ارشيف من :آراء وتحليلات

كسر قواعد اللعبة في سوريا: إما جنيف -2 أو حرب شاملة

كسر قواعد اللعبة في سوريا: إما جنيف -2 أو حرب شاملة
(نحن نثق في قوتنا دون التباهي بها، ونحترم قوة الآخرين دون الخوف منها)
توماس جيفرسون

جاءت كلمة كيري في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد في عمان قبل أيام بمثابة الماء البارد على الرؤوس الساخنة. وكان من بينهم وزير خارجية الأردن ناصر جودة. ففي دردشةٍ له مع الإعلامين قبل ساعات من انعقاد المؤتمر، أكد لسامعيه وجود اتفاق روسي ـ أمريكي على "مرحلة انتقالية من غير الأسد". فاجأ كيري المجتمعين في عمان، حيث لم يأت على ذكر رحيل الأسد كما درج المسؤولون الأمريكيون. اقصى سقف بلغه في هذا الشأن عبر عنه في قوله: "ندعو الرئيس الأسد إلى اظهار نفس الالتزام من اجل احلال السلام في بلاده"..

لعل المفاجأة مبعثها أن الوزير كيري سبق وأن قال خلال لقائه الوزير جوده في روما في الثامن من ايار /مايو : " الأسد ينبغي أن يتنحى كجزء من أي حل سياسي للأزمة في سورية". وفي معرض حديثه عن أهمية توصل أطراف الصراع إلى حكومة انتقالية قال كيري في اليوم المذكور: "إن الرئيس الأسد ينبغي أن لا يكون جزءا من هذه الحكومة الانتقالية". نلفت الى أن هذا الكلام الأمريكي جاء بعد لقاء كيري ـ لافروف في موسكو، اللقاء الذي وصفه المراقبون بأنه كان ناجحاً.

كسر قواعد اللعبة في سوريا: إما جنيف -2 أو حرب شاملة

فماذا وراء الأكمة حتى أخذ الأمريكيون في تغيير لهجتهم؟ لكن قبل ذلك من المفيد أن نتذكر أن واشنطن لم تكن على عجلة بعد أن فرغ أملها ممن تصفها بـ"المعارضة المعتدلة" في أن تكون بديلاً حقيقياً عن النظام الحالي، ثم ومع تنامي نفوذ "جبهة النصرة " بوصفها القوة الفعالة على الأرض في سوريا، تأكد لواشنطن أن الخيار الأنسب هو استنزاف طرفي الصراع بفوضى مفتوحة من قتال دامٍ. وفي هذا السبيل ولكي تبقى عجلة الفوضى على دورانها ظلت أمريكا تمنِّي المعارضة بالوعود، حتى بعد لقاء موسكو! ووفقاً لعبارات مدروسة: حظر الأسلحة المتطورة للمعارضة خشية وقوعها بيد القاعدة، مع دعم لوجستي واستخباري لها متى أخذت الكفة تميل لمصلحة الجيش السوري؛ تبديد أي مخاوف لدى المعارضة عبر إغداق الوعود التي تؤكد جديّة الغرب في إزاحة الأسد تولاها الكومبارس الفرنسي والبريطاني الذي كان يتحدث مع المعارضة عن الجهود المبذولة "لإقناع باقي الشركاء الأوروبيين" لرفع حظر تزويدها بأحدث بالأسلحة! فيما كان الإيعاز الأمريكي (للحلفاء) الخليجيين هو في دفع المال كنوع من المسكّنات للحفاظ على الروح المعنوية للميليشيات المعارضة! الحال ذاتها مع معارضات الخارج التي تبدى الانهيار في معنوياتها بانكفاء العديدين منسحبين من صفوفها أمثال سهير الأتاسي، وليد البني، كمال اللبواني ومروان حاج رفاعي ويحيى الكردي وأحمد العاصي الجربا ويحيى الكوري وغيرهم وغيرهم من قائمة طويلة، فيما أخلى معاذ الخطيب (الساحة) مستقيلاً بعد أن أدرك أن (محله من الاعراب) لا يتعدى المفعول به أو الاسم المجرور بحرف جر!!!.

