ارشيف من :آراء وتحليلات

ميزان التسلح الصاروخي الروسي ـ الغربي

ميزان التسلح الصاروخي الروسي ـ الغربي
مرت بشكل غير ملحوظ الذكرى السنوية الثلاثون لـ"حرب النجوم" التي أعلنها الرئيس الاميركي الأسبق رونالد ريغان في 23 آذار/مارس 1983. ولكن الولايات المتحدة الأميركية لم تستطع حتى الآن وليس من المتوقع ان تستطيع في الـ 10 ـ 15 سنة القادمة على الأقل ان تنجز المكونات الضرورية للدفاع الجوي المضاد للصواريخ الاستراتيجية المتعددة الطبقات، في الجو والفضاء الكوني. ففي هذا الوقت ولى زمن الكثير من المشاريع الغريبة لأنظمة الدفاع الصاروخية، التي سبق وأعلن عنها البنتاغون، ولم يكن لها من هدف سوى تخويف روسيا.

لقد ظهر نظام  ERIS للاعتراض الصاروخي عبر الغلاف  الجوي، وبرنامج سلاح الطاقة المباشرة DEW، واشعة الليزر X-ray الفضائية، والتحكم بالجزيئات المحايدة، والبندقية الالكترومغناطيسية الفائقة السرعة  Rail Gun، والصاروخ الفضائي المعترض SBI، و"الحجارة المشعة" المدارية، والمعترض ذي الطاقة الحركية KEI ، والليزر الكيميائي المحمول جوا، وغيرها، التي انفق عليها اكثر من 100 مليار دولار ـ كل هذه الانظمة لم تتحقق فعليا ولم تتجاوز حدود الخداع.

ميزان التسلح الصاروخي الروسي ـ الغربي


في سنة 2002 عمد جورج بوش الابن الى تمزيق الاتفاق حول الدرع الصاروخية، الذي لم يكن يمنع، بل يقلص عدد الصواريخ المعترضة الاستراتيجية الى 100 وحدة. أما الان فيوجد عند الولايات المتحدة الاميركية 30 من الصواريخ المعترضة من طراز (GBI 26 في الاسكا و 4 في كاليفورنيا). وفي الحقيقة يوجد لدى الولايات المتحدة الاميركية عدة مئات من الصواريخ المعترضة غير الاستراتيجية من طرازات Patriot ، PAC-3، THAAD، و SM-3 Block 1A. وسرعتها لا تتجاوز 3 ـ 4 كلم في الثانية، ومداها الاعتراضي للصواريخ الباليستية لا يتجاوز 250 ـ 300 كلم. وكما الصواريخ الروسية S-400، فإن هذه الانظمة لا تستطيع ان تعترض الصواريخ الباليستية عابرة القارات، ولكنه يمكن فقط استخدامها ضد الصواريخ ذات المديات القصيرة والمتوسطة. وبموجب اتفاق اتلاف الصواريخ، اتلف الروس والاميركيون الصواريخ الباليستية ذات المديات من 500 الى 5500 كلم منذ 20 سنة. ولكن الان يوجد مثل هذه الصواريخ لدى كوريا الشمالية، ايران، الصين، الهند، باكستان، "اسرائيل" وعدد من البلدان الاخرى.

والسؤال : هل يمكن لسيارة "زابوروجيتس" الروسية القديمة ان تسبق "المرسيدس"؟ كما تقول نكتة سوفياتية قديمة.

ان "المرسيدسات!" الروسية من الصواريخ من طراز "توبول"، "توبول ـ م"، "يارس" و"بولافا" تمتلك سرعة 7 كلم في الثانية، في حين ان "الزابوروجيتسات!" الاميركية لا تستطيع ان تدرك الصواريخ الروسية العابرة القارات، المزودة بوسائل متنوعة للتفلت من الصواريخ المعترضة. ان الصواريخ المعترضة من طراز  GBI تبلغ سرعتها 5 كلم في الثانية، ولكنها لم تجرب ولا مرة في ظروف التدابير المضادة للعدو، مثل المناورات التي تقوم بها الرؤوس الحربية التي تنطلق من الصواريخ الباليستية العابرة القارات ومثل اطلاق الاهداف الكاذبة.

سنة 2009 الغى اوباما قرار بوش بنشر الصواريخ الاستراتيجية المضادة للصواريخ من طراز GBI في بولونيا. وبدلا عن ذلك اعلن عن برنامج للتكيف التدريجي مع الدرع الصاروخية الأوروبية، الذي بموجب المرحلة الرابعة منه ستنشر في بولونيا ورومانيا 48 صاروخا معترضا من طراز SM-3 Block 2B، التي ينبغي ان تزيد سرعتها عن 5 كلم في الثانية. وبالاضافة الى ذلك، فإن مثل هذه الصواريخ الاعتراضية سيتم تحميلها لعشرات الطرادات والمدمرات الاميركية المزودة بأنظمة معلوماتية وتحكم من طراز «Aegis».

