ارشيف من :آراء وتحليلات

قلق أربيل ... والتقارب مع بغداد

قلق أربيل ... والتقارب مع بغداد
أخيرا، وبعد شهور من الشد والجذب، جاء الأكراد الى بغداد بوفد رفيع المستوى برئاسة رئيس الحكومة المحلية في إقليم كردستان والرجل الثاني في الحزب الديمقراطي الكردستاني نيجرفان البارزاني يرافقه الأمين العام لوزارة قوات البيشمركة الفريق جبار ياور، ومحافظ كركوك نجم الدين كريم.

واذا اردنا التوقف عند زيارة الوفد الكردي المذكور الى بغداد، فإنه لا بد أن نتوقف عند توقيت الزيارة، والظروف المحيطة بها، وما يمكن أن تفضي إليه من نتائج في ظل عدم حصول أي تحولات أو متغيرات واقعية وملموسة سواء من قبل أربيل او من قبل بغداد بشأن جملة من القضايا الخلافية المستعصية.

ولعل توقيت الزيارة جاء بعد أحداث ساحة اعتصام قضاء الحويجة التابعة لمحافظة كركوك المتنازع عليها بأسبوع واحد فقط، وهذه اشارة ضمنية إلى قلق اربيل حيال ما جرى وما يمكن أن يفرزه من تداعيات وإرهاصات لا يقل عن قلق بغداد، لأسباب عديدة، من بينها:

ـ ان كركوك بنظر الأكراد تمثل قاعدة متقدمة لإقليم كردستان، وإن تصاعد حدة الصراع فيها بمستوى يخرجه عن السيطرة، يعني فيما يعنيه تهديداً للاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي في الاقليم، وخروج زمام المبادرة من أيدي الأكراد في المحافظة.

ـ واذا كان التنافس والصراع بين المكونات العربية والكردية والتركمانية في كركوك بات امرا طبيعيا ومقبولا لدى الجميع، وكل طرف يقدر حدوده وأطره التي لا تسمح لأي كان بتجاوزها والقفز عليها، فإن دخول تنظيم "القاعدة" او بقايا حزب "البعث" المنحل، وبعناوين واضحة وبصورة مكشوفة، يدل على اختلال وتغير خطير في معادلات القوى القائمة.

ـ وبما ان اقليم كردستان لا يخلو من وجود جماعات متطرفة إما هي تمثل امتدادات لتنظيمات تتبنى العنف والارهاب، او ان لها امتدادات من هذا النوع، فمن الطبيعي جدا ان يشعر الأكراد بقلق غير قليل حيال اي حراك يحمل بصمات ارهابية في مناطق لا تبعد سوى مرمى حجر عن مناطق الاقليم، بل واكثر من ذلك إنها مناطق يعتبرها الاكراد تابعة للاقليم ويبذلون قصارى جهدهم لضمها.

ـ وامتداد وتوسع ما جرى في الحويجة الى مناطق اخرى ذات اغلبية سنية حيث يتمتع تنظيم القاعدة فيها بموطئ قدم، يعني امكانية ارتداد مجريات الامور وتفاعلاتها في الانبار ونينوى ومدن أخرى الى الحويجة ذات الأغلبية السنية العربية من جديد، والتي تتوجس كثيرا من التوسع والامتداد الكردي في كركوك وغيرها.

والقلق الكردي له ما يبرره، وفيه نقاط التقاء عديدة مع قلق بغداد الحكومي وغير الحكومي رغم الاشكاليات والعقد والقضايا الخلافية القائمة.

