ارشيف من :آراء وتحليلات
التمديد في مواجهة التحديات الاقليمية
بعد اقرار التمديد لمجلس النواب وبعد الطعن الدستوري به، يواجه لبنان خطرين مباشرين على الاقل:
الخطر الأول : تدهور الوضع الأمني: في ظل احتدام المعارك في سوريا، تتضاعف الھواجس لدى الأجھزة الأمنية في شأن بدء تنفيذ أعمال إرھابية في لبنان .
وتؤكد المصادر الأمنية المعنية، أن "ساعة الصفر مرتبطة باستكمال الترتيبات العسكرية التي يجري ترتيبها في بعض المخيمات الفلسطينية والاحياء التي تشهد سيطرة متسارعة للمنظمات التكفيرية التي يغدق عليها المال الخليجي ومساعي حثيثة لتوحيد صفوفها لتجاوز خلافاتها وتناقضاتها.
والخطر الثاني: الفراغ السياسي المؤسساتي. ففي الحالتين:
الأول بقاء حكومة تصريف الأعمال لتمرير تمويل المحكمة الدولية ودفع لبنان حصته من موازنتھا وفق الطريقة التي اتبعتھا سابقا. وتسهيل صفقة النفط مع واشنطن بعد ان أبلغت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي مسؤولين التقت بھم أن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة أموس ھوكستين تسلم ملف النفط في لبنان وترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. والدبلوماسي ھوكستين ليس غريبا عن الملف النفطي والخلاف مع إسرائيل، وھو كان زار لبنان قبل مدة والتقى مسؤولين لبنانيين وحثھم يومھا على المضي في إنجاز ملف المناطق البحرية غير المتنازع عليھا، وعدم انتظار بت الخلاف مع إسرائيل وإضاعة الوقت. وأكد ھوستين خلال زيارته أن التقارير الفنية والمسوحات أظھرت وجود كمية كبيرة من النفط وشجع على البدء باستثمارھا تدريجيا.
والثاني ھو أن يسرع تمام سلام في تشكيل حكومة من دون أي شروط مسبقة . ومن الأفضل أن يبدي سلام انفتاحاً تاماً على مختلق الاطراف لأن الضرورة الملحة ھي استعادة الرابط المؤسساتي الحكومي للبلد فالحكومة المثالية لن توجد في لبنان، ولن تكون إلا حكومة يتخذ القرار فيھا بالتوافق لأن غير ذلك مستحيل في الوضع الراھن . وغياب الحكومة يعني غياب القرارات المالية وھذا كارثة للبنان.
من جهة اخرى توقعت أوساط مطلعة أن ينصرف المجتمع الدولي الى الضغط على لبنان لعدم إشراك حزب الله في الحكومة العتيدة.
وفي المعلومات أن عدداً من القيادات اللبنانية، وحتى تلك المنضوية تحت لواء قوى 14 آذار، أبلغت سفراء الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية عدم معارضتھا استبعاد حزب لله من الحكومة مقابل ضمانات دولية بحماية لبنان في حال حصول حوادث أمنية فيه على نطاق واسع أو تكرار 7 أيار 2008 . كذلك فإن الرئيس المكلف تبلغ مجدداً تحذيراً جديداً من تأليف حكومة "أمر واقع" خاصة بعد إقرار التمديد.
قالت مصادر واسعة الاطلاع إن بعض المسؤولين اللبنانيين تبلغوا عتبا دبلوماسيا أميركيا وأوروبيا لانهم لم يتفھموا بعد الأسباب الموجبة التي دفعت الى التمديد لھذه الفترة التي وصفوھا بأنھا طويلة .
وقالت مصادر دبلوماسية في بيروت إن مرحلة ما بعد التمديد للمجلس النيابي ستجعل لبنان يواجه فتورا دوليا في التعاطي معه. وأضافت أن واشنطن وافقت في اللحظة الأخيرة على التمديد مع إبداء ملاحظة ومفادھا أنھا لا تغطيه سياسيا وأنھا باتت تميل الى فشل الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان .
وأكد مسؤول في الإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة تتابع منذ شھور تطورات الجدل الانتخابي في لبنان، وأن عدم نجاح الأفرقاء في ايجاد أرضية مشتركة أمر مخيب للأمل، خصوصا مع توجه ھذا البلد نحو حالة خطيرة من عدم الاستقرار.
