ارشيف من :آراء وتحليلات
الغارات الإسرائيلية على سوريا: الأهداف الثابتة والمرجوة
الغارة الإسرائيلية على سوريا لم تكن الأولى، ولا يتوقع أن تكون الأخيرة، فهي الثانية خلال الأزمة السورية، والرابعة إذا ما احتسبنا الغارتين اللتين شنتا على المنشأة العلمية في دير الزور بذريعة أنها منشأة نووية، وعلى مركز للتدريب تابع للقيادة العامة في بلدة عين الصاحب. هذا من دون أن نسقط من الاعتبار الاعتداءات الأمنية والتي يأتي في طليعتها عملية اغتيال قائد المقاومة الشهيد الحاج عماد مغنية.
بناءً عليه فإن مسارعة الكيان الإسرائيلي إلى القول بأن غاراته لا تستهدف الدخول على خط الأزمة السورية فيه شيء من الصحة، وليس كل الصحة، إذا لا يمكن بأي شكل من الأشكال، فصل هذه الغارات، ولو توقيتاً، عن مجمل مسار الأزمة السورية العسكري والأمني والسياسي.
إن أي مراجع لتاريخ الصراعات التي خاضها الكيان الإسرائيلي مع دول المنطقة، أو حركات المقاومة فيها، يستطيع بسهولة أن يلحظ الثوابت التي ما فتئ يتمسك بها، والمتمثلة على نحوٍ رئيسي بمنع نشوء واقع مهدد لوجوده، واقع يستند إلى إمكانات وقدرات عسكرية موازنة، أو كاسرة للتوازن مع إمكاناته وقدراته الخاصة. والاعتداءات الإسرائيلية على سورية العسكرية منها والأمنية لا تخرج عن هذه الثوابت، وبالتالي فالإسرائيلي يحاول أن يؤكد دوماً بالنار أن هناك خطوطاً حمراء لا يسمح بتجاوزها.
إلا أن مشكلة الكيان الإسرائيلي مع سوريا تتجاوز الاعتبارات المادية إلى الاعتبارات النفسية والمعنوية. فهذا الكيان لا يستطيع أن يتجاوز دور سوريا الداعم لحركات المقاومة، ولا يستطيع أن يتجاوز أيضاً موقعها ودورها في هذا المحور، وبالتالي فإن عدوانه على سوريا هو في جزء منه نوع من المعاقبة لها، وإشعار لكل من يعنيه الأمر بأن هذا ما سيكون عليه الحال مع أي دولة تأخذ الموقف نفسه. فالهدف الردعي حاضر هنا بقوة أيضاً.
ثم، أن الكيان الإسرائيلي لم يخف يوماً فرحه مما يجري للنظام في سوريا، وهو وجد فيه فرصة استراتيجية لإسقاطه في سياق استراتيجية أشمل تستهدف محور المقاومة والممانعة بأسره، والممتد من فلسطين إلى لبنان وصولاً إلى قاعدته المركزية الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهو ـ كما الأميركي ـ تعاطف مع الأزمة السورية كتجربة فيتنامية لكن هذه المرة لكل من إيران وحزب الله وصولاً إلى روسيا بنحو من الأنحاء. تقتضي هذه المقاربة حراسة توازنات الصراع بما يمنع أحد الطرفين من حسمه لمصلحته أطول فترة ممكنة، وإذا كان لا بد من الحسم فليكن لمصلحة أعداء النظام الذين هم في الحقيقة حلفاؤه الموضوعيون. من هنا لا يمكن للإسرائيلي أن يقف موقف المتفرج خصوصاً إذا ما بدا أن تحولاً في موازين القوى يحدث بما قد يلحق ضرراً استراتيجياً بكل حساباته.
وبالعودة إلى مجمل مسار الأزمة السورية، يمكن ملاحظة التالي:
أولاً: أن تحولاً نوعياً واستراتيجيا أخذ يحدث في مسار الوضع الميداني لمصلحة النظام، في الوقت الذي تعاني المجموعات المسلحة من انكسارات كبيرة، وانهيارات معنوية في صفوفها، يضاف إليها الأزمة البنيوية والهيكلية التي تعاني منه المعارضة بشقها السياسي لدرجة يصعب معها الحديث عن وجود معارضة يمكن الإشارة إليه.
