ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد عقد من التغيير .. العراق بين آلام الماضي وآمال المستقبل

بعد عقد من التغيير .. العراق بين آلام الماضي وآمال المستقبل
بعد مرور عشرة أعوام على إسقاط نظام صدام واحتلال العراق من قبل القوات الاميركية، من الطبيعي أن تختلف وتتقاطع الرؤى والتقييمات لمسيرة تلك الأعوام الحافلة بأهم وأخطر وأفظع الوقائع والأحداث في تاريخ العراق السياسي الحديث والمعاصر.

وهذا الاختلاف والتقاطع يرتبط بتنوع زوايا النظر من جانب، ومن جانب آخر بتنوع وتعدد المشاريع والأجندات، ومن جانب ثالث، بزخم العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة والموجهة لمسارات الامور فيه.

بعد عقد من التغيير .. العراق بين آلام الماضي وآمال المستقبل

فهناك اليوم من ينظر إلى الامور نظرة سوداوية متشائمة الى حد بعيد، وهناك من ينظر إليها نظرة مستغرقة في التفاؤل.. وبين هذا وذاك توجد نقاط التقاء وخيوط وصل وارتباط يمكن أن ترسم صورة واقعية أو هي أقرب الى الواقع.

مكاسب وإنجازات


لا شك أن الاطاحة بنظام صدام مثل بالنسبة للعراقيين نقطة تحول تاريخية مهمة، وبداية لعهد جديد، بعد عقود من الظلم والتسلط والاستبداد والطغيان، فضلا عن كونه كان تحدياً كبيراً لبناء دولة مؤسسات حقيقية على أنقاض دولة الحزب والعشيرة والعائلة.

ولعل ما تحقق رغم وجود الارادات الدولية والإقليمية المضادة للإرادة الوطنية يعد كبيراً ومهماً، فقد خاض العراقيون اربع تجارب انتخابية. ففي بداية عام 2005 تم انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان المؤقت) ومعها الانتخابات المحلية الأولى، وفي نهاية ذلك العام تم اجراء الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الاستفتاء على الدستور وإقراره في الخامس عشر من شهر تشرين الاول/اكتوبر من ذلك العام، وفي عام 2009 أجريت الانتخابات المحلية الثانية، وفي عام 2010 أجريت الانتخابات البرلمانية الثانية، واليوم يتهيأ العراقيون لانتخاب اعضاء مجالس المحافظات (المجالس المحلية) في العشرين من شهر نيسان/ابريل المقبل.

بعد عقد من التغيير .. العراق بين آلام الماضي وآمال المستقبل

وهذه العمليات الانتخابية ساهمت الى حد كبير بإرساء اسس ومرتكزات النظام السياسي الديمقراطي رغم الظروف والتحديات الصعبة التي أحاطت بإجرائها، والسلبيات والأخطاء التي رافقتها، وأهم شيء اوجدته هو مبدأ التداول السلمي للسلطة وإبعاد شبح الانقلابات العسكرية عن البلاد، الى جانب تكريس مبدأ الشراكة والمشاركة في إدارة شؤون الدولة والحكم، وإن بصورة لم تكن ـ وما زالت ـ غير مرضية للبعض.

ومثلما يقول أحد الكتاب "ان أي مطلع على أحوال العراق اليوم سيوافق على أن الزجاجة مملوءة لأكثر من نصفها. لم تتحقق التوقعات المفجعة للمتشائمين بشأن العراق، فلم تنقسم الدولة إلى ثلاث أو خمس دويلات صغيرة كما أشار إلى ذلك جو بايدن في عام 2006، ولم يتحول العراق إلى بوابة للجحيم كما حذر عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ورغم محاولات الجماعات الإرهابية، لم ينزلق العراق إلى مستنقع حرب طائفية لا نهاية لها، كما توقعت كلير شورت عضو مجلس الوزراء البريطاني آنذاك".

والمنجز والمكسب الآخر، تمثل في حدوث نهضة اقتصادية لا بأس بها، كانت أبرز معالمها ومظاهرها التحسن الملموس الذي طرأ على الأوضاع الحياتية لغالبية أبناء الشعب العراقي، إضافة الى انتعاش وازدهار الحركة التجارية، ومعها الحركة العمرانية بشقيها الخاص (الشخصي)، والعام (الحكومي والاستثماري)، مترافقا مع استعادة العملة الوطنية جزءاً كبيراً من قيمتها التي فقدتها جراء الحصار الاقتصادي الذي فرض على البلاد بعد غزو نظام صدام لدولة الكويت عام 1990.

وتمثل المنجز الثالث في اتساع نطاق الحريات، وخصوصا ما يتعلق بحرية التعبير وحرية ممارسة العمل السياسي، واداء الشعائر والطقوس الدينية، وما ساعد في ذلك هو العدد الكبير جدا لوسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة والالكترونية، وكذلك منظمات المجتمع المدني، والأحزاب والتيارات السياسية، فضلا عن كسر وتحطيم قيود العزلة عن العالم الخارجي التي فرضها النظام السابق على العراقيين.

ورغم ان فضاءات الحرية في العهد الجديد حفلت بقدر غير قليل من الفوضى والاستغلال السيئ بمختلف الأصعدة الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية والاعلامية، إلا ان ذلك كان مبرراً ومقبولاً الى حد ما بسبب الغياب الكامل لكل اشكال ومظاهر الحرية خلال حقبة النظام السابق.

