ارشيف من :آراء وتحليلات
ضربة كيميائية وسياسة للحل السياسي
الأزمة السورية: المزيد من التصعيد
لا شك أن نسبة التفاؤل التي راجت مؤخراً حول دخول الأزمة السورية مسار الحل السياسي على ايقاع التفاهم المبدئي بين الروس والاميركيين قد أصيبت بنكسة كبيرة بفعل تطورين بارزين ومتزامنين: الأول، تمثل بإدخال جبهة النصرة السلاح الكيميائي في حربها ضد النظام وتحديداً في منطقة حلب، والثاني، تمثل بنجاح الائتلاف المعارض السوري في تعيين الكردي غسان هيتو رئيساً لما سمي بـ "الحكومة المؤقتة"، كل ذلك معطوفاً على تطور أمني له دلالته أيضاً تمثل باغتيال العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في المسجد الذي يدرّس ويؤم الصلاة فيه بواسطة عملية انتحارية.
ان اقحام السلاح الكيميائي هو ـ في عمقه ـ تعبير عن مأزق، أكثر منه تعبيراً عن رسالة قوة، ثمة اتفاق شامل، على نجاح النظام في سوريا في الحاق خسائر كبيرة ونوعية في صفوف جبهة النصرة تحديداً التي تشكل العمود الفقري للمجموعات المسلحة باعتراف الغربيين جميعاً، ولدرجة باتت تشكل مصدر قلقٍ مهماً لهؤلاء، ومن جهة أخرى، نجح النظام في تعديل موازين القوى على نحو رئيسي لمصلحته، هذه النجاحات يعرف خصوم النظام المغزى السياسي البالغ لها: لا حل بدون النظام، ولا حل بدون رئيسه الرئيس بشار الأسد، وأكثر من ذلك، ان توازنات الحل ستبقى مرجحة لمصلحة اطروحات النظام، ما يعني في خلاصة الأمر، ان المفاوضات في ظل الواقع الحالي لن تكون لمصلحة التحالف الواسع الغربي ـ التركي ـ السعودي والقطري. يضاف الى ما تقدم، ان النظام كان يتهيأ للمزيد من الخطوات النوعية سواء في منطقة حلب وريفها أم في ريف دمشق، وما تبقى من ثغرات في منطقة حمص، كل ذلك، وسط معلومات من هنا وهناك عن تحول في الموقف من تسليح المعارضة، وعن صفقات سلاح نوعية جديدة للمجموعات المسلحة، وعن تسريع في عمليات التدريب، في سياق الإعداد لمعارك جديدة ضد النظام، تتواكب مع ضربات أمنية في العاصمة وسواها.
هذا، في الوقت الذي تصاعد الخلاف حول الموقف من الأزمة السورية وكيفية مقاربتها بين الرؤية الاميركية، والرؤية التركية ـ السعودية ـ القطرية، أو ما سمي بحلف المتضررين من التقارب الروسي ـ الاميركي، الذين شعروا مؤخراً بأن أي حل سيأتي على حسابهم، ولذا سارعوا الى ممارسة كل أشكال الترغيب والترهيب على المعارضة من أجل تشكيل حكومة مؤقتة تستبق تحديداً موعد انعقاد القمة العربية في الدوحة ما بين 26 و 28 الشهر الجاري.
بناءً عليه، لا تبدو الرسالتان العسكرية والسياسية معزولتين، بل كل منهما أريد منها أن تخدم الأخرى، وفق التالي:
أولاً: ان استخدام السلاح الكيميائي ـ على محليته ـ أريد منه ادخال سلاح كاسر للتوازن من جهة، ورادعٍ من جهة أخرى، فهؤلاء ارادوا اطلاق حالة من القلق والهلع في صفوف الجيش النظامي تدفعه الى مراجعة حساباته، والى التردد والحيرة والمراوحة مكانه، حتى لا يحقق المزيد من التقدم، مستبعداً من اللحظة السياسية والعسكرية المناسبة له.
