ارشيف من :آراء وتحليلات

انفجار ’الفوضى البناءة’ في بوسطن.. بضاعة اميركية

انفجار ’الفوضى البناءة’ في بوسطن.. بضاعة اميركية
تقع يوميا الانفجارات في سوريا والعراق وفلسطين والسودان وباكستان ونيجيريا وغيرها، بالاضافة الى عمليات الطائرات بدون طيار الاميركية التي تقذف الصواريخ الذكية لقتل "المشتبه بهم" بدون "وجع راس" الاتهام والمحاكم والاحكام. وكل ذلك يندرج تحت عنوان "الحرب الصليبية على الارهاب" التي سبق وأعلنها جورج بوش الابن غداة 11 ايلول 2001 وتحت عنوان "الفوضى البناءة" التي اعلنتها في حينه وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس.

ويبدو أن تساقط القتلى والجرحى بالمئات يوميا من "الغوييم" لم يعد يثير الاهتمام الكافي لا لدى الرأي العام، الذي أدمن على جرعات العنف، ولا لدى مؤسسات ما يسمى "الشرعية الدولية"، التي تمتد خيوطها كلها الى الدوائر المخابراتية الأميركية، بدءا من طيّبة الذكر "جامعة الدول العربية"، مرورا بمنظمة "مؤتمر الدول الاسلامية"، وصولا الى منظمة الامم المتحدة برئاسة بان كي مون الموظف "السري" الصغير في الخارجية الاميركية.

ولكن يبدو أن "المشهد الارهابي" الذي أطلقته أميركا ضد شعوب بأسرها، بدأ يمد رقعة مسرحه لتشمل الساحة الأميركية ذاتها. وهذا ما اهتزت له وسائل الاعلام العالمية كلها، التي لم تهدأ بعد. ومع أن بعض المراقبين لم يتوانوا عن القول ان "السحر بدأ ينقلب على الساحر"، فقد تسابق جميع الرؤساء وجميع الحكومات والهيئات الدولية المعنية لتعزية أوباما والحكومة والكونغرس والشعب الاميركي جميعا بمناسبة وقوع الضحايا في إنفجار ماراتون بوسطن في اميركا.
انفجار ’الفوضى البناءة’ في بوسطن.. بضاعة اميركية
انفجار بوسطن المزدوج

وقد عقدت الـFBI الشهيرة مؤتمراً صحافيا لتبرر عجزها ولتطمئن العالم "الديمقراطي" اجمع انه ليست هناك دلائل على وجود تهديدات جديدة في بوسطن. وربما نسيت الـ FBI ان بوسطن ليست كل اميركا. وان الذي ضرب البارحة في بوسطن يمكن ان يضرب غدا في غيرها من المدن الاميركية المكتظة!.

وكان قد وقع انفجاران في ماراتون مدينة بوسطن، بالرغم من جميع التدابير الأمنية الاحترازية المشددة التي كان يشارك فيها عشرات الالاف من رجال الشرطة الراجلة والسيارة والخيالة والعملاء السريين وطائرات الهيليكوبتر وآلات التصوير الاحترافية وحتى الاقمار الصناعية. ومع ذلك تمكن "الارهابيون" من وضع العبوتين الناسفتين في طنجرتي ضغط في طريق الماراتون. وقد وقع ثلاثة قتلى بينهم طفل في الثامنة من العمر وطالبة صينية، و170 جريحا. وكانت جراح 70 منهم بليغة. وقال احد الاطباء لـ"بي بي سي" ان الشظايا التي اصيب بها الجرحى كلها من المتفجرات، وإن بعضهم اصيب بـ40 جرحا وإنه جرت بعض عمليات بتر الاطراف. ودب الهلع ليس في بوسطن وحدها بل في جميع انحاء اميركا ولا سيما في الدوائر الرسمية الاميركية وعلى رأسها البيت الابيض.