مشهد التمديد وتداعياته ترافقت مع مستجدات اقليمية لها انعكاسات استراتجية على الوضع اللبناني منها :
اولا : أبرز ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد في إطلالته عبر قناة "المنار" أن تحولا حصل في موازين القوى على الأرض، وأن دمشق تسلمت أول دفعة من منظومة صواريخ "إس 300 " من روسيا.
مسألة الصواريخ الروسية أثارت اھتمام إسرائيل أكثر من أي شيء آخر إذ اجتمع وزير الشؤون الاستراتيجية والعلاقات الدولية في الحكومة الإسرائيلية، يوفال شتاينيتس ، مع سفير روسيا في تل أبيب، سيرغي ياكوفليف، لمناقشة تداعيات الصفقة الروسية ومخاوف إسرائيل من احتمال وصول صواريخ نوعية مضادة للطائرات إلى حزب لله في لبنان وقالت صحيفة "ھآرتس" أن إسرائيل تعرف أن روسيا ستزود ھذه المنظومة الصاروخية لسوريا "عاجلا أو آجلا"، ولذلك وضعت خطا أحمر جديدا لھا، وھو أن تصل إلى سوريا ولكن تبقى في المخازن ولا تنصب لمواجھة الطائرات الإسرائيلية.
ولم تكشف تل ابيب عن خطها الاحمر مع لبنان وسوريا لمواجهة الانقلاب الاستراتيجي في المنطقة .
ثانيا : تتحدث مصادر عن تفاهم عقدته جماعة الإخوان المسلمين المصرية مع إيران يقضي بتراجع القاھرة رسميا عن مطالبتھا برحيل بشار الأسد كشرط لأي تسوية، والموافقة على تشكيل حكومة جديدة لحل الأزمة السورية.
المصادر نفسھا أكدت أن مرسي حصل على وعد من طھران بدعمه اقتصاديا، وتعزيز علاقته مع موسكو مقابل ذلك، وأن مرسي أوفى بوعده لطھران وأعاد السفير المصري الى دمشق الذي كان سحب تطبيقا لقرارات مجلس وزراء خارجية الدول العربية.
وهذا الاتفاق يخلط الاوراق في البيت العربي وله انعكاسات على الساحة اللبنانية .
ثالثا : تحفظ فلسطيني على مبادرة كبرى لاستئناف المفاوضات:
كشفت مصادر أميركية دبلوماسية أن إدارة الرئيس باراك أوباما قامت بإعداد خطة للتوصل إلى سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكنھا لم تكشف عن تفاصيلھا وبنودھا حتى الآن، ، كما كشفت عن أن مبادرة كيري، الذي زار المنطقة، لعقد مؤتمر قمة رباعية في عمان بمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياھو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والعاھل الأردني الملك عبد لله الثاني وممثل عن الإدارة الأميركية، فشلت، ذلك أن عباس أبلغ كيري رفضه القاطع للمشاركة في القمة الرباعية المقترحة.
وكشف مصدر فلسطيني مطلع "بأننا على استعداد للعودة للمفاوضات في حالة من اثنتين: إما تجميد الاستيطان الإسرائيلي، وإما في حال قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي خارطة الانسحاب الى حدود 1967 لقيام الدولة الفلسطينية، حيث إن جون كيري فشل في إيقاف المستوطنات.ووفق المصدر، فإن كيري لم يبلور مبادرته بشكل نھائي بعد ولم يتسلم أجوبة من إسرائيل على وقف الاستيطان بشكل كامل.
وذكر المصدر بأن كيري يعمل لتفعيل السلم الاقتصادي بمشاريع بقيمة 4 مليارات دولار في المجالات كافة منھا: التصنيع السياحي، الطاقة، الاتصالات، الزراعة وغيرھا، وذلك يزيد الناتج المحلي ويحسن الوضع الاقتصادي بحوالي 50 % وتنخفض البطالة .
الرفض الفلسطيني ينطلق من أن الاقتصاد لوحده لا يمشي، بل الاقتصاد والسياسة معا. ولأن مشاريع تصفية المسألة الفلسطينية مستمرة ، يتوقع المراقبون أن تشهد الساحة اللبنانية تداعيات خطيرة لارتباطها بالتوطين والضغط على القرار الفلسطيني وتوريطه بمعارك جانبية لضرب الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة في لبنان معا .
في الخلاصة : يتجه لبنان (إن لم يصبح بعد) ليصبح دولة فاشلة غير قادرة على مواجهة التحديات الاقليمية المتكاثرة .