ثانياً: دفع الصراع الى الحدود القصوى بما من شأنه ان يفتح الأمور على كل الخيارات الممكنة.
ثالثاً: ان جبهة النصرة التي ترى نفسها مستهدفة من الغربيين كما من البعيدين، فهي لا تستثني هؤلاء من الرسالة.
رابعاً: ان حساسية السلاح الكيميائي لا سيما بالنسبة للغرب عموماً وللإسرائيلي تحديداً، حيث ان كليهما عمل وما زال على تحويله الى قضية قائمة بذاتها بالنسبة اليهما، ما استدعى ابقاء مخزونه في سوريا تحت المراقبة الدائمة، كما استدعى تشكيل قوات خاصة للتعامل معه في ما لو سقط النظام، فإن استخدامه هو بمثابة توجيه دعوة ملحة لكليهما للتدخل في الأزمة السورية لمصلحة أعداء النظام، بذريعة التخويف من انفلات الأمور من عقالها.
خامساً: ان استخدام الكيميائي سلاح ذو حدين، لأن من شأنه ان يقلب السحر على الساحر في معركة دولية ـ اقليمية ـ محلية كالمعركة التي تشهدها سوريا اليوم.
سادساً: ان ردود الفعل الروسية والايرانية المنددة كانت متوقعة، ولكن ما لم يكن متوقعاً هو التردد الغربي في الإدانة، ومحاولة البحث عن مخارج للمتهم الفعلي، ما وفّر له بالفعل الغطاء السياسي الذي يحتاجه، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول حقيقة نوايا هؤلاء، وعمّا اذا كانوا شركاء في هذه الجريمة أم لا.
سابعاً: ان نجاح الائتلاف المعارض في تعيين رئيس لحكومة مؤقتة، هو نجاح أيضاً للتحالف التركي ـ السعودي ـ القطري.
ثامناً: ان أهداف هذه الخطوة أكثر من واضحة، الا أن أبرزها الآتي:
أ ـ العمل على الإطباق سياسياً ودبلوماسياً على النظام في سوريا من خلال ايجاد واقع سياسي ـ حقوقي ودبلوماسي يحظى بتأييد دولي وعربي (بعد منح موقع سوريا في الجامعة والقمة العربيتين للحكومة المؤقتة)، في مقابل الواقع الدولي والعربي للنظام، فهذه الخطوة تندرج في سياق نزع الشرعية الدولية والعربية عن النظام، ومنحها للمعارضة بشخص الائتلاف المعارض.
وهذا يعني، ان المعركة المقبلة ستكون ساحتها الدول والسفارات والمؤسسات الدولية على أنواعها.
ب ـ هذه الخطوة تبقى في الهواء ما لم يتم توفير أرض لها تمارس عليها سلطتها، ما يعني بدوره السعي الجاد لتوفير مثل هذه الأرض، ولا سيما ان المناطق التي تتواجد فيها المجموعات المسلحة لا توفر أرضاً صلبة لخطوة كهذه.
ج ـ لا شك أننا ازاء محاولة لاستنساخ النموذج الليبي، حيث أُنشئت حكومة بنغازي وحظيت بغطاء دولي، جرى الانطلاق منها لخوض معركة اسقاط النظام الليبي آنذاك.
د ـ في مطلق الأحوال نحن إزاء مشروع تقسيم واقعي لسوريا في المرحلة المقبلة ما بين حكومتين، وسيادتين، واعترافات متقابلة... الخ.
خلاصة القول، ثمة اعتراض عسكري وأمني وسياسي على مسار الحل السياسي الناهض على تفاهم مبدئي اميركي ـ روسي يقوم بدوره على الاعتراف بدور للنظام وللرئيس الأسد، وعلى بيان جنيف المشهور، وهذا الاعتراض يراد منه عكس عقارب الساعة، وإعادة الأمور الى المربع الأول، ما يعني بدوره ان آفاق الحل السياسي ما زالت متعثرة، وأن الأزمة السورية ستبقى مفتوحة على الصراع والاشتباك دولياً وإقليمياً خصوصاً في الأشهر المقبلة.