ارشيف من :آراء وتحليلات

التأليف والإنتخابات: الإحتمالات الممكنة

 التأليف والإنتخابات: الإحتمالات الممكنة

يتقاسم المشهد السياسي الداخلي مساران: الأول خاص بعملية تأليف الحكومة هوية وتركيباً ووقتاً ومهامَّ، وبالتالي جلاء الأهداف الفعلية التي جاءت من أجلها. والثاني خاص بالجهود المستأنفة للوصول إلى توافق حول قانون الانتخابات في ضوء الحصيلة النهائية التي استقرت عليها الأمور مؤخراً. وهذان المساران ليسا متوازيين، وإنما هما متفاعلان ومترابطان بحيث من شأن كل واحد منهما أن يؤثر ويجلّي الآخر، ويكشف عن الوجهة التي يراد - في النهاية - دفع لبنان إليها.

أولاً - مشهدا التكليف والتأليف:

هنا يمكن ملاحظة الآتي:

أ - حرصت الرياض على أن تؤكد مرجعيتها الأساسية في لبنان من خلال القول إنها هي من حسمت مصير حكومة ميقاتي، وإنها هي من أتت برئيس الحكومة الجديد.


ب - بمعزل عن المسؤول الأول عن الاتيان بالرئيس المكلف النائب تمام سلام، فإنَّ موافقة الرياض عليه بدت محاولة منها للإيحاء بأنها لا تريد الاتيان بشخصية مستفزة للآخرين، وإلا لكانت ضغطت على جنبلاط وأصرت على تدفيعه ثمن تطبيع العلاقات معها، بالمجيء برئيس من طراز الحريري أو السنيورة وحتى ريفي كما قيل.


ج - إن طريقة تعاطي تيار المستقبل غلب عليها الطابع الاستعراضي الهادف إلى إظهار مرجعيته ووصايته على الرئيس المكلف، وبالتالي عودته إلى السلطة من هذا الباب.

د - من جهته جنبلاط عمل على:

1 - تأكيد دوره المحوري في الاتيان بتمام سلام ورفضه الموافقة على أي اسم استفزازي وذلك في رسالة واضحة لقوى الثامن من آذار عموماً وحزب الله تحديداً بأنه لم يغادر تموضعه، وأنه اختار ما هو أنسب له.

2 - تأكيده المباشر أيضاً والعلني على عدم استعداده للمشاركة أو التصويت على حكومة من لون واحد، ولا تكون حكومة جامعة. وذلك بهدف طمأنة قوى 8 آذار، ورسم الخط السياسي للرئيس المكلف الذي يجب سلوكه في عملية التأليف، من دون أن يعني ذلك إقفال جنبلاط لأي خيارات أخرى تلبي - ربما هذا الشرط - لكن بمسميات مختلفة.

هـ - بالنسبة لتحالف قوى الثامن من آذار يمكن التوقف عند الآتي:

- لم يتعاط هذا التحالف مع استقالة حكومة ميقاتي وكأنها نهاية الدنيا، وتستدعي إقامة الدنيا من أجلها، على غرار ما فعل تحالف قوى الرابع عشر من آذار إبان إسقاط حكومة الحريري، وهو بذلك استطاع امتصاص الكثير من التداعيات السياسية والتخفيف من حدة وقعتها.

- تعاطى هذا التحالف بإيجابية مع ترشيح اسم النائب تمام سلام لرئاسة الحكومة، ما أوقع ربما في أيدي خصومه، وأربك بعض حساباتهم.

- إن مسايرة هذا التحالف لترشيح اسم النائب تمام سلام أكسبه نقاطاً عدة، أبرزها:

1 - تقديم دليل إضافي على تعاطيه الايجابي، وعلى حرصه على الوئام والاستقرار السياسيين.

2 - إظهار الاستعداد للانفتاح من مواقع الثوابت الوطنية الخاصة.

3 - عدم الافساح بالمجال أمام فريق الرابع عشر من آذار للاستفراد بالرئيس، وأن يضطر للأخذ بالحسبان مجموع من منحه تأييده.

و - قد يكون الرئيس ميقاتي اختار التوقيت الأنسب له سياسياً، لا سيما بعدما شعر بأن دوره قد استنفد أغراضه، ولم تعد مظلته الدولية والاقليمية بالمتانة نفسها، خصوصاً بعد فشل جنبلاط - إذا ما أخذنا بالمعطيات المتداولة - في الشفاعة له لدى الرياض في ضوء ما قدمه من خدمات، وفي ضوء حسابات المستقبل وتقديره بأن الاتيان بميقاتي مجدداً سيعني المزيد من إطالة غياب الحريري أو السنيورة عن سدة الحكومة، إلا أن هذا لا يعني أن ميقاتي لم يكن يمنّي النفس بالعودة، وربما بدعم أقوى مما كان، ولعل هنا مكمن خسارته وشعوره بالمرارة إذ إن حساباته لم تكن دقيقة، لا سيما أن حليفه جنبلاط لم يتمسك به إلى نهاية الخط.

