ارشيف من :آراء وتحليلات

أوباما، إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين

أوباما، إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين
يعلم الرئيس أوباما جيداً أنه لا يستطيع أن ينام ملء جفنيه في ظل انهيار شعبيته في أوساط اليهود الإسرائيليين والأميركيين. لذا حرص على أن يخصص لـ "إسرائيل" أولى زياراته الخارجية في ولايته الثانية. زيارة يبدو أن أوباما قد رسم لها هدفاً واضحاً هو ـ طالما أنه لا يستطيع أن يلحق نسبه بيهود الفلاشا مثلاً ـ إقناع اليهود بأنه يود لو أنه يهودي مثلهم. أو لاستحالة ذلك، إقناعهم بأنه مستعد لأن يكون أطوع لهم من بنانهم.

لم يكن أول من لفت إلى التشابه الكبير بين تاريخ "إسرائيل" وتاريخ الولايات المتحدة. تاريخان يمكن تلخيصهما بكلمتين: غزو وإبادة. لكن أوباما رأى فيهما شيئاً آخر ربما لم يراود أذهان أكثر اليهود تعصباً. فقد قال عن الغزاة الأوروبيين الذين استوطنوا القارة الأميركية المكتشفة حديثاً بعدما أبادوا سكانها الأصليين، وعن اليهود الذين استوطنوا فلسطين ويسعون من أجل إبادة سكانها وجيرانها بأنهم "وطنيون صمموا على أن يكونوا شعباً حراً فوق " أرضنا (؟؟؟!!!)"، ورواد صنعوا أمة، وأبطال ضحوا بأنفسهم ليصونوا حريتنا، ومهاجرون من شتى أنحاء العالم (؟؟؟!!!) يجددون دون توقف مجتمعاتنا المتعددة...".

ولأن ممارسة الصفاقة لا تقف عند حد، فقد أدخل أوباما بني جنسه من الأميركيين السود في هذا الاندماج اليهودي ـ الأميركي. موت أكثر من مئة مليون من الأفارقة أثناء أسرهم ونقلهم في ظروف بالغة القسوة من إفريقيا للعمل كعبيد أرقاء في مزارع المستوطنين البيض في أميركا، هو في نظر أوباما مجرد هجرة هي "التعبير الأشد جوهرية عن الخروج من الاستعباد والعبودية إلى الحرية!".

أوباما، إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين

وبعد الصفاقة، كرّس أوباما شطراً من تصريحاته للتزلف. فهو فخور بتحويل عيد الفصح اليهودي إلى تقليد في البيت الأبيض تتعلم منه ابنتاه التقاليد (اليهودية طبعاً). وهو يخاطب اليهود بوصفهم "أولاد إبراهيم وسارة". ويتحدث عن علاقة الشعب اليهودي بالأرض منذ ثلاثة آلاف سنة. ويزور قبر كل من تيودور هرتزل وإسحاق رابين. ويردد عبارات حفظها باللغة العبرية.

كما يذكّر بالتحالف الأبدي بين "إسرائيل" والولايات المتحدة التي اعترفت بها بعد إحدى عشرة دقيقة فقط من إعلان قيامها في العام 1948. وفي الإطار نفسه يشدد على التزام بلاده المطلق وغير المشروط بأمن "إسرائيل".

أما القضية الفلسطينية، فلم ير في أفقها حلولاً غير المفاوضات غير المشروطة من دون التوقف عند مسألة الاستيطان ومن دون أن يجد حرجاً أو حياءً في مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة، أي أنه يطلب منهم أن يعترفوا بلا شرعية وجودهم في فلسطين، على أساس أن الشرعية الوحيدة بالنسبة لهم هي البحث عن وطن بديل قد يكون الأردن أو سيناء (بعض المصادر بدأت تركز مؤخراً على أن سيناء جزء لا يتجزأ من فلسطين)، أو الذوبان في أوطان أخرى. ولا ينسى أخيراً استجداء العطف على الفلسطينيين عندما تحدث عن معاناتهم موجهاً إلى الحضور الإسرائيلي عبارة "ضعوا أنفسكم مكانهم"! كل هذا بعد أن كان أوباما قد نبه إلى أنه لم يأت للبحث في عملية السلام، على أساس أن هذه العملية هي ما يجري على قدم وساق من خلال الاستيطان والتهويد والسجن الإداري وكافة أشكال الاضطهاد الأخرى.

أوباما، إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين

بعضهم يقول بأن زيارته سياحية. فهو قد جال على العديد من الأماكن السياحية والأثرية في فلسطين والأردن. لكن ذلك كان بعد الفراغ من الأمور الهامة.

عرف في الآونة الأخيرة أن الإدارة الأميركية قد تخلت عن مطلب تنحية الرئيس الأسد وأعلنت موافقتها على جلوس المعارضة معه الى طاولة المفاوضات. لكن برنامج العمل الذي رسمه مع نتنياهو يشدد على وجوب رحيل الرئيس الأسد. وبالتزامن مع دخول آلاف "المجاهدين إلى سوريا"، استغل قصة استخدام أسلحة كيميائية من قبل المعارضة السورية ليطلق تهديديات يفهم منها بأنه يتهم سوريا باستخدام هذه الأسلحة. أما وزير خارجيته جون كيري فقد ذهب إلى بغداد ليخوف العراقيين من مغبة الاستمرار في السماح للطائرات الإيرانية بنقل الأسلحة عبر الأجواء العراقية إلى الجيش السوري.

وكل ذلك يثلج صدر نتنياهو ولكنه يظل غير كاف. فالإسرائيليون يريدون من الولايات المتحدة أن تضرب إيران. والولايات المتحدة تود من كل قلبها أن تفعل ذلك، لكن المحاذير كثيرة. فالأساطيل والقواعد الأميركية في المنطقة هي، بالنسبة للصواريخ الإيرانية، أسهل تناولاً من حيفا وتل أبيب.
2013-03-27