ثانياً: إن رجحان دور الحركات التكفيرية في العمل المسلح وتحولها إلى حد كبير إلى الحركات الوحيدة المقاتلة بفعالية أربك حسابات الأميركي والإسرائيلي، فهما يريدان استغلال هذه الحركات لإضعاف أو إسقاط النظام، لكنهما في الوقت نفسه لا يريدانها أن تشكل البديل الوحيد المتحكم في الأرض. وهذا ما دفع واشنطن للبحث عن بديل والعمل على دعمه، ولم تجد ضالتها إلا في الجيش السوري الحر بشخص رئيس أركانه سليم إدريس، إلا أن الرهان على هذا الشيء دونه عامل الوقت الذي لم يعد الأميركي والإسرائيلي يملكان ترفه.
ثالثاً: يخشى الأميركي والإسرائيلي وصول الأمور إلى نقطة نضعهما بين خياري السيء والأسوأ: السيء أن ينجح النظام في استعادة المبادرة الاستراتيجية على نحو حاسم، وبالتالي الإقرار بالهزيمة وسقوط كل الرهانات المضمرة والمعلنة، والأسوأ أن يجدا نفسيهما مضطرين للدخول مباشرة على خط الصراع في محاولة منهما لإعادة التوازن إليه، أو لفتح الطريق أمام عملية إسقاط النظام، الأمر الذي يحمل في طياته مغامرة فعلية باندلاع نزاع دولي ـ إقليمي شامل لا يريدانه على الأقل الآن.
رابعاً: يدرك الإسرائيلي إن إدارة أوباما لا تريد حرباً شاملة في المنطقة، وهي أميل إلى حل النزاع سياسياً عندما يحين أوانه، وهو بالتالي لا يستطيع أن يضع نفسه خارج معادلات أي تسوية مهما كانت طبيعتها.
خامساً: يدرك الإسرائيلي أيضاً أن إحداث تبدل في موازين الصراع بات يحتاج مؤخراً إلى تدخل مباشر، ولإنجاز هكذا تدخل لا بد من وجود ذريعة كافية مغطاة دولياً. بناء مثل هذه الذريعة جرى العمل عليه مؤخراً بكثافة تحت دعوى اتهام النظام باستخدام السلاح الكيميائي، إلا أن كل هذه الجهود آلت إلى الفشل الذريع لاعتبارين أساسيين: الأول، الفشل في إيجاد دليل فعلي، والثاني، منع روسيا من نقل هذا الملف إلى مجلس الأمن، الأمر الذي لم يبق للإسرائيلي ومن يقف موقفه سوى استخدام تكتيك مراوغ يستند إلى الخديعة والاستدراج.
سادساً: يعاني الإسرائيلي منذ فترة من تباين في طريقة مقاربة الأزمة السورية مع إدارة أوباما، ففي الوقت الذي تصر فيه واشنطن على عدم الانزلاق إلى أي تدخل مباشر، فهناك في داخلها من يحض على ضرورة خروج أوباما من تردده وحذره، واعتماد سياسة مبادرة ترتكز على التدخل المباشر، وعلى رفع مستوى المساعدات العسكرية للمجموعات المسلحة كماً ونوعاً. تلاقي وجهة النظر هذه موقف الكيان الإسرائيلي والنظامين السعودي والقطري إضافة إلى تركيا.
خلاصة القول، إن توقيت الغارات الإسرائيلية أريد لها أيضاً تحقيق مجموعة فوائد أبرزها:
1 ـ إعطاء المجموعات المسلحة والمعارضة السورية شحنة معنوية لإعادة التوازن النفسي لها، ولتشجيعها على الصمود والمواجهة من خلال القول أنها ليست متروكة، ولن تكون لوحدها في الميدان.
2 ـ محاولة لجم اندفاعة النظام من خلال القول أن هناك خطوطاً حمراء يجب الالتزام بها وذلك لإعادة التوازن إلى الصراع، وتوفير ظروف إطالة أمده.
3 ـ الدخول على خط النقاش الدائر في واشنطن لمصلحة الرأي المناوئ لرأي أوباما، من خلال تسليحه بحجة يستطيع البناء عليها، ألا وهي أنه بإمكان واشنطن القصف من بعد على الأقل من دون أن تخشى ردود فعل تؤدي إلى انفجار شامل في المنطقة.
4 ـ نصب فخ للنظام يقوم على استدراجه إلى رد متسرع وغير محسوب وبما يعطي الإسرائيلي ذريعة لتوسيع مدى رده لضرب البنى التحتية العسكرية لعصب النظام، وبالتالي إضعافه إلى الحد الذي يعيد التوازن إلى الصراع، أو يفتح الطريق أمام المجموعات المسلحة للاندفاع نحو إسقاطه.
5 ـ منع الأمور من الوصول إلى النقطة الحرجة، والتي من شأنها أن تحاصر، وواشنطن بالخيارات الصعبة التي يريدها على الأقل الآن.