 التأليف والإنتخابات: الإحتمالات الممكنة
الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام


ثانياً - مشهد التأليف والتوافق على قانون للانتخابات:

أ - بالنسبة للتأليف، ما تزال الصورة حتى الآن غير واضحة ومحسومة، وإن كافة ما صدر من مواقف للرئيس المكلف، ولأعضاء في فريق الرابع عشر من آذار يشي بالتالي:

- أن تكون مهمة الحكومة مناطاً بها فقط الاشراف على التفاهم على قانون انتخابات، وإجراء الانتخابات على أساسه.

- أن تكون حكومة غير سياسية، وتتألف من وزراء غير مرشحين.

- أن يتم الاسراع في عملية التأليف.

- أن تتم وراثة حكومة ميقاتي سريعاً ولو كحكومة تصريف أعمال.

ب - تبدو المهمة المستعجلة لرئيس الحكومة المكلف هي تأليف الحكومة في أسرع وقت حتى لو لم تنل الثقة في المجلس النيابي، لأن المطلوب شطب حكومة ميقاتي نهائياً من المعادلة لمصلحة حكومة رئيسها محسوب على فريق الرابع عشر من آذار وتيار المستقبل تحديداً، وعلى الرياض إقليمياً، والذي قد يعني بدوره إجراء الانتخابات وفق قانون الستين، ما لم يتم دفنه نهائياً بالاجراءات القانونية والدستورية المناسبة.

ج - إذا كان هناك قرار جدي، دولياً وإقليمياً وداخلياً، بإجراء الانتخابات، وفي أسرع وقت، مع المحافظة على الاستقرار، فإن تأليف الحكومة لا يمكن أن يتم بمعزل عن التوافق على قانون جديد للانتخابات، بحيث تأتي عملية التأليف كامتداد لعملية التوافق هذه، الأمر الذي سيعني أن عملية التأليف ستتم دوزنتها على إيقاع عملية التوافق على قانون جديد للانتخابات. وفي حال حصول التوافق على قانون للانتخابات، قد لا يكون مهماً عندها هوية الحكومة، وإن كان المهم التوازنات التي ستنحكم إليها، وما سيتضمنه بيانها الوزاري.

د - بالعودة إلى مجريات الأمور الخاصة بمسار التوافق أو عدمه على قانون جديد للانتخابات يمكن ملاحظة الآتي:

- الموقف الأخير الذي اتخذته القوى المسيحية الرئيسة تحت مظلة البطريركية والذي شكل موقفاً سياسياً حاسماً من قانون الستين.

- التصويت إيجاباً داخل المجلس النيابي لمصلحة تعليق المهل الخاصة بتقديم طلبات الترشيح حتى شهر أيار المقبل، في محاولة لفرملة تحويل قانون الستين إلى أمر واقع، ولشراء المزيد من الوقت من أجل الوصول إلى توافق على قانون جديد. الأمر الذي استدعى ردود فعل قوية من جنبلاط لا سيما في وجه تيار المستقبل الذي اعتبر أنه انقلب على ما أسماه شبه الاتفاق معه حول رفض هذا التصويت.

- الجو العام الايجابي المتنامي حول تأييد قانون مختلط مع بقاء الخلاف حول نسبه، وحول كيفية توزيع بعض المحافظات والأقضية.

أضف إلى ما تقدم استمرار العمل بالحرص على الاستقرار السياسي داخلياً.

خلاصة القول، يبدو أن مسار تأليف الحكومة ووجهته سيكون عالقاً بين حدي قانون الستين، والتوافق على قانون جديد للانتخابات، وغيره من الاحتمالات:

الأول: التوافق على قانون جديد.

الثاني: فتح الباب مجدداً أمام القانون الأرثوذكسي في ظل مهلة الشهر الممنوحة من قبل اجتماع بكركي الأخير.

الثالث: الذهاب إلى الانتخابات وفق قانون عام 2000 المعروف بقانون غازي كنعان في حال عدم التوافق على قانون جديد واستناداً إلى مبدأ اللافراغ.

والرابع: التمديد للمجلس الحالي.


 
2013-04-12