ارشيف من :آراء وتحليلات
دعوة ’اسرائيل’ للتدخل العسكري في سوريا- (الجزء الأول)
تختلف
تقديرات المتابعين والمراقبين لحقيقة الموقف الاسرائيلي من الحرب الدائرة
في سوريا، باختلاف مواقعهم. يؤكد مؤيدو النظام على وجود مصلحة لدى تل ابيب،
بل مصلحة استراتيجية لا تكتيكية، في اسقاطه واضعافه. اقلام ومنظرو اعداء
سوريا والعاملون على اسقاط النظام فيها، يروجون من جهتهم لفرضية الموقف
الاسرائيلي الذي يمكنه ان يتعايش مع النظام، قياسا بالتهديدات التي يمكن ان
تتشكل في الساحة السورية، في حال اسقاطه.
تضارب القراءات والرؤى والكتابات على اختلافها، حيال موقف تل ابيب، بل والتضارب البعيد عن التوظيف السياسي والاعلامي، كان ممكنا ومتاحا وبارزا، في العامين الماضيين، بناءً على الموقف الذي اتخذته تل ابيب بشكل رسمي، والذي حاول منذ بدء الازمة في سوريا، ان يكون غامضا وضبابيا، ربطا بضبابية الموقف الميداني وإمكاناته، وامتناعها عن اطلاق مواقف تساعد النظام ضد اعدائه.
ويمكن تقسيم الموقف الاسرائيلي من الحرب في سوريا، بناءً على المراحل الزمنية التي مرت بها الازمة، وربطا بالمعطيات التي تخللتها والتقديرات التي سادت حولها.
ومع ان خلاصة الموقف الاسرائيلي كانت قد اعلنت بالفعل اخيرا، وبشكل واضح لا لبس فيه، ان مصلحة اسرائيل هي في اسقاط النظام، مهما كانت النتائج والاثمان، الا ان الاقلام التابعة لاعداء سوريا ما زالت على مواقفها.
يمكن في هذا الاطار، رصد اربع مراحل، اختلف اعلان الموقف الاسرائيلي خلالها، تبعا لظروف كل مرحلة وإمكاناتها.
مرحلة التمهيد للحرب العسكرية
امتدت المرحلة الاولى اشهرا، منذ بدء الازمة في اذار 2011. السمة الاساسية في هذه المرحلة، مبنية على ما قيل انه حراك شعبي سوري واحتجاجات مطلبية، في العديد من المدن والمناطق السورية، وصولا الى المطالبة باسقاط النظام وتغييره، عبر اجبار الرئيس السوري، بشار الاسد، على التنحي والرحيل، تماما كما حصل في تونس ومصر.
كانت المرحلة مرحلة اعداد للمراحل التي اعقبتها، في حال لم تؤت ثمارها. وقد حرصت اسرائيل في هذه المرحلة على عدم اصدار مواقف وتصريحات. بل كشف الاعلام العبري ان رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اصدر تعليماته الى وزرائه والمسؤولين الاسرائيليين، السياسيين والعسكريين، بضرورة الامتناع عن التصريح بما خص الشأن السوري، والابقاء على ما تريده وتأمله وتخطط له تل ابيب، طي الكتمان.
من هنا، غلب على المقاربة الاسرائيلية للساحة السورية، اطلاق التحليلات والتقديرات، حول ما يجري فيها، ومصير النظام ورئيسه. التعليقات الاسرائيلية كانت توصيفية بأغلبها. صمت الجميع، حيال المصلحة الاسرائيلية مما يجري، وأي من السيناريوهات يصب في الصالح الاسرائيلي.
دعوة "اسرائيل" للتدخل العسكري في سوريا
تضارب القراءات والرؤى والكتابات على اختلافها، حيال موقف تل ابيب، بل والتضارب البعيد عن التوظيف السياسي والاعلامي، كان ممكنا ومتاحا وبارزا، في العامين الماضيين، بناءً على الموقف الذي اتخذته تل ابيب بشكل رسمي، والذي حاول منذ بدء الازمة في سوريا، ان يكون غامضا وضبابيا، ربطا بضبابية الموقف الميداني وإمكاناته، وامتناعها عن اطلاق مواقف تساعد النظام ضد اعدائه.
