ارشيف من :آراء وتحليلات

انتخابات العراق... الصورة الغامضة!

انتخابات العراق... الصورة الغامضة!
لأن الوضع السياسي يتسم بكثير من الفوضى والارتباك، ولأن الوضع الأمني غير قابل للاستقرار، فمن الطبيعي جداً أن تكون صورة المشهد الانتخابي قبل أسابيع قلائل من موعد إجراء الانتخابات المحلية في العراق، مشوشة وغامضة ومتشابكة الخطوط وممتزجة الألوان ومتداخلة الاتجاهات.

هذه هي الرؤية لدى الكثير من المتابعين للشأن العراقي، ولعموم العراقيين. ومن بين أبرز مؤشرات ومصاديق عدم وضوح صورة المشهد الانتخابي بالقدر الكافي هو حصول تغيرات وتبدلات غير قليلة في الخارطة السياسية لدى المكونين الشيعي والسني على السواء.

فالتحالف "الوطني العراقي" الذي يمثل الكتلة البرلمانية الأكبر حاليا، ويتألف من ائتلاف "دولة القانون" والائتلاف " الوطني" اخفق في دخول الانتخابات المحلية المقبلة بقائمة واحدة رغم جهود ومساعٍ كبيرة قد بذلت من قبل بعض الشخصيات والقوى، لتظهر ثلاثة كيانات رئيسية، هي ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وقد دخلت معترك التنافس الانتخابي بعدة قوائم غير رسمية، الى جانب القائمة الرئيسية الرسمية " ائتلاف دولة القانون بالرقم 419"، والكيان الآخر هو ائتلاف "المواطن" بزعامة رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم بالرقم 411، والذي ضم إضافة الى التيارات المنضوية تحت مظلة المجلس بالأساس، قوى وشخصيات ليبرالية ودينية وعشائرية، والكيان الثالث هو التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، الذي قرر أن يخوض الانتخابات بمفرده وبأربع قوائم، علما ان هذه الكيانات الثلاثة اتفقت على خوض الانتخابات في المحافظات ذات التركيبة القومية والمذهبية المتنوعة مثل ديالى وصلاح الدين ونينوى بقوائم ائتلافية.

انتخابات العراق... الصورة الغامضة!

وفي اطار المشهد الانتخابي بمحافظات الجنوب والفرات الأوسط، فإنه الى جانب الكيانات الرئيسية الثلاثة المشار إليها آنفا، نجد أسماء كيانات وقوائم كثيرة بتوجهات مختلفة، بيد أن فرصها في تحقيق نتائج يعتد بها تكاد تكون ضئيلة جداً، ودائرة التنافس الحقيقي ستنحصر بين "دولة القانون و"المواطن" و"التيار الصدري".

ووفق استطلاعات رأي ومعطيات ميدانية وقراءات تحليلية لنقاط وعوامل القوة والضعف لدى كل كيان من الكيانات الثلاثة، يتوقع ان تتفاوت حظوظ كل واحد عن الآخر من هذه المحافظة الى تلك، بيد أن دائرة التنافس على المركزين الأول والثاني ستنحصر بين ائتلاف "دولة القانون" وائتلاف "المواطن"، وفي الاطار العام فإنه في المحصلة الاجمالية العامة يمتلك الاول فرصا أفضل لاحتلال المركز الأول، وسيكون المركز الثالث من نصيب التيار الصدري.

وطبيعي ان عدم تمكن أي كيان من الحصول على أغلبية مطلقة في كل المحافظات، سيفرض بناء وتشكيل تحالفات معينة وصياغة توافقات واقعية، لإدارة شؤون المحافظات عبر توزيع المهام والأدوار (منصب المحافظ ـ رئيس مجلس المحافظة ـ رئاسة اللجان المهمة في مجالس المحافظات كاللجنة الأمنية ولجنة الاستثمار، اضافة الى المواقع التنفيذية الامنية والادارية) بطريقة متوازنة ومرضية تعكس أرقام ونتائج الانتخابات الى حد كبير، وحقائق الواقع السياسي الى حد ما.

ومن المتوقع أن يحصل ائتلاف "دولة القانون" على نسبة 25 ـ 30% من مجمل مقاعد مجالس المحافظات البالغة 447 مقعداً، وان يحصل "ائتلاف المواطن" على نسبة 15ـ 18%، والتيار الصدري على نسبة 10ـ 12%، وتتقاسم اعداد من القوائم الانتخابية ذات التوجهات الليبرالية والعشائرية المختلفة، ومن بينها ائتلاف علاوي نسبة 10% من المقاعد.

انتخابات العراق... الصورة الغامضة!

وهذه الارقام التخمينية تشير الى حقيقة أن التيار الاسلامي بإطاره العام سيبقى حاضراً ومؤثراً وفاعلا في المشهد العام للبلاد، وربما تزداد مساحات حضوره وتأثيره في المرحلة المقبلة والتي تعد تهيئة وتمهيدا لمرحلة الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2014 وما بعدها.

ومن يتخوف اليوم من الخطاب الإعلامي والسياسي المتشنج وتبادل الاتهامات والسعي الى إماطة اللثام عن ملفات الفساد، ينبغي عليه ان يلتفت الى حقيقة أن موسم الحملات الانتخابية من الطبيعي ان يشهد مظاهر كهذه.

