ارشيف من :آراء وتحليلات
دعوة ’اسرائيل’ للتدخل العسكري في سوريا - (الجزء الثاني)
تختلف
تقديرات المتابعين والمراقبين لحقيقة الموقف الاسرائيلي من الحرب الدائرة
في سوريا، باختلاف مواقعهم. يؤكد مؤيدو النظام على وجود مصلحة لدى تل ابيب،
بل مصلحة استراتيجية لا تكتيكية، في اسقاطه وإضعافه. اقلام ومنظرو اعداء
سوريا والعاملون على اسقاط النظام فيها، يروجون من جهتهم لفرضية الموقف
الاسرائيلي الذي يمكنه ان يتعايش مع النظام، قياسا بالتهديدات التي يمكن ان
تتشكل في الساحة السورية، في حال اسقاطه.
تضارب القراءات والرؤى والكتابات على اختلافها، حيال موقف تل ابيب، بل والتضارب البعيد عن التوظيف السياسي والاعلامي، كان ممكنا ومتاحا وبارزا، في العامين الماضيين، بناءً على الموقف الذي اتخذته تل ابيب بشكل رسمي، والذي حاول منذ بدء الازمة في سوريا، ان يكون غامضا وضبابيا، ربطا بضبابية الموقف الميداني وإمكاناته، وامتناعها عن اطلاق مواقف تساعد النظام ضد اعدائه.
ويمكن تقسيم الموقف الاسرائيلي من الحرب في سوريا، بناءً على المراحل الزمنية التي مرت بها الازمة، وربطا بالمعطيات التي تخللتها والتقديرات التي سادت حولها.
ومع ان خلاصة الموقف الاسرائيلي كانت قد اعلنت بالفعل اخيرا، وبشكل واضح لا لبس فيه، ان مصلحة اسرائيل هي في اسقاط النظام، مهما كانت النتائج والاثمان، الا ان الاقلام التابعة لاعداء سوريا ما زالت على مواقفها.
يمكن في هذا الاطار، رصد اربع مراحل، اختلف اعلان الموقف الاسرائيلي خلالها، تبعا لظروف كل مرحلة وإمكاناتها.
مرحلة التمهيد للحرب العسكرية
بدأت المرحلة الثالثة مع التأكد الميداني على صعوبة اسقاط النظام عسكريا، او الدفع باتجاه تنحي الاسد، من خلال الضغط العسكري. بدأت هذه المرحلة تحديدا، في اعقاب محاولة غزوة دمشق الاولى من بوابة المطار الدولي في العاصمة، في كانون الأول الماضي، وصمود القوات السورية النظامية امام هذه الهجمة، وردها الى اعقابها.
صمود النظام في دمشق تحديدا، كان دافعا لترقي سلّم الضغوط الغربية والعربية، والتدخل اكثر في الساحة الميدانية، باتجاه اسقاط النطام. وكانت اسرائيل في هذه المرحلة مواكبة لما يجري، بل شريكة فيه، ربطا بالنقاشات والمداولات التي كانت تجري تباعا في تلك الفترة، من خلال الزيارات المتبادلة بين تل ابيب وواشنطن، الى حدود تحول خبر الزيارات الى خبر اعتيادي يومي. وتبين من التصريحات التي كانت تصدر فيه حينه في تل ابيب، ان اسرائيل باتت تتلمس تهديدات تتشكل في الساحة السورية، توجب على كل الحلفاء العمل على الحؤول دونها، وتحديدا، تزايد المؤشرات على غلبة الاتجاهات السلفية في المعارضة المسلحة.
برز في هذه المرحلة، اذاً، خشية من اليوم الذي يلي، وضرورة العمل على منع سقوط النظام مؤسساتيا، على ان يُدفع الاسد دفعا للتنحي، بما يمكّن من مواجهة كل تهديد يعقبه.
امتدت هذه المرحل اشهرا ما بين اواخر عام 2012 والشهر الثالث من العام الحالي، وقد برزت فيها جملة من المعطيات، تشير الى الموقف الاسرائيلي مما يجري ميدانيا، وتبعا له، من الآتي. ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
تضارب القراءات والرؤى والكتابات على اختلافها، حيال موقف تل ابيب، بل والتضارب البعيد عن التوظيف السياسي والاعلامي، كان ممكنا ومتاحا وبارزا، في العامين الماضيين، بناءً على الموقف الذي اتخذته تل ابيب بشكل رسمي، والذي حاول منذ بدء الازمة في سوريا، ان يكون غامضا وضبابيا، ربطا بضبابية الموقف الميداني وإمكاناته، وامتناعها عن اطلاق مواقف تساعد النظام ضد اعدائه.
