ارشيف من :أخبار عالمية

تلبية التحول الاستخباري الأميركي في العراق وأفغانستان

تلبية التحول الاستخباري الأميركي في العراق وأفغانستان

إعداد: علي شهاب

تشهد دوائر الأجهزة الاستخبارية الأميركية ورش عمل لناحية وضع خطط وبرامج تواكب سياسة الإدارة الأميركية الجديدة. في هذا السياق، استعرض وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون الاستخبارات جيمس روبرت كلابر التحولات في الشرق الأوسط والخطوات اللازمة لتلبية هذه الحاجات، في محاضرة ألقاها برعاية برنامج "ستاين" لمكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

كان من المثير للاهتمام رؤية الانتقال من إدارة بوش إلى إدارة أوباما. وفيما يتعلق بوزارة الدفاع، كان التحول سلساً وخالياً من المشكلات نسبياً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى القرار الذي لم يسبق له مثيل بإبقاء روبرت جيتس وزيراً للدفاع وبدمج القادمين الجدد بصورة سريعة في الوزارة.

ويعد منصب وكيل وزير الدفاع لشؤون الاستخبارات – الذي أنشئ منذ أربعة أعوام فقط – هو الأحدث من بين خمسة مناصب لوكلاء الوزير في وزارة الدفاع. وتتمثل المسؤولية الرئيسية لوكيل الوزير الذي يشغل هذا المنصب في الإشراف على الوكالات الاستخباراتية داخل وزارة الدفاع وهي: "وكالة الأمن القومي" و"وكالة الاستخبارات الوطنية للتصوير والمسح الجغرافي" و"مكتب الاستطلاع القومي" و"وكالة الاستخبارات الدفاعية". ويشرف وكيل الوزير أيضاً على أنشطة المخابرات في كل جهاز من الأجهزة العسكرية.

ويرتدي وكيل الوزير "قبعة ثانية" كمدير للاستخبارات الدفاعية لمدير الاستخبارات الوطنية – وهي فكرة أيدها مدير الاستخبارات الوطنية في ذلك الوقت مايكل ماكونيل بالإضافة إلى الوزير جيتس. وقد اقتنع مدير الاستخبارات الوطنية الجديد، دينيس بلير، بهذا المفهوم، ما سمح بقدر كبير من العمل التعاوني، بما في ذلك الحضور المشترك في الاجتماعات الأسبوعية لطاقم مدير الاستخبارات الوطنية والشهادات المشتركة في الـ"كابيتول هيل" [مقر الكونغرس الأميركي في واشنطن]، ما أدى إلى تبسيط التنسيق والاتصالات. وتبحث وزارة الدفاع ومدير الاستخبارات الوطنية عن مزيد من السبل لتعزيز التنسيق والتزامن، لأن الكثير من المجتمع الاستخباراتي مدمج في وزارة الدفاع.

لقد تغيرت طرق جمع المعلومات الاستخباراتية ونشرها بشكل كبير خلال الستة والأربعين عاماً الماضية، وهذا يرجع بصفة رئيسية إلى التقدم التكنولوجي.

فعلى سبيل المثال، أثناء عملية عاصفة الصحراء في عام 1991، واجهت الولايات المتحدة صعوبات جمة في نقل الكميات الهائلة من صور الأقمار الصناعية إلى "منطقة المسؤولية" (AOR) في "القيادة المركزية الأميركية الوسطى" (CENTCOM)، ما أثار حفيظة قائد القيادة المركزية الجنرال نورمان شوارتسكوف. أما اليوم، فإن الاستخبارات المطلوبة تصل إلى مناطق المسؤولية بشكل أسرع بكثير.

إن جوانب كثيرة من المجتمع الاستخباراتي اليوم، بما في ذلك بعض الاستثمارات والممارسات، هي من مخلفات عصر الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن. ففي ذروة الحرب الباردة، كان من السهل على المجتمع الاستخباراتي تحديد الأهداف المحتملة، لكن كان من الصعب "إصلاحها وإنهاؤها".

[أما] في أيامنا هذه، ومع نوع الأهداف الجاري تعقبها، فإن التناقضات صحيحة. فأهداف اليوم مراوغة جداً وبعيدة المنال وبالتالي من الصعب العثور عليها، ومع ذلك فإن وجدت، يكون من السهل جداً إنهاؤها. ولهذه الحقيقة أثر عميق جداً على طريقة القيام بالأعمال الاستخباراتية اليوم.

كانت وزارة الدفاع تعمل بشكل وثيق مع "مدير الاستخبارات الوطنية" لإنشاء منصب "مدير مهام" لأفغانستان وباكستان وهو الذي سيتولى الإشراف على جهود المجتمع الاستخباراتي بينما تسعى الحكومة الأميركية لوضع استراتيجية جديدة في تلك المنطقة. ومن بين الجهود التي قام بها الوزير جيتس، والتي أكدها بنفسه، هي تكوين "فريق عمل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع". ويدير "فريق الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع" جنرال القوات الجوية كريج كوزيول، الذي يرأس مؤسسة الهدف الأساسي منها هو تسريع الحصول على موارد الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وشراؤها وتسييرها ميدانياً من أجل دعم القوات الأميركية المقاتلة. وفي واقع الأمر، أصبحت الطائرات من دون طيار الأداة الرئيسية في دورة "العثور والإصلاح والإنهاء" هذه وفقاً لطريقة تنفيذها في "منطقة المسؤولية" في "القيادة المركزية الأميركية الوسطى".