ميزان التسلح الصاروخي الروسي ـ الغربي

وفي 15 اذار الماضي اعلنت ادارة اوباما التخلي عن العمل لتطوير الصواريخ الاعتراضية من طراز SM-3 Block 2B. وهذا يعني نقل الجهود الى نظام الدفاع الصاروخي الاعتراضي للولايات المتحدة الاميركية المموضع في الاسكا، المعد قبل كل شيء لاعتراض صواريخ كوريا الشمالية والصين. وإن كمية الصواريخ الاعتراضية من طراز  GBI المموضعة في صوامع تحت أرضية سيتم زيادتها من 30 الى 44. وهذا العدد هو اقل من الـ 68 نظام اعتراض صاروخي من طراز ?-135، المنشورة في محيط موسكو، والتي من المخطط استبدالها بأنظمة جديدة من طراز ?-235، المزودة برؤوس حربية نووية وذات طاقة حركية.

ولا تتوقف المسألة فقط على وقف نشر الدرع الصاروخية الاميركية في اوروبا الشرقية. ففي الاساس ان الادارة الاميركية الحالية قد تخلت عن انشاء مكون بحري للدرع الصاروخية الاستراتيجية. فقط تحقيق مشروع SM-3 Block 2B كان يسمح نظريا للسفن الحربية الاميركية المزودة بنظام «Aegis» ان تكتسب القدرة على اعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ان الصواريخ الاعتراضية SM-3 Block 1? و Block 1B، المحمولة الان على السفن الحربية (ويبلغ عددها 26)، ونسختها المعدلة المنتظرة SM-3 Block 2?، والتي هي قيد الانشاء، لا تمتلك الامكانيات الضرورية لاعتراض الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

وحتى لو انشئت على الاراضي الاميركية منطقة جديدة لنظام الدرع الصاروخية مؤلفة من 10 ـ 20 نظاما صاروخيا اعتراضيا من طراز GBI، الامر الذي هو قليل الاحتمال، ففي هذه الحالة فإن عدد الصواريخ الاعتراضية للصواريخ الباليستية العابرة للقارات سيكون تقريبا مرتين اقل مما هو مسموح به بموجب الاتفاق حول الدرع الصاروخية.

ميزان التسلح الصاروخي الروسي ـ الغربي

وهكذا فإن الدرع الصاروخية الاستراتيجية المحدودة لن تكون قادرة على ابداء اي تأثير حقيقي على القدرات الروسية النووية حتى سنة 2020. وفي ذلك ما يكفي لإدخال الرعب الى اميركا الجبارة. والبنتاغون لم يستطع حتى الان ولن يستطيع في المستقبل المنظور ان يحل المشكلة التكنولوجية المعقدة وهي مشكلة ("ضرب الرصاصة برصاصة")، وهو ببساطة لا يملك الاموال الكافية لبناء الدرع الصاروخية في ظروف أزمة الموازنة. ولهذا لا ينبغي تجاهل قرار اوباما، معتبرين انه لم يتغير شيء، وأنه كما في السابق ينبغي الحصول على ضمانات قانونية بأن الدرع الصاروخية الاميركية لن تكون موجهة ضد روسيا. فمن جهة، ان الدرع الصاروخية هي مخصصة للرد على الهجمات الصاروخية، ولا يوجد اي ضمانات رسمية لوقف الدرع الصاروخية اذا افترضنا ان الصواريخ الروسية ستوجه نحو اوروبا. ومن جهة ثانية يمكن للناتو ان يطلب ايضا من روسيا عدم توجيه صواريخها نحو أميركا وحلفائها. والقرار الذي اتخذته واشنطن حول اعادة هيكلة الدرع الصاروخية يمكن تماما تقويمه كاعتراف بمخاوف موسكو، بأن الدرع الصاروخية الاميركية يمكن ان تخل بالتوازن في التسلح النووي الاستراتيجي، المثبت بموجب اتفاق سنة 2010. وهكذا تظهر امكانية للخروج من هذا المأزق حول مسألة الدرع الصاروخية، الذي توجد فيه روسيا واميركا والناتو.

وأكثر من ذلك، لدى توافر الارادة السياسية يمكن التوصل الى اتفاق للتعاون بين روسيا واميركا والناتو حول الدرع الصاروخية الاوروبية، عن طريق توقيع اتفاق سياسي للتعاون، ينسجم مع بيان روما الصادر سنة 2002. وان افتراض عقد مثل هذا الاتفاق هو ممكن، من وجهة النظر الروسية، لأنه الان وفي اطار تحقيق القطاع الاوروبي من الدرع الصاروخية الاميركية، لا توجد امكانية تكنولوجية لتوجيه ذلك القطاع ضد الامكانيات الاستراتيجية النووية الروسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2013-04-04