ويمكن تقسيم الموقف الاسرائيلي من الحرب في سوريا، بناءً على المراحل الزمنية التي مرت بها الازمة، وربطا بالمعطيات التي تخللتها والتقديرات التي سادت حولها.
ومع ان خلاصة الموقف الاسرائيلي كانت قد اعلنت بالفعل اخيرا، وبشكل واضح لا لبس فيه، ان مصلحة اسرائيل هي في اسقاط النظام، مهما كانت النتائج والاثمان، الا ان الاقلام التابعة لاعداء سوريا ما زالت على مواقفها.
يمكن في هذا الاطار، رصد اربع مراحل، اختلف اعلان الموقف الاسرائيلي خلالها، تبعا لظروف كل مرحلة وإمكاناتها.
مرحلة التمهيد للحرب العسكرية
بدأت المرحلة الثالثة مع التأكد الميداني على صعوبة اسقاط النظام عسكريا، او الدفع باتجاه تنحي الاسد، من خلال الضغط العسكري. بدأت هذه المرحلة تحديدا، في اعقاب محاولة غزوة دمشق الاولى من بوابة المطار الدولي في العاصمة، في كانون الأول الماضي، وصمود القوات السورية النظامية امام هذه الهجمة، وردها الى اعقابها.
صمود النظام في دمشق تحديدا، كان دافعا لترقي سلّم الضغوط الغربية والعربية، والتدخل اكثر في الساحة الميدانية، باتجاه اسقاط النطام. وكانت اسرائيل في هذه المرحلة مواكبة لما يجري، بل شريكة فيه، ربطا بالنقاشات والمداولات التي كانت تجري تباعا في تلك الفترة، من خلال الزيارات المتبادلة بين تل ابيب وواشنطن، الى حدود تحول خبر الزيارات الى خبر اعتيادي يومي. وتبين من التصريحات التي كانت تصدر فيه حينه في تل ابيب، ان اسرائيل باتت تتلمس تهديدات تتشكل في الساحة السورية، توجب على كل الحلفاء العمل على الحؤول دونها، وتحديدا، تزايد المؤشرات على غلبة الاتجاهات السلفية في المعارضة المسلحة.
برز في هذه المرحلة، اذاً، خشية من اليوم الذي يلي، وضرورة العمل على منع سقوط النظام مؤسساتيا، على ان يُدفع الاسد دفعا للتنحي، بما يمكّن من مواجهة كل تهديد يعقبه.
امتدت هذه المرحل اشهرا ما بين اواخر عام 2012 والشهر الثالث من العام الحالي، وقد برزت فيها جملة من المعطيات، تشير الى الموقف الاسرائيلي مما يجري ميدانيا، وتبعا له، من الآتي. ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
ابتعاد اسرائيل عن اطلاق تنبؤات وتقديرات، ترتبط بموعد اسقاط النظام في سوريا. التحليلات والتصريحات على اختلافها، كانت شبه موحدة في هذا الاطار: الحديث ممكن عن سقوط النظام، وانه حتمي، لكن من دون تحديد مواعيد.
زيادة في الحديث الاسرائيلي عن وجود جهات باتت فاعلة ومؤثرة في الساحة السورية، وتثير الخشية والقلق لما تمثله من تهديد للامن الاسرائيلي. جملة من التصريحات والمواقف، شددت على تزايد أعداد الجهاديين التابعين للقاعدة في سوريا، وأنهم باتوا هم المهيمنين على المعارضة المسلحة.
تشديد اسرائيلي على وجود خطوط حمراء لا يمكنها ان تقف جانبا في حال تجاوزها، وهي: نقل سلاح استراتيجي، من سوريا الى حزب الله في لبنان؛ انزلاق او استيلاء المعارضين الجهاديين من القاعدة، على السلاح الكيميائي في سوريا؛ وتقول اسرائيل انها استهدفت، كما تدعي، قافلة كانت تحمل صواريخ استراتيجية من سوريا الى لبنان، وهو التوصيف الاسرائيلي للاعتداء الذي طال منشأة جمرايا السورية للابحاث العلمية، قبل حوالي ثلاثة اشهر.