ويمكن تقسيم الموقف الاسرائيلي من الحرب في سوريا، بناءً على المراحل الزمنية التي مرت بها الازمة، وربطا بالمعطيات التي تخللتها والتقديرات التي سادت حولها.
ومع ان خلاصة الموقف الاسرائيلي كانت قد اعلنت بالفعل اخيرا، وبشكل واضح لا لبس فيه، ان مصلحة اسرائيل هي في اسقاط النظام، مهما كانت النتائج والاثمان، الا ان الاقلام التابعة لاعداء سوريا ما زالت على مواقفها.
يمكن في هذا الاطار، رصد اربع مراحل، اختلف اعلان الموقف الاسرائيلي خلالها، تبعا لظروف كل مرحلة وإمكاناتها.
مرحلة التمهيد للحرب العسكرية
امتدت المرحلة الاولى اشهرا، منذ بدء الازمة في اذار 2011. السمة الاساسية في هذه المرحلة، مبنية على ما قيل انه حراك شعبي سوري واحتجاجات مطلبية، في العديد من المدن والمناطق السورية، وصولا الى المطالبة باسقاط النظام وتغييره، عبر اجبار الرئيس السوري، بشار الاسد، على التنحي والرحيل، تماما كما حصل في تونس ومصر.
كانت المرحلة مرحلة اعداد للمراحل التي اعقبتها، في حال لم تؤت ثمارها. وقد حرصت اسرائيل في هذه المرحلة على عدم اصدار مواقف وتصريحات. بل كشف الاعلام العبري ان رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اصدر تعليماته الى وزرائه والمسؤولين الاسرائيليين، السياسيين والعسكريين، بضرورة الامتناع عن التصريح بما خص الشأن السوري، والابقاء على ما تريده وتأمله وتخطط له تل ابيب، طي الكتمان.
من هنا، غلب على المقاربة الاسرائيلية للساحة السورية، اطلاق التحليلات والتقديرات، حول ما يجري فيها، ومصير النظام ورئيسه. التعليقات الاسرائيلية كانت توصيفية بأغلبها. صمت الجميع، حيال المصلحة الاسرائيلية مما يجري، وأي من السيناريوهات يصب في الصالح الاسرائيلي.
دعوة "اسرائيل" للتدخل العسكري في سوريا
كانت الرواية والتعليقات شبه موحدة. المسؤولون والمحللون والخبراء والمراسلون والمعلقون ومراكز الابحاث والدراسات على اختلافها ومستوياتها، اتفقت على حقيقة ورواية واحدة: سيسقط النظام السوري لا محالة. وتحول الامل باسقاط النظام الى حقيقة واقعة. لكن الخلاف الذي دار بين الاسرائيليين، ارتبط بتحديد موعد السقوط. تبارى الجميع والكل ادلى بدلوه، ومن بينهم الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، التي توقعت اشهرا لسقوط النظام في البداية، كي تعود لتحدد اسابيع فقط.
لكن ما هو في مصلحة اسرائيل مما يجري في سوريا، في هذه المرحلة، فبقي طي الكتمان والصمت، رغم صدور بعض التحليلات وتسريب بعض المواقف، التي جاءت متعارضة وغير واضحة، وكما غيرها، غلب عليها الوصف والتحليل.
بدأت المرحلة الثانية مع تحول الاحتجاجات في الشارع الى صراع عسكري، اججه ونمّاه تدخل عرب الغرب وتركيا، تسليحا وتمويلا وتدريبا وتوجيها، للمعارضات المسلحة على اختلافها في الساحة السورية. وجاءت المقاربة الاسرائيلية في هذه المرحلة، شبيهة الى حد كبير بالمرحلة التي سبقتها، لكن مع تأكيدات اكثر وقطعية اكثر، بما خص سقوط النظام.