وقد خلق نجاح "الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع" رغبة قوية بين الوحدات المقاتلة للحصول على أكبر قدر من "الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع" تتيحه القاعدة الصناعية.  

وتُسيّر الولايات المتحدة العديد من "الطائرات من دون طيار"، مثل الـ"بريديترز" (Predators) والـ"ريبرز" (Reapers)، فضلاً عن الطائرات التي تعمل بطيار، وجميعها مزودة بقدرات استخباراتية وتصويرات الفيديو ذات الحركة الكاملة. وبصفة أساسية، كان الهدف هو إدخال قدرات "الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع" هذه في أفغانستان مع ازدياد عدد القوات الأميركية خلال الشهور القليلة المقبلة. ولكن مع زيادة أهمية "الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع"، تم الإسراع في جدول الانتشار.

وبالإضافة إلى ذلك، من المهم النظر في الدور الذي تلعبه وكالات دعم القتال، وخصوصاً "وكالة الأمن القومي" و"وكالة الاستخبارات الوطنية للتصوير والمسح الجغرافي" و"وكالة الاستخبارات الدفاعية"، التي يوجد لجميعها وجود كبير في الميدان. فقد تم تطبيق "وتيرة العمليات" الحربية في أفغانستان والعراق على مدى السنوات الثماني الماضية - والتي كان لها تأثير كبير على جيشنا - على وكالات الدفاع المدني، التي شعرت بها أيضاً. كما تلعب مجتمعات العمليات الخاصة دوراً هائلاً، وهو ما اتضح للعيان أثناء زيارة قمت بها مؤخراً إلى باكستان وأفغانستان مع المسؤول الرسمي عن العمليات الخاصة، مساعد وزير الدفاع الأميركي مايكل فيكرز. وقد أبرزت هذه الرحلة أيضاً أن أفغانستان تختلف كثيراً عن العراق من حيث الترتيبات السياسية والحجم والتضاريس ومستوى البنية التحتية، وجميعها عوامل تسهم في تكوين بيئة مليئة بتحديات جمة.

إن أفغانستان هي حملة كلاسيكية لمكافحة التمرد: وسوف تنتصر فيها الولايات المتحدة على أساس قرية تلو الأخرى. على الولايات المتحدة أن لا تركز بشكل منفرد على القوات الخاصة التي تستأصل الأهداف ذات القيمة العالية، بل يجب أن ينصب التركيز أيضاًً على توفير الأمن المحلي والمهمة الأكبر لبناء الدولة. وفي أفغانستان، يسري المثل القديم القائل "إن السياسات جميعها محلية".

ويبعث الوضع الأمني في إقليم الحدود الشمالية الغربية في باكستان وعاصمتها، بيشاور، أيضاً على قلق كبير. لقد بدأ الجيش الباكستاني يقاتل في وادي "سوات"، في محاولة لاستعادة السيطرة على الإقليم المفقود، وهو مؤشر جيد. ولكن لسوء الحظ، خلف هذا بدوره أزمة إنسانية – حيث تشرد 1.7 مليون شخص – وهو ما سيتعين على الجيش الباكستاني التعامل معه. ومع ذلك، فمن المؤشرات الجيدة أيضاً هو الخطوة الأخيرة التي قامت بها باكستان والمتمثلة بتعيين نفس الجنرال الذي أدار جهود إغاثة الزلزال الذي وقع في عام 2005 لإدارة أعمال الإغاثة الحالية. وتنعقد الآمال على أن يساعد هذا التعيين على تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى المنطقة وخاصة من خلال المؤسسات غير الحكومية.

وثمة مشكلة أخرى في المنطقة وهي "خط دوراند"، الذي يفصل بين أفغانستان وباكستان، ولكنه لا يعني الكثير بالنسبة للسكان المحليين حيث إنه لا يتوافق مع الحدود القبلية في المنطقة.

إن هدف الولايات المتحدة في تلك المنطقة هو ردع البؤر المحاربة وهزيمتها وتدميرها وتفكيكها، سواء كانت في أفغانستان أو باكستان.
وبرغم ذلك، فإن باكستان حساسة جداً بشأن الاختراقات الأميركية داخل أراضيها. ولذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتذكر وتعترف بأن كلا الدولتين هي كيانات سياسية ذات سيادة وعليها أن تحاول التغلب على مشكلة الحدود.

الانتقاد/ العدد 1348 ـ 29 أيار/ مايو 2009

2009-05-28