قلق اسرائيلي من تردي الاوضاع الامنية على الحدود في الجولان، وإمكان سيطرة القاعدة على المنطقة المحاذية للحدود. وقد وصفت اسرائيل وعلى لسان كبار مسؤوليها العسكريين، الوضع في الجولان بأنه خطير جدا، وقد يتحول سريعا الى تصعيد امني قد يجر الى مواجهة غير محمودة. ولم يقتصر الحديث الاسرائيلي عن التهديدات الكامنة في المشهد الجولاني وعلى الحدود مع سوريا، بل تحدثت معلومات اسرائيلية عن امكان فرض منطقة امنية داخل الاراضي السورية، شبيهة بالحزام الامني في لبنان ابان الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني، وذلك بمساعدة من جهات في المعارضة السورية، وصفها قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي، يائير غولان، بأنها جهات معتدلة ويمكن محاورتها.
ارتفاع منسوب الحديث في اسرائيل عن الفوضى التي من الممكن ان تعقب الاسد، وعن تفكك الدولة وانهيارها، وأيضا سيناريوهات عن نشوء دويلات متعددة ومختلفة، متناحرة فيما بينها. كما برز في التصريحات والمواقف الاسرائيلية، تحذير من الآتي في حال سقوط النظام، بأن اسرائيل ستكون الهدف المقبل لعدد من الجهات المعارضة المسلحة، وضرورة الاستعداد لمواجهة هذا التهديد.
مع ذلك، كان اهم ما برز في هذه المرحلة، هو المواقف الاسرائيلية القاطعة، بأن كل تهديد ممكن ان يتشكل في الساحة السورية، لا يوازي، قياسا بالفوائد، مصلحة اسرائيل في اسقاط النظام وإضعاف "محور الشر"، بدءا من ايران وصولا الى حزب الله في لبنان.
في هذا الاطار، تحدث رئيس الطاقم السياسي الامني في وزارة الحرب الاسرائيلية، اللواء عاموس غلعاد، مشيرا الى ان اسرائيل تفضل تنظيم القاعدة في سوريا على بقاء النظام، وهو تصريح لافت جدا، يشير الى ما تراه اسرائيل من مصلحة في اسقاط الرئيس الاسد، والذي يحقق من منظورها مصالحها الى حدود الاشباع، حتى وإن كان الثمن، او البديل عن النظام، تنظيم القاعدة، وما يمكن ان يحمله من تهديدات للامن الاسرائيلي.
ويمكن اجمال الموقف الاسرائيلي، لهذه المرحلة، بالآتي:
مصلحة اسرائيل تكمن في اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، من دون التسبب بإسقاط مؤسسات الدولة السورية؛ التعويل على الحل السلمي المبني على اجبار الرئيس الاسد على التنحي من خلال الضغط العسكري والسياسي والامني والاقتصادي، الامر الذي يتيح دمج ما يتبقى من الجيش السوري ومؤسساته، مع الجهات " المعتدلة" في المعارضة السورية، للاطاحة لاحقا بالجماعات الجهادية في سوريا؛ منع كل ما يمكن، خلال ذلك والى ان يتحقق ما تطلبه تل ابيب، ان يشكل تهديدا يتمثل في سيطرة حزب الله او الجماعات المتطرفة، على السلاح الاستراتيجي في سوريا.
المرحلة الرابعة، والحالية، بدأت للتو. تحول النظام من موقع الدفاع الى موقع الهجوم، غيّر المشهد الميداني بشكل واسع، ودفع تل ابيب الى عرض سافر لمصالحها في الساحة السورية، بل وايضا للدفع باتجاه تحقيقها، عبر الدعوة الواضحة والمباشرة، لاسقاط النظام من خلال التدخل العسكري المباشر للغرب.
آخر وأهم التصريحات الاسرائيلية الدالة على الموقف الاسرائيلي الاخير، جاء على لسان الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، اللواء عاموس يدلين، الذي يرأس حاليا مركز ابحاث الامن القومي في تل ابيب، والذي اكد على الآتي:
"من لا يفهم أن سقوط الأسد هو تطور إيجابي من ناحية إسرائيل، فليس قادراً على القراءة الصحيحة للأوضاع"، ودعا الى ضرورة "اتخاذ خطوات تضمن تفكيك محور الشر، أي إيران وسوريا وحزب الله، من خلال إضعاف الاسد، والعمل على إنهاء ولايته في أقرب وقت ممكن"، وأضاف أن "الاسد هو عنصر سلبي في الشرق الاوسط، ومصلحة إسرائيل تتطلب إضعافه وإسقاطه، لأن ذلك يعني تفكيك المحور الايراني وحزب الله، الامر الذي يعود بالمصلحة على إسرائيل". وكان كلامه واضحا ومباشرا ولا لبس فيه.
