ارشيف من :آراء وتحليلات
مناورات التحالف الدولي في مياه الخليج: تهويلات عقيمة وانكفاء إلى ما وراء الباسيفيكي!

هنالك يومياً مناورات عسكرية يتم تنظيمها في مختلف مناطق العالم، وخصوصاً في مناطق التوتر، لأهداف التدريب أو التهويل على العدو. لكن يبدو أن المناورات البحرية التي تجري حالياً في مياه الخليج بإشراف الأسطول الخامس الأميركي إنما تجري لأهداف أخرى وتحمل دلالات مختلفة.
قبل كل شيء، لجهة العدد الكبير من الدول التي تشارك في هذه المناورات التي تستغرق 25 يوماً: إحدى وأربعون دولة من حلفاء الولايات المتحدة وأدواتها، أي إن هذا العدد يفوق عدد الدول التي شاركت في الحربين اللتين قادتهما الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق، وهما البلدان اللذان يحيطان بإيران من الشرق والغرب.
مناورات "دفاعية" بحسب تصريحات الجنرالات الأميركيين الذين يعملون في ما يبدو على إشاعة انطباع كاذب بأنهم على تمام الجهوزية لمهاجمة الجمهورية الإسلامية. الرسالة الظاهرية واضحة إذاً: ما ينتظر إيران هو مصير مشابه لما تعرضت له كل من أفغانستان والعراق. لكن ذلك لا يعدو كونه تهويلاً فارغاً لأن الولايات المتحدة التي لم تجرؤ ـ خلال العقود الأربعة التي تمت منذ انتصار الثورة الإسلامية ـ على شن هجوم على إيران، مع أن هذا الخيار كان وما زال موضوعاً "على الطاولة"، تعرف جيداً أن الهزيمة التي تنتظرها، فيما لو جازفت وأقدمت على ذلك، ستكون أكثر إيلاماً بما لا يقاس من الهزائم التي أحاقت بها في أفغانستان والعراق.
ما هي تلك الدلالات والأهداف الأخرى؟

الرئيس أوباما ينوء حالياً تحت ثقل مشكلات داخلية كالأزمة الاقتصادية، ولعنة الولاية الثانية، و"ووترغيت" الخاصة به المتمثلة بما يعرف بالفضائح الثلاث، وهبوط شعبيته بتداعياته المشؤومة على معركة الانتخابات النصفية وعلى كامل مستقبله السياسي. لذا، فإنه يحاول أن يقلص قدر الإمكان ما يتعرض له من ضغوط خارجية.
على ذلك، من الممكن أن يكون قد ظن بأن هذه المناورات من شأنها أن تمكنه من إصابة عصفورين بحجر واحد. إرضاء الإسرائيليين ومشيخات الخليج حيث إن كلا الفريقين يمكنه أن ينظر إلى تلك المناورات وكأنها مقدمة لحرب يحلمون بها منذ مدة طويلة تشنها الولايات المتحدة على إيران التي ما تنفك تفرض نفسها بشكل متزايد كقوة إقليمية مصممة على إلحاق الهزيمة بمخططات الهيمنة وبالوجود الاستكباري، الغربي والإسرائيلي، في المنطقة.
وربما يكون قد ظن بأنها قد تمكن حجره من إصابة عصفور ثالث. وذلك بما قد تؤمن تلك المناورات خروجاً من حالة الارتباك التي يعيشها كل أولئك الذين يعيشون في المنطقة ويرون أن الوجود الأميركي فيها يوفر الدعم لـ "ربيعهم" العربي المتحول إلى خراب عربي، ويرتاعون أمام فكرة انسحاب القوة الأميركية نحو الجزر النائية في المحيط الباسيفيكي. إذ من شأن ذلك أن يتركهم وحدهم أو مع ما تيسر من العناصر التي تسمح بها الحرب "الناعمة" ليواجهوا الأوضاع الصعبة التي انجرت إليها جميع البلدان التي وصل فيها إلى السلطة أولئك الذين فجروا ذلك "الربيع" أو اختطفوه.
غير أن كل ذلك يظل ثانوياً بالقياس إلى ما يعنيه في الحقيقة اختيار مياه الخليج لتكون مسرح تلك المناورات. لأن إيران ليست الآن، وعلى الأكثر، غير بلد تستهدفه حرب في مستقبل غير محدد إذا ما حدث واجتمع للأميركيين وحلفائهم وأدواتهم عدد كبير جداً من الشروط الملائمة، في حين أن هؤلاء أنفسهم في حرب شرسة كل الدلائل تشير إلى أنها تنخرط في سياق الهزائم التي أحاقت، خلال السنوات الأخيرة بالولايات المتحدة في افغانستان والعراق، وبالكيان الصهيوني في لبنان وغزة.

إذاً، كان يجدر بالأميركيين أن يختاروا الشواطئ السورية لتكون مسرحاً لمناوراتهم فيما لو كانوا يجدون في أنفسهم القدرة على ترهيب سوريا أو ضربها، خصوصاً في الوقت الحالي الذي يتقدم فيه الجيش السوري بسرعة من الانتصار الحاسم. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها وأدواتها يعلمون جيداً، حتى قبل أن تتسلم سوريا أسلحة روسية من شأنها أن ترفع إلى حد كبير من قدراتها الردعية، أن الرد الذي تحدد سوريا توقيته وحجمه وشكله، ستترتب عليه نتائج لن تقف عند مجرد تغيير المعطى الاستراتيجي في المنطقة.
فبصمودها البطولي طيلة أكثر من عامين أمام حرب تشنها جميع قوى الإرهاب في العالم، وبمحقها العدوان، لا تكتفي سوريا برسم قدرها الخاص بما هي رافعة لانبعاث وحدة العرب فوق حطام الأنظمة العميلة والكيان الصهيوني، بل ترقى، بما هي عنصر أساسي في عملية الصعود الذي لا مجال لمقاومته لقوى جديدة تفرض نفسها على الساحة الدولية في ظروف الانهيار الذي بدأ يفتك بالقوى الإمبريالية على جميع المستويات.
وفي ظروف الهزائم التي منيت بها الجيوش الأميركية بالأمس القريب والتي ستتوالى في المستقبل القريب، يعترف استراتيجيو البنتاغون عملياً بأنهم عندما يبتعدون عن سوريا لإجراء مناوراتهم في الخليج... يعترفون عملياً بأن ما يفعلونه ليس من نوع الانسحابات "التكتيكية" التي تروج حالياً للتغطية على هزائم أعداء سوريا، بل هو حقاً وحقيقة انكفاء استراتيجي إلى الجزر النائية في الباسيفيكي وفي ما وراء الباسيفيك.