ارشيف من :آراء وتحليلات

استقالة ميقاتي والتّحضير للمعركة الكبرى في سوريا

استقالة ميقاتي والتّحضير للمعركة الكبرى في سوريا


إنّ اختيار الرّئيس نجيب ميقاتي هذا التّوقيت بالذّات ليعلن استقالته، لا يمكن فهمه من خلال الأسباب الّتي قدّمها، وهي أسباب واهية ولا شكّ، وعلى الأقلّ يمكن مناقشتها وتفنيدها ومحاججتها إلى حدّ كبير. وهو نفسه أقرّ صراحة أنّه حدّث نفسه بالاستقالة في أكثر من مناسبة، إلاّ أنّه كان يعود عنها بالرّغم من كونها أكثر حساسيّة ودقّة.

إنّ الأسباب الحقيقيّة أعمق من ذلك بكثير، ولا يمكن جلاؤها إلاّ من ضمن الصّورة الشّاملة والأوسع لما يجري من حولنا، وتحديدًا في سوريا، وذلك وفق الآتي:
في سوريا
أوّلاً: مالت كفّة الصّراع في سوريا مؤخّرًا إلى مصلحة النّظام لجهة تمكّنه من تعديل موازين القوى لمصلحته، مستعيدًا زمام المبادرة العسكريّة والأمنيّة إلى حدّ كبير، وهذا ما فرض عودة قويّة له إلى معادلة البحث عن حلّ سياسيّ لا يتجاوزه، ولا يتجاوز الرّئيس بشّار، كما أشارت إلى ذلك مجموعة التّفاهمات الرّوسيّة ـ الأميركيّة الّتي بدت واعدة في حينها.

ثانيًا: سرعان ما شهدنا ما يشبه الهجوم المضادّ بقيادة التّحالف السّعوديّ ـ القطريّ ـ التّركيّ الذي عبّر عن نفسه بالوقائع التّالية:

أ‌ ـ تعيين رئيس لحكومة مؤقّتة للائتلاف المعارض هو غسّان هيتو، الكرديّ الأصل والأميركيّ الجنسيّة، تمهيدًا لمنح مقعد سوريا في الجامعة العربيّة وفي القمّة العربيّة له، ما يعني نزع الشّرعيّة والاعتراف الرّسميّين العربيّين نهائيًّا عن النّظام والحكومة الحاليّة في سوريا، والعمل لاحقًا على جهد دوليّ يحقّق النّتائج نفسها، ما يعني في الخلاصة تقسيم الواقع السّوريّ إلى واقعين، وهذا ما يذكّرنا بالنّموذج اللّيبيّ.

يدرك أصحاب هذه المؤامرة أنّه لا معنىً سياسيًّا نهائيًا لكلّ هذه الخطوات ما لم تحظَ الحكومة المؤقّتة بواقع جغرافيّ ملموس وذي معنى داخل سوريا. وهذا ما ليس متحقّقًا حتّى الآن، وبالتّالي لا بدّ من تحقيقه. فالرّسالة الفعليّة لهذا التّطوّر هي ما تحمله من دلالات كبيرة مقبل عليها الوضع السّوريّ مجدّدًا.

ب ـ الإعلان عن خطط وبرامج تدريب وتسليح نوعيّة ومكثّفة للمجموعات المسلّحة، والكشف عن انخراط متزايد تحديدًا لكلّ من الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة الفرنسيّة والبريطانيّة في التّحضير لعمليّات عسكريّة واسعة داخل سوريا، تبرمج لتكون منطقة حلب وأدلب مسرحها الرّئيسيّ.

استقالة ميقاتي والتّحضير للمعركة الكبرى في سوريا

ثالثًا: إعلان زعيم حزب العمّال الكردستانيّ عبداللّه أوجلان وقف العمل المسلّح في تركيا، داعيًا المسلحين الأكراد إلى مغادرة تركيّا بضمانات رسميّة من رئيس الحكومة التّركيّة رجب طيّب أردوغان. من نافل القول، إنّ دوافع أردوغان ـ في هذا التّوقيت بالذّات ـ لإنجاز اتّفاق من هذا النّوع ومع زعيم كرديّ قابع في أحد سجونه لا يمكن عزله عن المأزق التّركيّ في سوريا، وعن حاجته لتوظيف الورقة الكرديّة داخل سوريا، حيث يدرك أردوغان أنّ المسلحين الأكراد سيغادرون تركيّا إلى الأراضي السّورية حيث معقلهم الرّئيسيّ.