في نفس الوقت، صدرت عن اسرائيل تصريحات لرئيس وحدة الابحاث في الاستخبارات العسكرية، العميد ايتان برون، اتهم فيها النظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي ضد المعارضة المسلحة، وقد تحدث برون مليا في هذا الموضوع، وأوضح ان لدى اسرائيل ادلة على ان الرئيس الاسد امر باستخدام نوع من هذا السلاح، الامر الذي عُدّ إحراجا للإدارة الاميركية، ودفعا لها للتدخل في سوريا.
لكن ما هو المستجد الذي يدفع اسرائيل كي تبتعد عن المقاربة الماضية، التي كانت حذرة في مجملها، باتجاه مقاربة سافرة ومباشرة، وأن لا تكتفي فقط بالدعوة الى التدخل في سوريا، بل وايضا الى الدفع باتجاهه، حتى وإن ادى ذلك الى اختبار المواقف الاميركية المعلنة، وإحراج الرئيس الاميركي، باراك اوباما؟
في هذا الاطار، لا بد من الاشارة الى النقاط الآتية:
بات واضحا، من التطورات الاخيرة التي شهدها الميدان السوري، تحول ميزان القوة ليميل باتجاه مصلحة القوات المسلحة السورية النظامية، مع تحقيق نجاحات متميزة في اكثر من بقعة جغرافية، كان يعوَّل عليها للضغط على الرئيس الاسد، كي يتنحى عن الحكم، ويسلّم سوريا الى عرب الغرب والولايات المتحدة.
النجاحات التي تحققت حتى الان، لا تقيسها اسرائيل، من منظار البقعة الجغرافية التي استعادها النظام او فقدتها الجماعات المسلحة في سوريا، بل في اهمية هذه المناطق، باعتبارها الشريان الحيوي لتعزيز المسلحين، وإمدادهم بالعديد والعتاد، ما يمكنهم من تنفيذ الخطط الموضوعة لمحاصرة الرئيس الاسد.
ترى تل ابيب، ان النجاحات الاخيرة أفقدت كل الخيارات التي كانت ممكنة حتى الامس القريب، ومن خلال المعارضة، لإسقاط الرئيس الاسد، وبالتالي لم يبق امامها سوى التدخل العسكري المباشر من الخارج.
وما يزيد من قلق اسرائيل، ان الجماعات المسلحة في سوريا، وتحديدا تلك التي تعدها متطرفة وإرهابية وستسعى الى استهدافها في اليوم الذي يلي سقوط النظام، لم تعد جماعات قابلة للاحتواء او الاجتثاث، من خلال اجبار الرئيس الاسد على التنحي، ومن ثم التعامل معها لاحقا. تنامت هذه الجماعات الى الحد الذي تجاوزت قدراتها، قدرات الخطط الموضوعة لها، وهو خطر اكيد، على اسرائيل، يبدو انه سيكون شائكا، في المرحلة المقبلة المقدرة. اي انه في اي مسار من المسارات المقدرة، قد يتجه اليه الوضع في سوريا، سيكون مسارا سيئا بالنسبة لاسرائيل.
وأمام المعضلتين، لدى تل ابيب حل من اثنين، لا يبدو انهما ممكنان: اما ان تتدخل هي عسكريا، وهو تدخل دونه عقبات وأثمان لا يمكن تحملها، او ان تدفع الحلفاء الاخرين، كي يقوموا بالمهمة. وهذا ما تسعى اليه في هذه المرحلة، وقد تمظهر، وسوف يتمظهر اكثر، في المواقف، وربما في الاجراءات، التي ستعمد تل ابيب الى اتخاذها لاحقا.
يفسر ذلك الاعلان الدعوة الاسرائيلية، الى حد طرح معطيات تحرج الاميركيين وتدفعهم دفعا الى التدخل المباشر في الساحة السورية، وهو المحظور الذي لا تريده الادارة الاميركية حتى الان، اذ لسان حال الاميركيين هو الامتناع عن الدخول في مستنقع الشرق الاوسط، الذي ما زالوا حتى الان يجهدون للخروج منه.
معضلة اسرائيلة بامتياز، تستأهل المتابعة، لمعاينة ما قد تقدم عليه تل ابيب، مع التأكيد على ان الخيارات المتاحة أمامها، باتت محدودة جدا.