6 ـ الدخول على خط التسوية من خلال تزويد واشنطن بورقة تفاوض يستطيع أن يقابل بها انجازات النظام على الأرض، والتي تشكل بدورها ورقة تفاوض كبيرة بيد موسكو وإيران.
إن ما تقدم من فوائد محتملة لا يعني بالضرورة أنها كلها ستتحقق، لأنه ليس من الضروري أن توافق حسابات الحقل حسابات البيدر.
بناءً عليه فإن مسارعة الكيان الإسرائيلي إلى القول بأن غاراته لا تستهدف الدخول على خط الأزمة السورية فيه شيء من الصحة، وليس كل الصحة، إذا لا يمكن بأي شكل من الأشكال، فصل هذه الغارات، ولو توقيتاً، عن مجمل مسار الأزمة السورية العسكري والأمني والسياسي.
إن أي مراجع لتاريخ الصراعات التي خاضها الكيان الإسرائيلي مع دول المنطقة، أو حركات المقاومة فيها، يستطيع بسهولة أن يلحظ الثوابت التي ما فتئ يتمسك بها، والمتمثلة على نحوٍ رئيسي بمنع نشوء واقع مهدد لوجوده، واقع يستند إلى إمكانات وقدرات عسكرية موازنة، أو كاسرة للتوازن مع إمكاناته وقدراته الخاصة. والاعتداءات الإسرائيلية على سورية العسكرية منها والأمنية لا تخرج عن هذه الثوابت، وبالتالي فالإسرائيلي يحاول أن يؤكد دوماً بالنار أن هناك خطوطاً حمراء لا يسمح بتجاوزها.
إلا أن مشكلة الكيان الإسرائيلي مع سوريا تتجاوز الاعتبارات المادية إلى الاعتبارات النفسية والمعنوية. فهذا الكيان لا يستطيع أن يتجاوز دور سوريا الداعم لحركات المقاومة، ولا يستطيع أن يتجاوز أيضاً موقعها ودورها في هذا المحور، وبالتالي فإن عدوانه على سوريا هو في جزء منه نوع من المعاقبة لها، وإشعار لكل من يعنيه الأمر بأن هذا ما سيكون عليه الحال مع أي دولة تأخذ الموقف نفسه. فالهدف الردعي حاضر هنا بقوة أيضاً.
ثم، أن الكيان الإسرائيلي لم يخف يوماً فرحه مما يجري للنظام في سوريا، وهو وجد فيه فرصة استراتيجية لإسقاطه في سياق استراتيجية أشمل تستهدف محور المقاومة والممانعة بأسره، والممتد من فلسطين إلى لبنان وصولاً إلى قاعدته المركزية الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهو ـ كما الأميركي ـ تعاطف مع الأزمة السورية كتجربة فيتنامية لكن هذه المرة لكل من إيران وحزب الله وصولاً إلى روسيا بنحو من الأنحاء. تقتضي هذه المقاربة حراسة توازنات الصراع بما يمنع أحد الطرفين من حسمه لمصلحته أطول فترة ممكنة، وإذا كان لا بد من الحسم فليكن لمصلحة أعداء النظام الذين هم في الحقيقة حلفاؤه الموضوعيون. من هنا لا يمكن للإسرائيلي أن يقف موقف المتفرج خصوصاً إذا ما بدا أن تحولاً في موازين القوى يحدث بما قد يلحق ضرراً استراتيجياً بكل حساباته.
وبالعودة إلى مجمل مسار الأزمة السورية، يمكن ملاحظة التالي:
أولاً: أن تحولاً نوعياً واستراتيجيا أخذ يحدث في مسار الوضع الميداني لمصلحة النظام، في الوقت الذي تعاني المجموعات المسلحة من انكسارات كبيرة، وانهيارات معنوية في صفوفها، يضاف إليها الأزمة البنيوية والهيكلية التي تعاني منه المعارضة بشقها السياسي لدرجة يصعب معها الحديث عن وجود معارضة يمكن الإشارة إليه.
ثانياً: إن رجحان دور الحركات التكفيرية في العمل المسلح وتحولها إلى حد كبير إلى الحركات الوحيدة المقاتلة بفعالية أربك حسابات الأميركي والإسرائيلي، فهما يريدان استغلال هذه الحركات لإضعاف أو إسقاط النظام، لكنهما في الوقت نفسه لا يريدانها أن تشكل البديل الوحيد المتحكم في الأرض. وهذا ما دفع واشنطن للبحث عن بديل والعمل على دعمه، ولم تجد ضالتها إلا في الجيش السوري الحر بشخص رئيس أركانه سليم إدريس، إلا أن الرهان على هذا الشيء دونه عامل الوقت الذي لم يعد الأميركي والإسرائيلي يملكان ترفه.