رابعًا: النّتائج الّتي خلصت إليها جولة أوباما في المنطقة، والّتي يمكن إيجازها بالآتي:

أ‌ ـ دفع كلّ من الكيان الإسرائيليّ وتركيّا إلى المصالحة. وقد برّر نتنياهو قبوله المصالحة مع أردوغان تحديدًا بما يجري في سوريا، وضرورة التّنسيق المستمرّ مع تركيّا، لمتابعة ما يجري هناك في ظلّ التّقييم الإسرائيليّ المتشائم للتّطوّرات.

ب‌ ـ الضّغط على النّظام الأردني للانخراط أكثر في الأزمة السّوريّة من خلال الاستمرار في تسهيل وصول اللاجئين السّوريّين، الّذي لا مبرّر له لولا أنّ التّطوّرات القادمة ستقضي على تدفّق كهذا، ومن خلال تسهيل عمليّات التّدريب أكثر وتسهيل الحركة الميدانيّة للمسلّحين باتّجاه الجنوب.
ت‌ ـ إرسال وزير الخارجيّة الأمريكيّة على عجل إلى العراق، لحمل رسالة متشدّدة واحدة، هي ضرورة العمل على منع مرور الطّائرات الإيرانيّة المتوجّهة إلى سوريا بذريعة أنّها تحمل أسلحة أو مقاتلين إليها.
ث‌ ـ اختيار أوباما مناسبة الزّيارة إلى الكيان الصّهيونيّ والزّيارة نفسها، ليبعث برسائل تهديد، وذات مغزى سياسيّ واضح لكلّ من إيران وحزب اللّه. بالنّسبة لإيران، فهو ـ وبالرّغم من إعلانه تمسّكه بالخيار الدّبلوماسيّ ـ أكّد بوضوح أنّ كلّ الخيارات تبقى مفتوحة، وأنّه لن يسمح بإيران نوويّة.
أمّا بالنّسبة إلى حزب اللّه، فهو أكّد الموقف الأمريكيّ الواصف لحزب اللّه بالحزب الإرهابيّ، داعيًا كلّ الدّول للتّعامل معه على هذا الأساس.

خامسًا: زيادة الضّغوط على الواقع العراقيّ، من خلال توسعة عمليّات التّفجير الّتي عادت بقوّة إلى المشهد السّياسيّ العراقيّ، وبوتيرة تذكّرنا بالوتائر السّابقة، متزامنة مع اضطرابات ذات بعد مذهبيّ تارة وقوميّ تارة أخرى، وفي منطقتي الأنبار وكردستان، وذلك من قبل التّحالف التّركيّ ـ السّعوديّ ـ القطري، في محاولة واضحة لتحقيق ضغط مزدوج من جهة على حكومة المالكي، ومن جهة أخرى على إيران، وذلك ضمن جبهة المواجهة الجيوسياسيّة المتعدّدة الأبعاد، الّتي يبقى مركزها سوريا اليوم.
سادسًا: الضّغوط المتنوّعة في وجه حزب اللّه تحديدًا، والّتي تبدأ من تكثيف الكيان الإسرائيليّ لمناوراته جنوبًا، خصوصًا في منطقة الوزّاني ومزارع شبعا، ومن خلال طلعاته الجوّية المكثّفة، وتمرّ بمناخات الفتن المتنقّلة في أكثر من منطقة، ولا تنتهي باستقالة ميقاتي.
الهدف واضح هنا أيضًا، وهو إشغال الحزب في حرب استنزاف سياسيّة وأمنيّة وعسكريّة لتقليص موقفه الدّاعم لسوريا نظامًا وشعبًا.

خلاصة القول هنا، لقد بات واضحًا أنّ سوريا ستواجه في المرحلة المقبلة الوشيكة وتيرة عالية من الضّغوط العسكريّة والأمنيّة والسّياسيّة والإعلاميّة. وكلّ ما نشهده اليوم هو بمثابة تحضير المسرح لما يقال إنّه المعركة الكبرى، الّتي يراد لها أن تغيّر مجرى الصّراع وتوازناته في سوريا، الأمر الّذي بات يستدعي إخراج لبنان من المعادلة الحاليّة الّتي يتموضع فيها بالنّسبة إلى هذه الأزمة، إلى معادلة تزيده انكشافًا، وتؤدّي إلى انخراطه أكثر في هذه المعركة الكبرى، الأمر الّذي يمرّ حكمًا باستقالة ميقاتي.






 
2013-03-30