ارشيف من :آراء وتحليلات

ارتفاع موجة المعارضة للإجراءات التقشفية في أوروبا

ارتفاع موجة المعارضة للإجراءات التقشفية في أوروبا

أمام صمت ألمانيا التي تتمسك بسياسة الانضباط المالي، بدأ السياسيون ورجال الاقتصاد في منطقة اليورو يحضّرون للتخفيف من الإجراءات الصارمة لمواجهة الأزمة التي تقوم على تخفيض النفقات وزيادة الضرائب.

ان المعسكر المعادي لهذه السياسة أخذ يرفع صوته أكثر فأكثر بعد انهيار الاستهلاك، وانخفاض مداخيل الميزانيات، وانفجار البطالة وفقدان الآفاق للمستقبل المنظور بأن يتم التوصل الى بعض النمو الاقتصادي الملحوظ، حسبما تعلق جريدة Financial Times.


وقد عالجت هذا الموضوع أيضا كذلك عدة مطبوعات اقتصادية، وعدة وكالات اخبارية مثل رويترز. والسبب المباشر لكي يبدأ الحديث عن هذا التبدل هو الاعتذار الذي قدمه الاقتصاديان المعروفان في جامعة هارفرد كينيت روغوف وكارمن راينهارت عن الخطأ المنهجي الذي اكتشف مؤخراً في كتابهما المتعلق بالأزمة الاقتصادية وذي الشعبية في أوساط "الصقور الماليين". وفي هذا الكتاب يؤكد المؤلفان انه حينما يتجاوز دين الدولة 90% من الناتج المحلي القائم، فإن الاقتصاد ينكمش بشدة. وقد تبين ان المؤلفين الاقتصاديين المشهورين قد اختارا بطريقة انتقائية مؤشرات تبرهن على صحة اطروحتهما.

ارتفاع موجة المعارضة للإجراءات التقشفية في أوروبا

وكان المفوض الأوروبي أولي رين غالبا ما يستشهد باستنتاجاتهما، ولكنه الآن يقول ان اقواله كانت "توضيحية، ونحن لا نحدد سياستنا على قاعدة بعض الأبحاث الاكاديمية المحددة". وهذا الشخص الذي يتعلق به موضوع هل البلدان الواقعة في ازمات ضمن منطقة اليورو ستحصل على آلية مخففة لإعادة الانهاض وللحصول على قروض مساعدة، يوضح الآن ان الاستنتاجات تبنى على أساس الكثير من الابحاث، كما وعلى التحاليل الخاصة. وأولي رين يتمسك الآن بأن لا يتم تطبيق نهج إلزامي للبلدان المأزومة، وأن تتلقى هذه البلدان علاوات طبقا لممارساتها.

استحالة تطبيق قاعدة عجز 3% فقط

لقد حصلت حتى الآن ست دول على تأجيل موعد التوصل الى تطبيق المتطلبات الصارمة للاتحاد الأوروبي حول عجز الميزانية، ولم يواجه ذلك بأية معارضة تقريبا من برلين. وقد فاجأ ذلك الكثير من المحللين، الذين فسروه على أنه يدل على صعود موقت للمعسكر الذي يصر على اعتماد سياسة الإنفاق الأكبر في ظروف الأزمة.

وليس بدون مساعدة صندوق النقد الدولي، الذي يصر على أوروبا ان ترخي قليلا الأنشوطة، حصلت اليونان على تأجيل جديد لمدة سنتين للتوصل الى تخفيض عجز ميزانيتها ما دون 3% من الناتج المحلي القائم، أما البرتغال فقد سمح لها بخرق القاعدة للسنة الثانية على التوالي. ومن المتوقع أن يحصل الشيء ذاته بالنسبة لاسبانيا في شهر ايار/مايو . اما ايطاليا فيسمح لها ان تنفق 40 مليار يورو اضافية كقروض للشركات منفذة الطلبيات، بالرغم من ان هذا سيزيد عجز الميزانية عن نسبة حاجز الـ 3%. ان هذه المشكلات يتم التغلب عليها ليس فقط في البلدان الأطراف في منطقة اليورو بل وفي البلدان الرئيسية في المنطقة ايضا، مثل فرنسا وهولندا اللتين اعلنتا انهما لن تلتزما في هذه السنة بنسبة الـ3% المختلف عليها.

ارتفاع موجة المعارضة للإجراءات التقشفية في أوروبا

وكل ذلك يستفز البنك المركزي الالماني "بوندسبنك". إلا انه يتم تقبله من قبل الحكومة الالمانية كما تؤكد Financial Times. ولكن بعد الانتخابات التي ستجري في ايلول/سبتمبر المقبل فإن الحكومة الالمانية الحالية تستعد كي تكون غير متساهلة في سنة 2014. وتقول المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل انها تريد ان ترى برامج وإجراءات مضادة للأزمة، من شأنها ان تعطي نتائج في السنة القادمة. اما وزير المالية الالماني فولفغانغ شويبلي، وكما يقول المقربون منه، فإنه لن يغامر بخوض معركة مع باريس ما دامت منطقة اليورو هشة اقتصاديا.

الكبار يواصلون شد الجميع الى اسفل

وحسب تحليل لوكالة "رويترز" فإن السياسيين ورجال الاقتصاد هم محرجون جدا، لانه بعد ثلاث سنوات من ازمة الركود العالمية فإن الفعالية الاقتصادية لا تزال بطيئة جدا بالرغم من استهلاك الافكار والاموال من أجل اعادة تنشيط النمو. فالولايات المتحدة الاميركية لا تزال تنوء تحت جبال من الديون، بما في ذلك ديون الاقتصاد الأسري، اما منطقة اليورو فتنتقل من ازمة الى ازمة. وحتى الدول "المتفوقة" مثل الصين والبرازيل بدأت تفقد الايقاع السابق. ففي سنة 2012 سجل الاقتصاد الصيني ادنى مستوى نمو منذ سنة 1999. اما البرازيل فقد توقفت تقريبا عن النمو، وتفاقم فيها خطر التضخم.

ان البنوك المركزية عمدت عدة مرات الى الاستفادة من تخفيض الفائدة، فأغرقت الاسواق بالسيولة، واشترت السندات المنخفضة القيمة، ولكن الاوضاع استقرت عند مستوى متدنّ، اكثر مما عادت الى حالة طبيعية.

ان صندوق النقد الدولي الذي خفض مؤخراً توقعاته حول الاقتصاد العالمي، هو في حالة خيبة أمل خاصة من منطقة اليورو، حيث يتوقع لها سنة ثانية من الركود. "ما دام ان اوروبا لا تعمل بشكل موحد، وما دام أننا لا نرى براعم النمو، كالتي بدأت تظهر في الولايات المتحدة الأميركية، وما دام أن اليابان لم تنه المهمة الصعبة بايقاف خفض قيمة العملة والعودة على الاقل الى تضخم بنسبة 2%، كيف يمكن للاقتصادات النامية ان تتوصل الى تحقيق نمو عال". هذا هو السؤال الذي طرحه وزير المالية الهندي ب. شيدامباران خلال اللقاء الاخير بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.









2013-04-29