ثالثاً: يخشى الأميركي والإسرائيلي وصول الأمور إلى نقطة نضعهما بين خياري السيء والأسوأ: السيء أن ينجح النظام في استعادة المبادرة الاستراتيجية على نحو حاسم، وبالتالي الإقرار بالهزيمة وسقوط كل الرهانات المضمرة والمعلنة، والأسوأ أن يجدا نفسيهما مضطرين للدخول مباشرة على خط الصراع في محاولة منهما لإعادة التوازن إليه، أو لفتح الطريق أمام عملية إسقاط النظام، الأمر الذي يحمل في طياته مغامرة فعلية باندلاع نزاع دولي ـ إقليمي شامل لا يريدانه على الأقل الآن.
رابعاً: يدرك الإسرائيلي إن إدارة أوباما لا تريد حرباً شاملة في المنطقة، وهي أميل إلى حل النزاع سياسياً عندما يحين أوانه، وهو بالتالي لا يستطيع أن يضع نفسه خارج معادلات أي تسوية مهما كانت طبيعتها.
خامساً: يدرك الإسرائيلي أيضاً أن إحداث تبدل في موازين الصراع بات يحتاج مؤخراً إلى تدخل مباشر، ولإنجاز هكذا تدخل لا بد من وجود ذريعة كافية مغطاة دولياً. بناء مثل هذه الذريعة جرى العمل عليه مؤخراً بكثافة تحت دعوى اتهام النظام باستخدام السلاح الكيميائي، إلا أن كل هذه الجهود آلت إلى الفشل الذريع لاعتبارين أساسيين: الأول، الفشل في إيجاد دليل فعلي، والثاني، منع روسيا من نقل هذا الملف إلى مجلس الأمن، الأمر الذي لم يبق للإسرائيلي ومن يقف موقفه سوى استخدام تكتيك مراوغ يستند إلى الخديعة والاستدراج.
سادساً: يعاني الإسرائيلي منذ فترة من تباين في طريقة مقاربة الأزمة السورية مع إدارة أوباما، ففي الوقت الذي تصر فيه واشنطن على عدم الانزلاق إلى أي تدخل مباشر، فهناك في داخلها من يحض على ضرورة خروج أوباما من تردده وحذره، واعتماد سياسة مبادرة ترتكز على التدخل المباشر، وعلى رفع مستوى المساعدات العسكرية للمجموعات المسلحة كماً ونوعاً. تلاقي وجهة النظر هذه موقف الكيان الإسرائيلي والنظامين السعودي والقطري إضافة إلى تركيا.
خلاصة القول، إن توقيت الغارات الإسرائيلية أريد لها أيضاً تحقيق مجموعة فوائد أبرزها:
1 ـ إعطاء المجموعات المسلحة والمعارضة السورية شحنة معنوية لإعادة التوازن النفسي لها، ولتشجيعها على الصمود والمواجهة من خلال القول أنها ليست متروكة، ولن تكون لوحدها في الميدان.
2 ـ محاولة لجم اندفاعة النظام من خلال القول أن هناك خطوطاً حمراء يجب الالتزام بها وذلك لإعادة التوازن إلى الصراع، وتوفير ظروف إطالة أمده.
3 ـ الدخول على خط النقاش الدائر في واشنطن لمصلحة الرأي المناوئ لرأي أوباما، من خلال تسليحه بحجة يستطيع البناء عليها، ألا وهي أنه بإمكان واشنطن القصف من بعد على الأقل من دون أن تخشى ردود فعل تؤدي إلى انفجار شامل في المنطقة.
4 ـ نصب فخ للنظام يقوم على استدراجه إلى رد متسرع وغير محسوب وبما يعطي الإسرائيلي ذريعة لتوسيع مدى رده لضرب البنى التحتية العسكرية لعصب النظام، وبالتالي إضعافه إلى الحد الذي يعيد التوازن إلى الصراع، أو يفتح الطريق أمام المجموعات المسلحة للاندفاع نحو إسقاطه.
5 ـ منع الأمور من الوصول إلى النقطة الحرجة، والتي من شأنها أن تحاصر، وواشنطن بالخيارات الصعبة التي يريدها على الأقل الآن.
6 ـ الدخول على خط التسوية من خلال تزويد واشنطن بورقة تفاوض يستطيع أن يقابل بها انجازات النظام على الأرض، والتي تشكل بدورها ورقة تفاوض كبيرة بيد موسكو وإيران.
إن ما تقدم من فوائد محتملة لا يعني بالضرورة أنها كلها ستتحقق، لأنه ليس من الضروري أن توافق حسابات الحقل حسابات البيدر.