بيد ان التخوف الأكبر هو مما يمكن أن يحصل على الصعيد الأمني من عمليات إرهابية خلال الاسبوعين المقبلين، خصوصا في ظل تهديدات الجماعات الارهابية، وتداول معلومات استخباراتية عن وجود مخططات لتنظيم القاعدة لتنفيذ عمليات ارهابية واسعة النطاق مثل تلك التي شهدتها العاصمة بغداد ومحافظة بابل في التاسع عشر من شهر اذار/مارس الماضي، فوقوع عمليات من هذا القبيل يمكن ان يتسبب في تراجع نسبة المشاركة الشعبية بالانتخابات، مع التأكيد على أن بعض استطلاعات الرأي اشارت الى أن نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة لن تتجاوز 50% مقارنة بآخر انتخابات جرت في العراق ربيع عام 2010 ـ وهي الانتخابات البرلمانية ـ حيث كانت نسبة المشاركة اكثر من 62%.

والاحتمال الاسوأ يتمثل بإرجاء الانتخابات لبعض الوقت في حال وقعت عمليات إرهابية واسعة وارتبك الوضع العام، كما هو الحال في محافظتي الأنبار ونينوى التي تسببت التظاهرات الجماهيرية فيها والأوضاع الأمنية المضطربة في اتخاذ قرار تأجيل اجراء انتخاباتها المحلية شهرا واحدا عن الموعد المقرر.

واذا لم يكن المشهد الانتخابي في محافظات الجنوب والفرات الأوسط ومعها العاصمة بغداد قد شهد أحداثا ووقائع خطيرة ومقلقة، ولم تخرج الحملات الانتخابية عن نطاق التنافس الطبيعي الذي تتخلله تجاوزات وانتهاكات طبيعية ومتوقعة للقوانين والضوابط المقرة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن الحال ليس كذلك في المحافظات الغربية.

ولعل تأجيل انتخابات نينوي والأنبار، مثل في جانب منه نتيجة وفي جانب آخر منه سبباً.. مثل نتيجة لتداعيات وتصدعات وتفكك وتشظٍّ سياسي برزت مصاديقه واضحة بانشطار "القائمة العراقية"الى ثلاثة كيانات انتخابية ـ متحدون بزعامة اسامة النجيفي ورافع العيساوي، والقائمة العراقية العربية بزعامة صالح المطلك وجمال الكربولي، والائتلاف "العراقي الوطني الموحد" بزعامة اياد علاوي ـ.

انتخابات العراق... الصورة الغامضة!

ومثل التأجيل سببا لنشوء فريقين داخل المكون السني، الأول دعم خيار تأجيل الانتخابات وأبدى مرونة مع خطوات وإجراءات الحكومة في التعاطي مع مطالب متظاهري المحافظات الغربية، وكان مدفوعا بأكثر من عامل، من بينها خشيته من عدم تحقيق ما يطمح اليه من نتائج في الانبار ونينوي، في ظل منافسين أقوياء يمسكون بزمام الأمور ويمتلكون مواقع النفوذ والتأثير الحكومي والاجتماعي والسياسي، والثاني عدم استعداده للتفريط بما يمتلكه من حضور في الحكومة الاتحادية، وتأثره بالوعود والمغريات التي جاءته بصورة مباشرة او غير مباشرة من قبل ما يطلق عليه بـ "الفريق الحاكم".

أما الفريق الثاني المعارض بشدة لتأجيل الانتخابات، والداعي في ذات الوقت الى الاطاحة بالحكومة والى استمرار التظاهرات، فيريد من وراء الانتخابات ان يتسلح بالشرعية ويفرض نفسه دستوريا، وربما يفكر في مرحلة لاحقة بتشكيل اقليم مستقل على غرار اقليم كردستان عبر السياقات الدستورية القانونية، ووجوده القوي في مجالس المحافظات يمثل خطوة اولى بهذا الاتجاه.

ولكن ما ينبغي الاشارة اليه هو ان المكون السني بعناوينه المختلفة سيتنافس في العاصمة بغداد، حيث إن له جمهوره الانتخابي الواضح، وفي ديالى وفي صلاح الدين، وبمقدار اقل بمحافظات أخرى مثل بابل وواسط، وفي كل الاحوال فإن رصيده لن يكون مهدداً من قبل المكون الآخر، وسيتضح حجمه الحقيقي بالأرقام بعد إجراء الانتخابات في نينوى والأنبار، وسيتضح كذلك حجم كل مكون من مكوناته، ومثلما أن كيانات المكون الشيعي ستجد نفسها ملزمة بعد الانتخابات الدخول في تحالفات معينة، فإن تيارات المكون السني ستواجه نفس الخيار، إلا أن غياب الزعامات والرموز السياسية والدينية والعشائرية التي تمتلك رصيداً شعبياً واسعاً ومؤثراً سيجعل التوصل الى توافقات وتفاهمات أمراً ينطوي على كثير من المصاعب والتعقيدات، ولا سيما ان منحى الخلافات فيما بين الزعامات والرموز الموجودة حاليا آخذ في التصاعد والتفاقم، وربما يساهم ذلك في إتاحة الفرصة لبعض التيارات المتطرفة دينيا ان تجد لها موطئ قدم في المجالس الجديدة للمحافظات الغربية.
2013-04-05