ارشيف من :آراء وتحليلات
أبعد من قانون الانتخابات: أزمة حكومة وحكم
المعركة السياسية الدائرة حول قانون الانتخابات في الوقت الإقليمي الضائع، وفي ظل ازمة حكومة وحكم، ما زالت تراوح وتتوالى فصولا وتتسبب في خلط الاوراق السياسية وتغذية التوترات الامنية وفي إعادة ترتيب الأولويات... وأبرز ما يمكن تسجيله في سياق السجال المحتدم:
1- رغم استقالة الحكومة، ما زال موضوع قانون الانتخابات بندا أولَ على جدول أعمال المرحلة الفاصلة عن الانتخابات. وھذا يعكس مدى أھمية قانون الانتخاب في تحديد المعادلة السياسية وإعادة إنتاج السلطة وتحوله الى مادة استقطاب واستنفار لدى مختلف الأطراف: حزب لله وللمرة الأولى منذ سنتين يشعر بأن الحملات والضغوط عليه الآن في أدنى مستوياتھا... أما الطرف الأكثر إحراجا فھو تيار المستقبل الذي باغتته عشية الانتخابات مشكلة جديدة مع حلفائه المسيحيين في 14 آذار من جراء التباين التام في موضوع قانون الانتخابات ( المشروع الأرثوذكسي وقانون الـ 60)، خصوصا بعدما وضع الحليف المسيحي "كرة القانون" في ملعب المستقبل وربط بين تراجعه عن "الأرثوذكسي" وإيجاد البديل، وحمّل "المستقبل" مسؤولية إيجاد ھذا البديل.
2- أحدث قانون الانتخابات تغييرا في طبيعة الانقسام والمواجھة في البلد. فعلى امتداد السنوات الماضية، خضع الوضع لانقسام سياسي عمودي وثنائية 8 و 14 آذار. وفي حين انحسرت كليا الثنائية المسيحية ـ الإسلامية في حركة الصراع السياسي، برزت الثنائية السنية ـ الشيعية، ولكن من ضمن ثنائية 8 و14 آذار... اليوم تعود الثنائية المسيحية ـ الإسلامية الى البروز مجددا، وھذا ما يقود من جھة الى ھز دعائم 14 آذار وأواصر التحالف السياسي بين مكوناتھا الأساسية، ومن جھة ثانية الى تقريب المسافة الفاصلة بين المستقبل والثنائي الشيعي، على أنّ الخطوة الأولى ستكون عبر "قناة التواصل" المستحدثة بين بري والسنيورة، وعبر تشكيل الحكومة الجديدة، وخاصة أن تكليف الرئيس تمام سلام شكل صدمة ايجابية بين الطرفين يمكن تعزيزها اذا نجحت مساعي تشكيل حكومة توافق سياسية.
3- النقاش حول موضوع قانون الانتخابات داخل اجتماعات اللجنة الفرعية وخارجھا، تشعب وذھب الى مسائل أبعد من النظام الانتخابي ولھا علاقة بالنظام السياسي، عندما تطرح مسائل مثل مجلس الشيوخ واللامركزية الإدارية وإلغاء الطائفية السياسية. وحتى المشروع الأرثوذكسي في حد ذاته فإنه لا يقدم صيغة انتخابية فقط، وإنما وصفة لنظام سياسي جديد.. .ھذه التبدلات السياسية التي أحدثھا أو كشفھا قانون الانتخابات تعني أمرين أساسيين:
الأول: أن قانون الانتخابات ھو جزء أساسي من "أزمة نظام" لا تُحل عبر لجان فرعية وھيئة عامة، وإنما تحتاج الى "مؤتمر وطني" أو ما يعتبره البعض مؤتمرا تأسيسيا... وھذا يعيد طرح أھمية استئناف الحوار الوطني...
الثاني: أن إجراء الانتخابات في موعدھا لا يتوقف فقط على قانون الانتخابات والتوافق عليه على أھمية ھذا التوافق وحصوله. فالأزمة التي انكشفت على حقيقتھا وعمقھا تحمل على الاعتقاد أن المطلوب بات تفاھما سياسيا على مرحلة ما بعد الانتخابات. إذا حدثت ھذه التسوية يكون قانون الانتخابات جزءا منھا ويصبح التفاھم عليه سھلا.
4- في رأي مصدر سياسي "أن كل ما يدور من سجال حول قانون الانتخابات لجھة طبيعة ھذا النظام وشكل الدوائر الانتخابية، ھو بمثابة ملء للفراغ في الوقت الضائع والمستقطع لحين إتمام الصفقة السياسية الشاملة التي لن تحصل من دون عودة التواصل الجدي والعملي بين "المستقبل" من جھة وحزب لله وحركة "أمل" من جھة ثانية لكسر حدة الاصطفاف القائم حالياً ولإخراج البلاد من دوامة الجمود السياسي"...
5 - دفع التباين الحاد بين صفوف قوى 14 آذار الى ازمة تحالف وثقة في ظل السجال بين الفرقاء السياسيين وداخل الصف المسيحي، بين "موارنة الأرثوذكسي" أي الكتائب والقوات، وبين فريق المستقلين في المقابل الذي لا يزال يبحث عن صيغة أفضل ممكن اعتمادھا، ويضع موقفي القوات والكتائب في خانة زعزعة التحالفات الوطنية في مرحلة غير مناسبة. كما إن الخلافات تمددت لتصل الى القوات والكتائب، ما دفع البعض الى التفكير بمخارج لانقاذ 14 اذار من التصدع اكثر عبر السعي إلى مؤتمر عام تأسيسي وحركة سياسية ومدنية لصوغ رؤية جديدة تعالج التباين الحاصل في مقاربة قانون الانتخاب، قبل ان تدفع الازمة الى تفرق العشاق.
6- على الرغم من تأكيدات دولية تجزم بحصول الانتخابات، أشارت معلومات إلى أن مصيرھا مرتبط بالازمة السورية، أو بتأجيلھا تحت عناوين تقنية، فلبنان لم يكن يوماً مفصولاً عن محيطه ولن يكون اليوم.
وفي ھذا المجال، يدرك الوسط السياسي المحلي والدولي أن الوضع اللبناني إذا بقي على حاله، فإن الانتخابات النيابية لن تجري في موعدھا حتما. وينقل عن سفراء أوروبيين قولھم إن أي حجة لا تبرر تأجيل الانتخابات، ولا يمكنھم الموافقة على أي ذريعة بذلك، وبأن الانتخابات لا قانون الانتخاب ھي الھدف. ويرفضون التخيير بين إجراء الانتخابات أو الاستقرار، ويطرحون معادلة معاكسة تطلب الانتخابات والاستقرار معا.
من هنا كانت تسمية الرئيس سلام كمحاولة لتشكيل حكومة استقرار وانتخابات، وإلا فراغ حكومي وأزمة مفتوحة على المجهول.