ماذا حدث حتى غيرت أمريكا خطابها لتعيد حساباتها بسرعة وبشكل ملحوظ وخلال فترة زمنية قصيرة؟! والجواب عن ذلك أن قواعد الاشتباك قد اخذت تتغير. روسيا تعلن أنها ستزود سوريا بصواريخ أس أس 300، أو زودتها بها... يُقال إن المنطقة الساحلية باتت مغطاة بها. سوريا من جهتها تسلم حزب الله "سلاحاً كاسراً للتوازن"، وهو أمرٌ لا يمكن أن تقدم عليه القيادة السورية من غير موافقة الجهة المصنعة أي روسيا؛ وتلك رسالة لها مدلول كبير. بالإضافة إلى ما سبق قدم سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الذي ألقاه بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس إذاعة النور، حزمة من المفاجآت وهي أيضاً من النوع الكاسر لقواعد الاشتباك وهذه عناوينها:

1ـ حزب الله مطمئن لقدراته في ردع العدو عن أي مغامرة باتجاه لبنان، وهو ينقل بعض مقاتليه إلى سوريا، وبالأخص منطقة القصير الإستراتيجية. للتذكير هنا نلفت الى أن سيد المقاومة ألمح إلى هذا الأمر وفهمه كل المتابعين لخطابه في المناسبة المذكورة، وذلك قبل أن يعلنه صراحة وبوضوح في خطابه في عيد التحرير، بل لعل الجديد في هذا الأمر جاء في الإشارة للمدة الزمنية التي مضت على مشاركة مقاتلي المقاومة في القتال الدائر في سوريا . ـ"منذ عدة أشهر"ـ . هذه المشاركة التي قلبت موازين القوى رأساً على عقب.

2 ـ المقاومة تعلن دعمها للمقاومة في الجولان تدريباً، وعن مشاركة مباشرة، وهي في هذا قد التقطت طرف الخيط بعد أن أعلن الرئيس الأسد خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني "أن الجولان سيصبح جبهة مقاومة". من الصحيح أنه تلا هذا التصريح إعطاء ضوء أخضر للهيئة الشعبية لتحرير الجولان لتشكيل كتائب مسلحة، لكن اللافت ما كشف عنه علي اليونس عضو اللجنة المركزية للهيئة المذكورة قبل أيام من أن الهيئة "ستنسق مع حزب الله في هذا المجال لمواجهة الكيان الغاشم لأن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة".

بناءً على ما سبق فإن دخول مقاتلي حزب الله إلى ساحات المواجهة في سوريا يتخطى التصدي للقوى التكفيرية ليصل إلى خربطة اللعبة من أساساتها!! أي نقل المعركة من القصير لتصل الى مشارف هضبة الجولان. محلل الشؤون العسكرية الإسرائيلية في صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية يقول "عندما قال الأسد هذا‏..‏ استقبل المسؤولون الإسرائيليون ذلك بالسخرية‏.‏ لكن عندما يوجه الأسد ونصر الله نفس التهديد فينبغي أن يؤخذ على محمل الجد". وأضاف يمكن أن يبدأ حزب الله في العثور على موطئ قدم على الحدود السوريّة ـ الإسرائيلية التي تتسم بالفوضى في غياب حكومة مركزية في دمشق.‏

بناءً على كل ما سبق باتت أمريكا و(حلفاؤها) الغربيون أميَلَ لحل سلمي في سوريا. غير أن هذا سيضع أمريكا أمام سؤال كبير: كيف يمكن اقفال الملف السوري مع وجود الأسد؟! أما العودة إلى البدء فقد باتت صعبة مع كسر قواعد اللعبة كما أسلفنا، والعودة إلى المربع الأول قبولاً بالأسد ستفقد أمريكا هيبتها، ومصداقيتها، وستضع حلفاءها في أصعب الحالات.. هل هذا الاستعصاء ينتظر أمراً ما في "جنيف ـ 2"؟؟! أو حرباً على جبهة واسعة؟!!. السيد وعد بالنصر كما وعَدَنا به على أبواب حرب صيف 2006... وَعَدَ وصَدَقَ.
(كاتب من لبنان)
2013-05-27