ارشيف من :آراء وتحليلات

نحو وجوب سنِّ قانون نموذجي للإنتخابات النيابية اللبنانية

نحو وجوب سنِّ قانون نموذجي للإنتخابات النيابية اللبنانية


أحمد موسى دروبي

إن القانون الأفضل الذي ينبغي أن يُسن للانتخابات النيابية اللبنانية هو ذلك القانون الذي يُحقق التمثيل الأشمل للارادة الوطنية، ولتحديد ذلك القانون ينبغي علينا أن ننطلق في البحث عنه، من مدى معرفتنا لواقعنا القائم ونسيجنا الاجتماعي الحالي.

من المعلوم أنّ المواطن اللبناني يميل الى معرفة مرشحه معرفة شخصية ومباشرة، وأقصر طريق اليه يتأمن، بقانون انتخاب يعتمد الدائرة الصغرى، حيث تكون رقعتها الجغرافية مجالاً طبيعياً وسهلاً للتنقل فيها، ويُشكل قاطنوها عائلة اجتماعية واحدة على مستوى التعارف والزيارة والقربى والجيرة والمعارف، غير أن اعتماد نظام الدائرة الصغرى كدائرة انتخابية، ورغم ايجابياته العديدة ، يُبقي شرائح هامة خارج التمثيل، في حين أنّ اعتماد المحافظة (بعد اعادة النظر بها لجهة جعلها مُختلطة طائفياً) دائرة انتخابية أو اعتماد لبنان بشكل تدريجي دائرة انتخابية واحدة، وبالتلازم مع اعتماد النظام النسبي ونشوء الأحزاب الوطنية والغاء الطائفية السياسية ونشر الثقافة الديمقراطية لدى المواطن اللبناني، سوف يؤدي الى تمثيل الجميع من أحزاب وتيارات سياسية، وسوف يُشجع على نشوء التكتلات الكبرى، هذا اضافةً الى مجموعة من النتائج الايجابية التي ستتمخض عن تطبيق النظام النسبي والدائرة الموسعة أو الكبرى، من أهمها:

1- إن قيمة أي قانون انتخابي تكمن في مدى استجابته للمتغيرات السياسية والاجتماعية، وفي مدى تعبيره عن التطلعات الشعبية، وهذا لا يتحقق الا عبر خطة مرحلية، تتلاءم مع المتغيرات الطارئة، وتستجيب للمطالب الشعبية المتعددة بتعدد الانتماءات الطائفية والتجاذبات الفئوية السياسية والاجتماعية، حيث تعمل تلك الخطة على مزج تلك المطالب الشعبية وموازنتها، وعلى الاستجابة المرنة للمتغيرات الطارئة، وذلك من دون احداثٍ أي تغييرٍ فجائي قد لا تعرف عواقبه السلبية مسبقاً، من هنا تكمن أهمية اعتماد لبنان بشكلٍ تدريجي دائرة انتخابية واحدة.

نحو وجوب سنِّ قانون نموذجي للإنتخابات النيابية اللبنانية


2- إن اعتماد المحافظة (وذلك بعد اعادة النظر بها لجهة جعلها مختلطة طائفياً) دائرةً انتخابية، من شأنه أن يَحول دون وصول التيارات المتطرفة الى المجلس النيابي، وأن يُساهم في تحقيق الانصهار الوطني والتمثيل النيابي السليم. فالدائرة الموسعة تساهم في تحقيق الدمج السياسي بين مختلف أبناء الطوائف، وتساعد على تعزيز دور الأحزاب في الجمع السليم بين الانتساب الطائفي والانتساب الوطني، من خلال مشاركة أكبر عدد ممكن من مختلف الطوائف في اختيار النواب، الذين ستتغلب على سلوكهم اعتبارات الانتماء الوطني على الانتماء الطائفي.

3- إن اعتماد الدائرة الموسعة (المحافظة بعد اعادة النظر بالتقسيمات الادارية)، والنظام المختلط القائم على أساس الجمع بين التمثيل النسبي والتمثيل الأكثري (كالنظام المطبق في ألمانيا) في أول انتخابات نيابية قادمة، ومن ثم القيام برفع نسبة التمثيل النسبي الحزبي في الدورات الانتخابية المتتالية، الى أن تصل وبشكلٍ تدريجي، ـ يترافق مع نمو أحزاب وطنية لا طائفية سليمة ـ الى اعتماد لبنان دائرة واحدة على أساس التمثيل النسبي، من شأنه أن يؤمن مزيداً من الانصهار الوطني، وتمثيلاً حقيقياً لكل الطوائف والفئات، بحيث يُصبح التمثيل أكثر شمولية.

4- إن اعتماد التمثيل النسبي بشكلٍ كامل في نهاية تطبيق المشروع أو الاقتراح السابق الذكر، من شأنه أن يؤدي الى السماح للأحزاب السياسية بالوصول الى البرلمان، بحيث يكون لها دور هام في التمثيل النيابي.

5- إن أي طرح للنظام الأكثري يُعتبر برأينا طرحاً ساقطاً، باعتباره مُعطلاً للعملية الانتخابية السليمة والمبادئ التي تقوم عليها، ويؤدي الى تكريس ديكتاتورية الأكثرية وسحق الأقليات. كما ان النظام الأكثري هو المولّد الأساسي للفساد الطائفي، وهو الذي يُساعد قوى نافذة على استغلال الحساسيات المذهبية داخل الطوائف، والاستئثار بقرارها وتضخيم حجم تمثيلها في البرلمان.

6- إن التمسك بنظام التمثيل النسبي، من شأنه ضمان تمثيل أكثر عدالة وشمولاً، ويُعالج ظاهرة المحادل في الانتخابات النيابية التي تحد من فاعلية الممارسة الديمقراطية، ويرفع نسبة المشاركة في العملية الانتخابية، ويُشجع الناخبين على ممارسة حقهم في الاقتراع، ويُبدل جذرياً في المشهد السياسي ويُعزز الممارسة الديموقراطية ويُنعش الحياة السياسية، ويُعزز أجواء التنافس بين البرامج والمشاريع السياسية، بدلاً من التنافس بين الأفراد في الانتخابات النيابية، ويُعطل قدر الامكان من الدور الذي يؤديه المال السياسي في تشويه الانتخابات النيابية.

ولكنّ السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه هنا هو: هل بنية المجتمع اللبناني الطائفية، وتحكُّم العصبية والمزاجية عند معظم الناخبين، يسمحان أو على الأقل يتلاءمان مع ادخال مفهوم انتخابي حضاري الى هذا المجتمع؟

من هنا تأتي أهمية تطبيق مشروع قانون اللقاء الارثوذكسي كمرحلة انتقالية وليس كمرحلة نهائية للانتقال من القيد الطائفي الى القيد الوطني، كونه يقوم بمعالجة مشكلة عدم التمثيل الصحيح للمسيحيين، الأمر الذي يُعيد ثقة أبناء الطائفة المسيحية بممثليهم، ويفتح الباب مستقبلياً نحو الغاء الطائفية السياسية بعد تثبيت وتحسين العلاقة بين المواطن والنظام السياسي القائم عبر العملية الانتخابية، وما موافقة الأحزاب المسيحية الأربعة مع البطريرك مار بشارة الراعي على تطبيق ذلك المشروع سوى دليل قاطع على صحة هذا القول.


2013-03-30