في هذه المرحلة، بدأت تظهر الى العلن جملة من المواقف، ومن بينها مواقف صدرت عن وزير الحرب في حينه، ايهود باراك، الذي طالب الاسرائيليين بعدم القلق حيال اليوم الذي يلي سقوط النظام المحتم، حسب ما كان يؤكد عليه.
كان الامل الاسرائيلي واضحا في هذه المرحلة، بناءً على تقدير خاطئ لقدرة المعارضة المسلحة وانتشارها في اكثر من مكان وبقعة جغرافية في الاقليم السوري.. ومع تطور الاحداث وتكشف تواضع قدرات المعارضين، وترسخ الوضع الميداني ضمن ستاتيكو محفوظة فيه للطرفين مواقعهما، كان من الممكن تلمس القلق في التحليلات والمواقف الاسرائيلية، حيال مآلات الاحداث والصراع المسلح، الذي وصل الى حائط مسدود.
مع ذلك، كان الامل الاسرائيلي كبيرا، ويجري التعبير عنه، من خلال التعليقات والمواقف، التي شددت، رغم كل الجمود الميداني، على حتمية سقوط النظام. وبدا ان الرؤية الاسرائيلية كانت تنتظر تحركات ما، شعبية تتبعها تحركات عسكرية، في المدن الرئيسية الكبرى، وتحديدا في مدينتي حلب وحماه، وايضا في العاصمة السورية دمشق، كما كان بالامكان تلمس انتظار الاسرائيليين لعمل امني نوعي، يؤدي الى تخلخل المؤسسة السورية الرسمية، وتمكين المعارضين من تحقيق النصر.
وبحسب ما رشح في حينه عن الاستخبارات الاسرائيلية، فانها قدرت موعد سقوط النظام، ربطا بخسارته للمدن الكبرى، او عدد منها، وايضا بنجاح العمليات الامنية التي اقدمت عليها المعارضة المسلحة، ومن يقف خلفها، ضد القيادات الامنية والعسكرية، وصولا الى استهداف الاركان العسكرية نفسها.
ايضا في هذه المرحلة، برزت جملة من المواقف، كسرت الى حد ما جدار الصمت الرسمي، الذي حاولت إسرائيل اعتماده تجاه الأحداث في سوريا طوال الاشهر التي سبقت ذلك. الامر الذي اشار في حينه الى يقين لدى تل ابيب، بأن المخططات الموضوعة ستثمر نتائج طيبة، وقد صدر العديد من التصريحات الدالة على ذلك من قبل المسؤولين الإسرائيليين، وخاصة ما جاء على لسان وزير الحرب في حينه، إيهود باراك، وفي مناسبات عدة، ومن بينها تصريح واضح الدلالة في التعبير عن التقدير والموقف الرسميين لإسرائيل.
أعرب باراك عن اعتقاده بأن «نهاية الأسد ستكون مماثلة لنهاية الزعيم الليبي معمر القذافي»، لافتاً إلى أن «تركيا تطلق تحذيرات واضحة بهذا الشأن للنظام في سوريا، في موازاة إقدام دول عربية على سحب سفرائها من دمشق"، في اشارة منه الى التقديرات التي باتت سائدة في اكثر من جهة ومكان في الاقليم، والتي تشير بشكل واضح الى ان المسألة انتهت، او كادت تنتهي.
وتحدث باراك عن مصلحة اسرائيل مما يجري في سوريا، مؤكدا عددا من التعليقات المحدودة في هذا الشأن، صدرت في الاعلام العبري في حينه، اذ قال ان «سقوط نظام الأسد يمثّل ضربة قاسية لمحور إيران وحزب الله وحماس». وحرص باراك على افهام الاسرائيليين، بأن اليوم الذي يلي سقوط النظام السوري، لن يكون مقلقا، لافتا إلى أن الوضع في سوريا يختلف عن الوضع المصري، إذ «هناك إمكانات ضئيلة في أن يسيطر الإخوان المسلمون على السلطة»، كاشفا عن تطمينات اميركية بهذا الشأن.
