الأمر الذي سنبيّنه بوضوح لاحقاً. لم نرى سوى سابقة الفيتو، وهو لا يتعدى حدود الاستعراض السياسي في وجه استعراض سياسي آخر !! قدمه الغرب كدفعة معنوية (لأصدقائه في المعارضة) أو إشارة تبنّ لهم! الأمر الذي يدركه الروس والصينيون واثقين بالآن عينه أن احتمال التدخل العسكري غير وارد في حسابات الغرب لعدة أسباب سبق وبيناها في مقالات سابقة.

غير أن عدم قدرة أمريكا أو عدم رغبتها في استعمال القوة لإسقاط النظام لا يحجز لروسيا دوراً لتكون لاعباً دولياً نداً لأمريكا عند الجلوس للبحث في "مستقبل سوريا"يوماً ما! آخذين بعين الاعتبار أمرين اثنين: الأول؛ إن أمريكا هي صاحبة اليد العليا في هذه الحرب على سوريا، وبالتالي من يملك كلمة السر للاستمرار بها أو اقفالها!. أما الأمر الثاني فهو أن هذه الحرب ليست كبقية الحروب التي خاضتها أمريكا بالحضور بحيث يمكن الرهان على استنزافها، بل على العكس فهي تخوضها هذه المرة بوكلاء عنها، وفيها تستنزف جميع العرب دماً ومالاً، كما وتستنزف روسيا كلما طالت مدتها. فهي إن لم تستطع أن تنتزع نفوذ موسكو في سوريا فستسعى حتماً لكي تنتزع من سوريا ميزتها الجيوستراتيجية التي تفيد منها موسكو! وذلك بتكريس واقع تقسيمي بدأت طلائعه مع ما سُمي " بالحكومة السورية المؤقته" بحيث لا يتبقى لروسيا من سوريا إلا أجزاء بلا مضمون جيوسياسي، مذكرين هنا بأن الشريط المتصل جغرافياً من البحر المتوسط شرقاً حتى طهران غرباً هو عملياً الصخرة التي وقفت وتقف في وجه التمدد الأمريكي نحو وسط آسيا ـ خاصرة روسيا الرخوة!ـ كما تشكل بالآن عينه طوقاً يفصل بين تركيا الأطلسية والقواعد الأمريكية في الجزيرة العربية والخليج. كل هذه المزايا لن يبقى منها شيء لو تفككت وحدة التراب السوري؛ فكيف إذا خرج من مخاضه بقايا كيان سوري مستنزف حدَّ الدمار؛ يؤخر أكثر مما يقدم، كونه بهذه الحالة سيصبح عالةً على حاضنته!!!!

السـؤال القلق: هل يوفي الروس والصينيون سوريا حق (الصداقة)!!.

كما إن إطالة مدة هذه الحرب تشكل استنزافاً معنويا لروسيا، وسيدلل على ما كانت دائما تبثة دعاية الغرب منذ ايام " الاتحاد السوفيتي" وهو أن المراهن على موسكو خاسر خاسر!!. من حيث إنها لم توفر هذه المرة (لحليفها) السوري ضرورات الغلبة وهي في الحالة الراهنة لا تتعدى المستلزمات التقنية الضرورية لخوض هذه الحرب المتنقلة على كامل التراب السوري المترامي، وأهم هذه المستلزمات بحسب عدد من الخبراء العسكريين، وسائل الرصد المتطورة الجويّة والأرضية، وغيرها؛ وهي التي يحاول الجيش السوري التعويض عن غيابها باستعمال فائض من كثافة النيران وعلى الطريقة الروسية القديمة أيام الحرب العالمية الثانية: "المحدلة والأرض المحروقة"، الأمر الذي يشكل عبئاً معنويا على القيادة السورية فضلاً عن الخسائر المادية الهائلة أحيانا كثيرة!.

أما من الجانب الآخر فإن المعلومات التي ترشح، تفيد بأن العمليات العسكرية التي يقوم بها "الجيش الحر" تتم بتوجيه من غرفة عمليات للناتو في تركيا، ووفقاً لأحدث التقنيات الغربية، وبالأخص الأمريكية منها بدءًا من الأقمار الصناعية في الفضاء مرورا بطائرات الأواكس والـ (يو 2 )، والأخريات المخصصة للرصد من غير طيار، وهكذا حتى مرصد جبل الشيخ للعدو الصهيوني، وهو للعلم مزود بأحدث تقنيات المراقبة والتنصت!

السـؤال القلق: هل يوفي الروس والصينيون سوريا حق (الصداقة)!!.

يؤكد الخبراء العسكريون أن الحرب الدائرة فوق الأرض السورية لا تحتاج إلى أسلحة ذات تقنيات عالية كونها ليست حرباً تقليدية بين جيشين متقابلين، متموضعين في خطوط مواجهة محددة. بل هي حرب متنقلة يصعب فيها على جيش ثقيل أن يجاري بحركته مجموعات خفيفة من المقاتلين، فكيف إذا كان مجال الرؤية المتوافرة لديه محدود الأمر الذي يحتاج إلى وسائل استطلاع حديثة كما أسلفنا توفر الرصد المستمر على مدى ساعات الليل والنهار؛ أي بالمعنى الشامل للكلمة: "منظومة أنذار مبكر" لتخسر بعدها ميليشيات المعارضة عنصر المفاجأة بحيث تصبح حركتها مكشوفة. وهذا سيوفر للقوات السورية بحق تحقيق "جراحات عسكرية دقيقة"، أي أعلى النتائج في الميدان وبأقل الخسائر في الأرواح والمنشآت.

ليس من مصلحتنا أن نتناول روسيا في وقت نحن بأمسّ الحاجة إليها. لكنها الندوب السابقة تحرك مواجعنا منذ أيام "الاتحاد السوفياتي"، وبالتحديد سنوات الصراع مع "إسرائيل" خلال أو أعقاب هزيمة 67. حديث فيه شجون وشؤون، بعضها عرفناه بل عايشناه، وبعضها الآخر بقي قيد الكتمان حتى أفرج عن وثائقة مؤخرا!. ولكن ما يبرر قلقنا هو تقاطع هذا التقصير الروسي في الجانب العسكري مع ضبابية سياسية يلحظها كل مدقق بدأت منذ أيام ميدفيدف وبقيت حتى الآن. هذا يزيدنا يقيناً بأن استعراض قطعها البحرية في البحر المتوسط لا يتعدى عرض العضلات في ساحة هي بأساسها قد خلت من الوغى!.

كل ما سبق يدعونا للسؤال: ما هو أقصى ما يمكن أن تفعله روسيا لسوريا؟!!.. سؤال يلقي بأثقاله على قيادتها ويحتاج إلى جواب واضح محدد. فيما الصين البعيدة قد تعفي نفسها من هذه الأثقال. لكن هل تعفي كرامتها ومكانتها من الدفاع عن فيتو أطلقته، ليس المطلوب كثيراً إلا أن تدعم سوريا التي تستنزف اقتصادياً بشريان صغير من اقتصادها الديناصوري!! فهل يصعب هذا عليها هي أيضاً؟؟

لؤي توفيق حسـن (كاتب من لبنان)
2013-03-21