فاستشراء العنف والارهاب واتساع مدياته، لا سيما في مدن ذات تركيبة سكانية حساسة مثل كركوك، يمكن ان تكون له انعكاسات خطيرة على أربيل كما له على بغداد، وعندما تقع كركوك في قبضة الجماعات الإرهابية من تنظيم "القاعدة" وبقايا حزب "البعث" المنحل كما حدث مع الأنبار قبل سنوات، فإن شريطا طويلا من المناطق المشتركة في جغرافيتها وسكانها وتاريخها بين العرب والأكراد وكذلك التركمان سوف تكون عرضة للاستهداف بأبشع اشكاله وصوره.
قلق أربيل ... والتقارب مع بغداد
المالكي ونيجرفان البارزاني

ولا شك ان اقدام قيادة اقليم كردستان بنشر قطعات من قوات البيشمركة في مناطق خارج حدود الإقليم تركها الجيش الاتحادي مؤخرا على خلفية تفاعلات وتداعيات أحداث ساحة اعتصام الحويجة، يعبر عن جانب من القلق، فضلا عن كونه يمثل جزءا من اجراءات يمكن ان يقوم بها الاقليم في حال اقتضت الضرورة ذلك.

واللافت ان الانتشار العسكري الكردي الأخير لم يقابل بأي ردود فعل سلبية من قبل بغداد، بل ان مصادر مطلعة تتحدث عن ارتياح صناع القرار في الحكومة الاتحادية حيال الخطوة الكردية الأخيرة، لانها يمكن ان تخفف الضغوطات والانتقادات على الجيش الاتحادي، وتخرج الصراع من دائرته الطائفية الضيقة (السنية ـ الشيعية).

والمؤشر الآخر على القلق الكردي حول احداث الحويجة وتداعياتها، هو ان الوفد الذي رافق البارزاني الى بغداد، لم يضم شخصيات معنية بملف النفط او المناطق المتنازع عليها أو الشؤون المالية، وانما اقتصر اساسا على المعنيين بالملف الامني ـ العسكري من خلال الامين العام لوزارة البيشمركة جبار ياور، وملف كركوك من خلال محافظها الكردي نجم الدين كريم.

وفي بغداد تداولت بعض الاوساط السياسية معلومات مفادها ان المالكي رحب كثيرا بزيارة نيجرفان البارزاني الى بغداد، لكنه أوصل له رسالة مضمونها هو (أنه ـ اي المالكي ـ لا يمكنه تقديم تنازلات في اي ملف من الملفات سوى ملف العقود النفطية والاموال المستحقة للشركات النفطية الاجنية العاملة في الاقليم).

وتشير المصادر الى ان الاكراد لم يتوقفوا كثيرا عند ذلك الامر، لأن المحور الرئيسي لزيارتهم الى بغداد كان " الحويجة" من دون ان يعني ذلك انهم لم ـ ولن ـ يطرحوا قضاياهم وإشكالياتهم وملاحظاتهم على طاولة البحث والنقاش مع من التقوهم او من سيلتقونهم في بغداد، لا سيما التحالف الوطني العراقي، ورئيس الوزراء نوري المالكي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يمكن أن يساهم القلق المشترك لدى كل من أربيل وبغداد بشأن الأحداث الاخيرة، والمنطلق في واقع الامر من قراءات واقعية وموضوعية، هل يمكن ان يساهم في حلحلة العقد والمشاكل القائمة بينهما، وهي بلا شك كبيرة وكثيرة ومعقدة وشائكة؟.

من الطبيعي انه يفترض حصول ذلك، بيد ان "التقارب" بين الاثنين المتحقق من القلق المشترك، من الصعب بمكان ان يحطم حاجز انعدام الثقة بين الطرفين، الذي أوجدته وضخمته تراكمات سنين من الاجراءات والخطوات والسلوكات الاستفزازية والانفعالية المتسرعة في مجملها.

في حال وضعت زيارة البارزاني كل الملفات على الطاولة، ونوقشت بوضوح وصراحة، وبمشاركة قوى وشخصيات لا تعتبر اطرافا في الخلاف والصراع بين الحكومة الاتحادية والاقليم، وتم تشخيص وتحديد ما لكل طرف وما عليه، فإن حلحلة ـ ولا نقول حلا ـ من نوع ما يمكن ان يحصل، اما اذا بدأت زيارة البارزاني بـ"الحويجة" وانتهت بها، فإنها تكون كمن أراد حلا صغيراً لمشكلة كبيرة!.
2013-04-30