وقالت الـ FBI في مؤتمرها الصحافي "سنذهب الى آخر العالم حتى نحدد هوية الفاعل او الفاعلين، المسؤولين عن هذه الجريمة الحقيرة. وسنفعل كل ما هو ممكن لتقديمهم للعدالة"! وعلق بعض الخبراء على هذه الاقوال بأن "الـ FBI ليست بحاجة للذهاب الى آخر العالم، بل عليها التفتيش "داخل البيت"، لأن الفاعل أو الفاعلين هم تماما من أهل البيت" ذلك أن التدابير الأمنية المشددة كانت تخضع للتفتيش الدقيق كل شخص ذي سحنة سمراء او شرق أوسطية او شرق اقصوية او افريقية، وكان رجال الشرطة الرسميون والسريون ينقضون كالذئاب على كل عابر سبيل اسمر او اصفر او زنجي او يلبس هنداما فقيرا، تظهر صورته على اجهزة المراقبة التلفزيونية المبثوثة في كل السطوح والزوايا والطرقات والساحات. ان رجال الـ FBI الاذكياء ينسون، وهم مرتبكون وفي عجلة من امرهم، ان اميركا هي ايضا جزء من العالم وينطبق وسينطبق عليها ما ينطبق على كل العالم. وللتخفيف من وقع الحدث قال حاكم ولاية ماساشوتز ديفال باتريك "من المهم التأكيد انه قد اكتشفت اثنتين، فقط اثنتين من المتفجرات". ونفى ان تكون اكتشفت عبوات اخرى لم تنفجر.

ويذكر انه اثناء الفوضى التي أعقبت الانفجارين اندلع ايضا حريق في مكتبة "جون كنيدي" (حيث يوجد ارشيف الرئيس الاسبق) ولكن في المساء اعلن رئيس شرطة بوسطن إد دايفيس ان هذا الحادث ليس مرتبطا بالانفجارين.

انفجار ’الفوضى البناءة’ في بوسطن.. بضاعة اميركية

وقد عزلت منطقة الانفجارين، ودعي السكان إلى التزام الحذر الشديد، ودعي السياح لعدم الخروج من الفنادق. ولوقت ما تم تعطيل اجهزة التلفونات المحمولة للحؤول دون التفجير عن بعد لعبوات اخرى محتملة. واعلنت حالة التأهب في نيويورك وغيرها الكثير من المدن الاميركية الاخرى. ويتوقع ان يتم تشديد المراقبة اكثر فأكثر في الماراتون القادم في لندن. وأعلن حاكم ماساتشوسيتز ديفال باتريك انه يمكن البدء بتفتيش الشنط والحقائب في مترو بوسطن.

هذا ويجري ماراتون بوسطن التقليدي بمناسبة ذكرى احدى معارك "حرب الاستقلال" سنة 1775، وكان يشارك فيه هذه السنة 26 الف عدّاء محترف وهاوٍ. وقد اختار "الارهابيون" موقع الانفجار في اخر خط النهاية حيث التجمع اكبر، وذلك لايقاع اكبر عدد من الاصابات وللفت انظار اكبر لوسائل الاعلام والرأي العام. واوضحت التحقيقات ان المتفجرات هي مركبة بشكل بسيط مثلما يمكن ايجادها في صفحات الانترنت في برنامج "اعمل انت قنبلة". وتبحث الشرطة عن مشبوه ذي لون داكن ولكنة اجنبية كان قد وصل الى المكان قبل خمس دقائق من الانفجار وحاول الدخول الى المنطقة المحظورة وحينما منعته الشرطة ابتعد بسرعة.

وحتى الان لم تعلن اي منظمة مسؤوليتها عن الحادث. كما ان السلطات لم تعلن عن حدوث تهديدات قبل الانفجار.

وبعد وقوع الانفجار اعلن الرئيس باراك اوباما ان المسؤولين عنه سيتم كشفهم ومعاقبتهم. ومع ان بوليس بوسطن اعلن ان الانفجار هو عمل "ارهابي"، فإن الرئيس اوباما تجنب ذكر عبارة "ارهاب" او "هجوم ارهابي" ما يغذي شتى التأويلات السياسية. فحينما تذكر كلمة "ارهاب" فإن الاميركيين يفكرون عادة في مجموعات أجنبية او في مواطنين اميركيين واقعين تحت تأثير مجموعات اجنبية. ولكنه في هذه الحالة توجد شكوك حول وجود عملية ارهابية "محلية". ويذكر انه في الاسابيع الاخيرة قامت مجموعة "الاخوة الآرية" باغتيال عدد من الاشخاص في تكساس وكولورادو ما لفت اهتمام الرأي العام الى مشكلة اليمين المتطرف في اميركا. ويصادف في هذا الوقت ذكرى الاحداث الارهابية لليمين في اوكلاهوما سيتي وواكو، في ولاية تكساس. كما ان الخامس عشر من نيسان هو اليوم الاخير لتقديم الكشوفات الضرائبية، ومدينة بوسطن هي المدينة التي بدأت فيها سنة 1773 الانتفاضة ضد ضرائب الامبراطورية البريطانية حينذاك، وهي الانتفاضة التي ادت الى اندلاع حرب الاستقلال عن بريطانيا.
انفجار ’الفوضى البناءة’ في بوسطن.. بضاعة اميركية
اوباما:لم نتوصل لمعرفة الفاعل

وفي تصريحه الثاني عن الحادث يوم الثلاثاء قال أوباما انه حتى الان لم يتوصل التحقيق الى اي شيء ملموس حول الفاعلين.