بعد عقد من التغيير .. العراق بين آلام الماضي وآمال المستقبل

أما المنجز الرابع فتمثل بتوفر الظروف والمناخات الملائمة لتستعيد المؤسسة الدينية بعناوينها المتعددة كالمرجعيات الدينية والحوزات والمدارس العلمية دورها وحضورها في المنظومة الاجتماعية في إطار التوجيه والوعظ والإرشاد، اضافة الى تبني المشاريع الانسانية التي تحتاجها شرائح وفئات اجتماعية عديدة.

في حين تمثل المنجز الخامس في توجه النظام السياسي الجديد لإصلاح علاقات العراق الخارجية مع محيطه الاقليمي، ومع المجتمع الدولي على وجه العموم، وتركز الاهتمام على الأطراف التي افتعل النظام السابق الحروب والصراعات معها مثل الجمهورية الاسلامية الإيرانية والكويت وسوريا بالدرجة الأساس، وظهرت منذ البداية نوايا صادقة وتوجهات جادة لاغلاق ملفات الماضي، وطي صفحات الخلافات، وبناء علاقات تقوم على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي وعدم التدخل بالشوؤن الداخلية.

اخطاء وسلبيات

وبما ان عملية الاطاحة بنظام صدام خضعت لإرادت دولية بالدرجة الأساس وإقليمية بمستوى اقل، فإن جملة من الأخطاء والسلبيات قد حصلت، وانعكست مجمل آثارها وتبعاتها على العراقيين، والولايات المتحدة الاميركية كانت الطرف الأكثر تورطا في ارتكاب الأخطاء المقصودة وربما غير المقصودة.

الخطأ الاول تمثل بتدمير منظومة الدولة من خلال القرارات الارتجالية والمتسرعة التي اتخذها الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر الذي تولى ادارة الامور لمدة اربعة عشر شهراً، اي للفترة من شهر ايار/مايو 2003 وحتى نهاية حزيران/يونيو 2004، ومن بين تلك القرارات حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية والمنظومة الاعلامية، ووضع اليد على موارد الدولة المالية، وقبل ذلك عرضت القوات الاميركية المحتلة مختلف مؤسسات الدولة ودوائرها لعمليات سلب ونهب واسعة كان لها اثار ونتائج سلبية كبيرة.

والخطأ الثاني، أن الولايات المتحدة عملت منذ البداية على صياغة معادلات قلقة للحكم قامت على محاصصة طائفية وقومية ومناطقية أوجدت صراعات ومنافسات مستمرة، وأشاعت أجواء من عدم الثقة، وللأسف فإن اطرافا وشخصيات سياسية وغير سياسية انساقت عن قصد او من دون قصد وراء تلك المعادلات القلقة، وراح البعض منها ينفذ اجندات خارجية لحساب هذا الطرف الاقليمي/الدولي او ذاك، ولم تعبأ كثيراً بالانعكاسات السلبية لذلك السلوك على المصالح الوطنية العامة.

بعد عقد من التغيير .. العراق بين آلام الماضي وآمال المستقبل

وهذا التوجه فتح الابواب واسعة لدخول جماعات ارهابية مسلحة بعناوين مختلفة من وراء الحدود، لتبرز ظاهرة الإرهاب المتحرك بمسارات مذهبية وطائفية بالدرجة الأساس وتلقي بظلالها على المشهد العام للبلاد، وهذه الظاهرة افرزت ظواهر اخرى من قبيل التهجير القسري والقتل على الهوية، والاستهداف الممنهج لأماكن العبادة والمراقد والمقدسات والرموز الدينية.

وكان هناك وجه اخر للإرهاب هو الفساد الاداري والمالي، الذي بات الآفة الكبرى التي تنخر جسد الدولة العراقية، وتستنزف الاموال الطائلة وتبدد الطاقات والامكانيات والكفاءات البشرية. وتقدر جهات متخصصة حجم الاموال التي ضاعت بسبب الفساد بأكثر من مائة مليار دولار. وطبيعي أن الارهاب ومعه الفساد يفرضان حقائق ومعطيات سياسية خطيرة، وهذا ما حصل في بعض المنعطفات، بحيث تبين ان شخصيات نافذة في الدولة وتشغل مواقع عليا متورطة بإرهاب وفساد كبيرين.

والمنجزات والمكاسب المشار إليها وكذلك الأخطاء والسلبيات لا تمثل الصورة بكل جوانبها وأبعادها وزواياها، وإنما هي جزء منها، ولكن اذا وضعنا المنجزات والمكاسب في كفة والاخطاء والسلبيات في كفة اخرى، فإن كفة الاولى سترجح على كفة الثانية، وان كان مقدار الرجحان غير كبير جدا.

مارتن كوبلر ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراقي يشير الى "ان الشعب العراقي يتمتع بثلاث نعم، هي الثقافة الثرية والتاريخية، والشباب النشط والحي، والثروة الطبيعية". وهذه النعم (العوامل) الثلاثة يمكنها فيما لو استثمرت بالشكل الصحيح ان تطوي صفحة آلام الماضي لتفتح افاقا وابوابا لآمال المستقبل في بلد ضحى بالكثير وتحمل الكثير وخسر الكثير.
2013-03-25