اذاً، في منتصف العام الماضي، وهي المدة التي اطل فيها باراك بشكل متكرر ليروج للرؤية والمصلحة الاسرائيلية حيال سوريا، اعلنت اسرائيل بشكل رسمي موقفها: اسقاط الاسد مصلحة اسرائيلية، ويمكن التعامل مع كل ما يثير الخشية مما سيأتي من بعده.
بالطبع لا يمكن القفز على تصريحات اطلقها باراك، الى حدود التكرار الممل، بأن الاسد سيسقط خلال اسابيع. بل وصل به الامر الى تحديد اسبوعين فقط، وهو المعطى الذي فهم في حينه انه مرتبط بالضربات الامنية التي طالت المؤسسات الاركانية العسكرية السورية، ومن بينها التفجيرات التي اودت بحياة عدد من القيادات العسكرية الاساسية في المؤسسة الرسمية.
اسابيع باراك لم تتحقق، ثم عاد الى الصمت، وامتنع عن تحديد مواعيد اخرى، رغم انه اصر على ان سقوط "عائلة الاسد" هو حقيقة واقعة، سواء تأخر ذلك ام لم يتأخر.
اصرار باراك على تقدير سقوط النظام، وتحديدا ما كان يردده: سقوط عائلة الاسد، كان مبنيا على ما يبدو، على معلومات يتشارك فيها مع الاميركيين والغرب عموما، ومبنيا على مصلحة الجميع، باسقاط النظام وسحب سوريا من المحور المقاوم، وعلمه بأن هناك خيارات عديدة متاحة لتحقيق هذا المطلب، ومن بينها خيارات لم يجر تفعيلها حتى حينه، وقد بان بعض من هذه الخيارات في مراحل لاحقة، وإن لم تحقق النتائج المرجوة منها.
برزت في هذه المرحلة تأكيدات صدرت عن الناطق بلسان نتنياهو نفسه، أيّد فيها مواقف باراك، اذ قال «في إسرائيل لا يأسفون على رحيل الأسد، بل يرون في ذلك خدمة للسلام والاستقرار في المنطقة، فضلاً عن أنه يوجّه ضربة قاسية إلى حلفاء سوريا الإقليميين، وهم بالطبع حماس وحزب الله وإيران، وأيضاً نجاحاً كبيراً لمعسكر السلام والاعتدال في الشرق الأوسط».
من هنا، يمكن القول ودون كثير من المجادلة، إن كلام باراك عبّر بوضوح وبشكل مباشر عن الموقف الإسرائيلي الرسمي، الذي يعتبر ان إسقاط النظام في سوريا مصلحة إسرائيلية، ربطا بأن السقوط، يعني اسقاطاً لحلقة اساسية في "محور الشر"، الممتد من طهران وصولاً الى لبنان وغزة، إما باتجاه إسقاط المحور نفسه، أو بإضعافه كثيراً.
مع ذلك، لم يصدر في هذه المرحلة، اي اشارة الى اليوم الذي يلي سقوط النظام، سوى ما صدر عن باراك نفسه، من ان الوضع في سوريا ليس كما هو الوضع في مصر، وان الاخوان المسلمين، لن يتسلموا السلطة، بتطمينات اميركية، ولم تكن المسألة مدار سجال او نقاش، جرى التعبير عنه في الاعلام العبري، رغم انه بطبيعة الحال، كانت موضوعة في صدارة النقاش على طاولة الاستخبارات وأصحاب القرار في تل ابيب..
معنى ذلك، انه جرى التركيز على الفرص الكامنة والمؤاتية لاسرائيل نتيجة لسقوط الرئيس الاسد، من دون وفرة في الحديث عن التهديدات، علما ان التهديد الذي كان معاينا في تلك المرحلة، لم يكن شبيها بالتهديدات التي برزت وتحققت لاحقا، وتحديدا غلبة الاتجاهات السلفية الجهادية، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على المعارضة المسلحة في سوريا.
يتبع ...