وجاء في التحقيقات الاولية ان العبوتين كانتا موضوعتين في طنجرتي ضغط ومخبأتين في أكياس سوداء تركت في المكان. وكان في داخل الطنجرتين قطع معدنية صغيرة ومسامير وطلقات. ولكنه لم يتم التأكد فورا من نوعية الصواعق. وادعى خبراء التحقيق ان هذا النوع من المتفجرات هو مستخدم من قبل عملاء "القاعدة" في جميع انحاء العالم. ولكن البساطة التي صنعت بها العبوات تجعل من الصعب التكهن فيما اذا كان صانعوها هم ارهابيين دوليين او متطرفين محليين او مجرد مواطنين مستائين، كما يقول الخبراء. وقد ذهب اوباما الى بوسطن لحضور قداس تذكاري لروح ضحايا الانفجار جرى في كاتدرائية الصليب المقدس.

وقالت وكالات الانباء ان هذا الانفجار هو الاول من نوعه في الولايات المتحدة الاميركية بعد احداث 11 ايلول 2001.

وقد وصف وزير الدفاع الاميركي شاك هاغل الانفجار بأنه عمل ارهابي فظيع. وأكد ان التحقيق سيكشف ما اذا كان الانفجار هو من عمل اجانب او اميركيين. اما وزيرة الامن الداخلي جانيت نابوليتانو فأكدت انه ليس هناك من دلائل ان الانفجار هو جزء من مؤامرة اكبر. ودعت الاميركيين كي يكونوا اكثر حذرا وان يبلغوا عن اي نشاطات مشبوهة.

ومن جهة ثانية أذاعت وسائل الاعلام ان السناتور الأميركي روجر ويكر تلقى مغلف رسالة موجهاً اليه وبضمنه مادة سامة. والرسالة مرسلة من مدينة ممفيس، ولاية تينيسي، وليس عليها اسم المرسل. ولم يثر شكل الغلاف الشكوك، ولكن السم اكتشف لدى التفتيش العادي.

وفي احد المخازن في مدينة اتلانتا انفجر طرد في احد العاملين في المخزن وادى الى نقله الى المستشفى والى اندلاع حريق في المخزن.

انفجار ’الفوضى البناءة’ في بوسطن.. بضاعة اميركية

ويتساءل بعض المراقبين هل ما حدث هو بداية موجة "ارهابية" في الولايات المتحدة الاميركية. واذا كان ذلك صحيحا فمن يقف خلف هذا الانفجار او خلف هذه الموجة المحتملة؟

ان الشكوك التي يعمل عليها التحقيق هي كثيرة، وتتراوح بين عمل مواطنين مستائين، والمزاحمة بين مافيات المضاربة على الالعاب الرياضية او بين متعهدي الالعاب الرياضية انفسهم، واليمين الاميركي، وصولا الى "القاعدة".

ولا بد من التوقف قليلا عند الاحتمال الاخير: اذا تأكد ان "القاعدة" واخواتها هي التي تقف خلف هذا الانفجار فهذا يدل، اولا، على الفشل الذريع لكل السياسة الاميركية حول مكافحة الارهاب وحماية المجتمع الاميركي من الارهاب. ويدل، ثانيا، على الخلاف المستميت بين "جحا وأهل بيته"، اي الخلاف بين اميركا وحلفائها. فمعلوم ان اميركا و(حلفاءها) الخليجونفطيين (السعودية وقطر وغيرهما) يدعمون تماما بالمال والسلاح المعارضة "الجهادية" في سوريا: "القاعدة" وربيبتها "جبهة النصرة" وغيرها. ولكن الادارة الاميركية التي تكيل بألف مكيال تدعي في الاعلام الرسمي انها تدين "القاعدة" و"جبهة النصرة" بأنهما منظمتان ارهابيتان. اي ان اميركا تريد ان يحرق غيرها اصابعه بالنار وأن تقطف هي الثمار. وليس من المستبعد في هذه الحالة ان تعمد "القاعدة" وأخواتها للانتقام " لشرفها!" من سياسة العهر الاميركية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2013-04-19