ارشيف من :آراء وتحليلات

القضية الفلسطينية بين مطرقة ’إسرائيل’ وسندان الجامعة العربية!

القضية الفلسطينية بين مطرقة ’إسرائيل’ وسندان الجامعة العربية!
كل ما تفعله الجامعة العربية منذ أن تخلت عن مواقف كاللاءات الثلاث الشهيرة، أو كتجميد عضوية مصر فيها بعد الصلح الذي أبرمه السادات مع الكيان الصهيوني، يندرج في إطار خلق الشروط الموضوعية والذاتية الضرورية من أجل تأمين نجاح مشاريع الهيمنة الصهيو ـ أميركية على المنطقة.

فالمبادرة "السعودية" للسلام في الشرق الأوسط، التي تحولت إلى "عربية" بعد إقرارها من قبل قمة بيروت عام 2002، منحت "إسرائيل" شرعية الوجود عندما وقفت عند قضايا ثانوية كالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو، وعروبة جزء صغير من القدس، وحق العودة لا إلى حيفا ويافا وعكا وسائر بقاع فلسطين المغتصبة، بل إلى أماكن مشبوهة وغير محددة.

فهي بذلك جعلت من تلك القضايا الثانوية حدوداً قصوى للمطلب العربي والفلسطيني بدلاً من المطلب المحق المتمثل بتحرير كامل التراب، وإجبار الصهاينة وحماتهم الغربيين على التعويض عن جميع الإساءات التي اقترفوها بحق الفلسطينيين والعرب منذ نكبة الـ 48 والأحداث التي مهدت لها منذ بداية القرن العشرين.

وعندما رفض الإسرائيليون هذه المبادرة واعتبروا، رغم هذا التنازل الضخم من قبل الجامعة العربية، أنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وواصلوا طيلة أحد عشر عاماً سياساتهم العدوانية والاستيطانية والتهويدية، من دون أن يتركوا للفلسطينيين غير حق ممارسة المفاوضات الأبدية/العبثية، خفّت الجامعة العربية لتكريس الأمر الواقع من خلال التعديلات "الطفيفة" التي ذهب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري إلى واشنطن للإعلان عن قبوله بها باسم الجامعة العربية.

فالحقيقة أن تسمية تلك التعديلات بالـ "طفيفة" ليست غير محاولة لإمرار تنازل جديد وفي منتهى الضخامة حتى عن الحدود والقدس الشرقية وحق العودة. وإذا كانت المبادرة قد منحت الشرعية لوجود "إسرائيل"، فإن التعديلات تمنح الشرعية للاحتلال بقدر ما تنطوي في الضفة الغربية التي يفترض أن الدولة الفلسطينية ستقوم فوق ترابها.
القضية الفلسطينية بين مطرقة ’إسرائيل’ وسندان الجامعة العربية!
التبادلية تعني التسليم بشرعية الاستيطان

ولكن ما الذي بقي من ذلك التراب الذي لم تبق منه "إسرائيل" بتجمعاتها السكنية الكبرى والصغرى وجدرانها الفاصلة وطرق مواصلاتها التي قطعت أوصال الضفة غير بقع من الأرض متباعدة ومنفصلة عن بعضها البعض ومحاصرة وغير صالحة لإقامة دولة تموت حتى في ظروف مريحة، فكيف بدولة يفترض بها أن تكون قابلة للحياة؟

وكل هذا فيما لو قبل الإسرائيليون بتبادل للأراضي بالحد الأدنى وعلى نحو متماثل بين "إسرائيل" والفلسطينيين. صحيح أن تسيبي ليفني قد رأت في التعديلات بادرة إيجابية، ولكن من باب صدورها عن العرب ممثلين بالجامعة العربية، أي من باب تهميش الفلسطينيين والحيلولة بينهم وبين "التدخل" حتى في شأنهم الداخلي الخاص، وبالتالي إجبارهم على "العودة إلى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات الضرورية"، على حد قولها.

وبالتوازي مع ذلك، ذهبت ليفني على عجل إلى الولايات المتحدة لإبلاغها بتحفظات "إسرائيل" على التعديلات. وستذهب إليها مرة أخرى في القريب العاجل، على الأرجح، للعودة بموافقة واشنطن على وجهة النظر الإسرائيلية من التعديلات. ولم يتضح شيء من التحفظات الإسرائيلية غير أن تصريحات عديدة أظهرت أنهم يوجسون خيفة من ظهور الشيخ حمد بن جاسم إلى جانب جون كيري في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد اللقاءات بين المسؤولين الأميركيين ووفد الجامعة العربية!!!

ربما يكون الشيخ حمد قد أفلح أخيراً في إغراء أميركا واستمالتها إلى جانب العرب، تلك الاستراتيجية التي تبناها عرب الهزيمة منذ البداية مقابل استراتيجية النضال بكل الوسائل من أجل تحرير الأرض المغتصبة إسرائيلياً بدعم أميركي!!!

القضية الفلسطينية بين مطرقة ’إسرائيل’ وسندان الجامعة العربية!
ليفني لواشنطن : "اسرائيل" متحفظة على التبادلية

على أي حال، فإن مهزلة تبادل الأراضي التي سينتهي الإسرائيليون إلى القول بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به قد بدأت تفعل فعلها المطلوب في زيادة الصف الفلسطيني شرذمة على شرذمة. فبعض الفصائل رفضتها جملة وتفصيلاً، ومنهم من رفضها قولاً كحماس وبقي عليه التنفيذ حتى على حساب المودة المتبادلة مع قطر، عرابة التعديلات الطفيفة. ودب الخلاف حول قبولها أو عدمه داخل صفوف فتح والسلطة نفسها.

ولو وقفت الأمور عند هذا الحد وحده لكانت مهزلة التعديلات كافية لإثبات دور الجامعة العربية التي تحولت، بعد مصر عبد الناصر وإبعاد سوريا عن العضوية فيها، إلى مرتع لأدوات أميركا و"إسرائيل" من العرب.

لكن الأمور لن تقف عند هذا الحد. لأن الجامعة العربية لن تعتم، فيما لو ظلت أسيرة تلك الأدوات، وفيما لو ظلت كلمة العرب العليا في يد تلك الأدوات، أن تخرج بتعديلات على التعديلات وصولاً إلى خلق الظروف الموضوعية والذاتية الضرورية لمنح "إسرائيل" شرعية الامتداد حتى النيل والفرات.
2013-05-09