ارشيف من :آراء وتحليلات
الانعكاسات الاجتماعية والسياسية للازمة الاقتصادية في اوروبا
وصلت نسبة البطالة في ايطاليا الى معدل قياسي بسبب الأزمة. وأصبحت ايطاليا تحتاج الى 63 سنة كي تستعيد حجم أماكن العمل التي خسرتها بسبب الأزمة الاقتصادية. وهذا يعني ان الشـَغالة في البلاد سنة 2076 ستكون هي ذاتها كما كانت سنة 2007 ـ حوالى 5.5%، او قريبا من "الحد الادنى الصحي" لاقتصاد يعمل بشكل جيد. وفي الوقت ذاته يحتاج الاقتصاد إلى 13 سنة كاملة، ليعود الى انتاج الناتج الداخلي القائم ذاته الذي كانت تنتجه البلاد في السنة السابقة للأزمة. وأكثر ما يدعو الى اليأس هو ان الايطاليين لن يستطيعوا بعد الآن استعادة القدرة الشرائية العالية التي كانوا يمتلكونها سنة 2007. وهذه التوقعات المحبطة للمستقبل الاقتصادي لإيطاليا وردت في دراسة قامت بها أكبر نقابة ايطالية وهي "الكونفيديرالية العامة للعمل".
وقد وضع التحليل على اساس "صورة" دقيقة للوضعية الاقتصادية الحالية للدولة، وذكر واضعو الدراسة ان الأزمة في البلاد هي اكثر كثافة مما هي في البلدان الصناعية الأخرى. وأكثر ما يقلق خبراء النقابة هو وضع البطالة في صفوف الشبان حتى الـ 25 سنة من العمر، والتي وصلت الى نسبة 42% وهي تمثل قنبلة موقوتة حقيقية. وفوق هذه السن فإن الشـَغالة تنهار بسرعة ايضا، وقد انخفضت بنسبة 9.5% فقط في الفترة ما بين اذار 2012 واذار 2013. وهناك معطى غير مريح آخر وهو انخفاض الناتج الداخلي القائم خلال سنة 2013 بنسبة 8.1%، اي اكثر بـ 3.0% من التوقع الذي أجرته "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" الاوروبية والذي كان ينص على انكماش بنسبة 5.1%.
صدامات في المانيا بين الشرطة والمتظاهرين
وكل هذه المعطيات والتوقعات غير المريحة تحكم إيطاليا بالوقوع في حالة افقار حقيقي، كما يؤكد الاقتصاديون النقابيون.
واللافت للنظر ان هذه الاستنتاجات التي طرحتها دراسة "الكونفيديرالية العامة للعمل" تنطبق تماما مع الاستنتاجات التي طرحها مدير البنك المركزي الايطالي ايغناسيو فيسكو. فقبل أيام اكد فيسكو أنه فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، فإن ايطاليا خسرت حرفيا 25 سنة بسبب عدم تحقيق الاصلاحات وعدم تنفيذ الوعود التي تقدم بها السياسيون.
وتضامنا مع هذا الرأي، يقول خبراء النقابة الأكبر في البلاد، إنه لاجل انقاذ الوضع بأسرع ما يمكن، ينبغي ان يتم تحضير وتنفيذ برنامج وطني استثنائي لأجل التنمية الاقتصادية. وان يتم التأكيد في هذا البرنامج على ضرورة القيام بالتوظيفات الحكومية والخاصة في قطاعات الابتكارات والمصالح ذات المنفعة العامة. وحسب تقديرات "الكونفيديرالية العامة للعمل" فإن مثل هذا البرنامج ينبغي ان يحظى بتأييد القوى السياسية الاساسية.
انريكو يعتذر للشباب في ايطاليا
هذا ونص رئيس الوزراء انريكو ليتا رسالة الى الشباب، نشرتها جريدة "ستامبا"، وهو يعتذر فيها من الشباب الايطاليين بأنهم سيكونون "ملزمين ان يهاجروا"، بسبب الركود العميق، الذي اصاب ايطاليا. وقدم ليتا اعتذاراته باسم "الطبقة السياسية، التي منذ وقت طويل تعطي الانطباع بأنها لا تفهم انه بكلماتها، وأفعالها وأخطائها، قد سمحت بأن يتم تبذير هذا القدر الكبير من المشاعر، التضحيات والقدرات". "والواجب الاكبر، الذي نحن على طريق الاضطلاع به، ومع تكرار اخطاء الاجيال التي سبقتنا، فنحن نضطلع به حيال الشباب، وهذه كانت غلطة لا تغتفر". كما جاء في رسالة ليتا التي كتبها جوابا على مقال افتتاحي لجريدة "ستامبا" يتحدث عن العديد من الشباب الموهوبين الذين غادروا "بلادا في طور الاحتضار، بلا امل وبلا مستقبل". ونشرت "ستامبا" تحت رسالة رئيس الوزراء مقالا تشير فيه انه في السنوات العشر الماضية فإن نزيف الادمغة قد شمل 316000 ايطالي شاب، استقروا بشكل رئيسي في المانيا، بريطانيا، فرنسا واميركا. وأكد ليتا في رسالته ان "اولوية الحكومة" هي بشكل خاص مصير الشباب.
صدامات مع الشرطة في فرانكفورت بألمانيا
هذا وقامت في مدينة فراكفورت بألمانيا مظاهرة كبرى امام مقر "دويتشي بنك". وقد استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد آلاف المتظاهرين الذين تجمهروا في وسط العاصمة الاقتصادية لالمانيا فرانكفورت، للتعبير عن استياء الاوروبيين من سياسة التقشف وشد الاحزمة التي وضعها الاتحاد الاوروبي بسبب أزمة المديونية. ولم يعلن عن وقوع جرحى، ولكن المسيرة التي توجهت نحو البنك المركزي الاوروبي تم توقيفها عدة مرات من قبل الشرطة.
وقد جرت هذه المظاهرة الاحتجاجية بمناسبة الذكرى الـ 15 لتأسيس البنك المركزي الاوروبي. وجرت مظاهرات مماثلة في البلدان الاوروبية الجنوبية التي طالتها الازمة اكثر من غيرها، ولا سيما في البرتغال واسبانيا. وتقول مصادر الشرطة ان عدد المشاركين في مظاهرة فراكفورت بلغ 7000، في حين يؤكد منظمو المظاهرة ان العدد بلغ 20000.
من التظاهرات في ايطاليا
وبعد أربعة ايام من المظاهرة الاولى جرت مظاهرة اخرى شارك فيها 5000 متظاهر. وقال رونالد زوس، احد منظمي المظاهرة، اننا نريد ان نقول ان سياسة البنك المركزي الاوروبي و"الترويكا" لا تمثل حلا. و"الترويكا" المقصودة هي: الاتحاد الاوروبي، صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوروبي. وعبر المتظاهرون عن معارضتهم لتشديد دور البنوك، و"إملائية" انجيلا ميركيل حيال سياسة الخروج من الازمة والسياسة الاقتصادية غير الفعالة.
هذا وقد تناقضت المعطيات حول عدد المعتقلين في المظاهرة الاولى. فالشرطة تقول ان العدد يتراوح بين 200 و400 من النشطاء، في حين يتحدث منظمو المظاهرة عن توقيف 1000 شخص. وتؤكد الشرطة ان المتظاهرين ارتكبوا "العديد من المخالفات القانونية" وإنهم تصرفوا بشكل استفزازي. وكانت الشرطة طلبت من المتظاهرين تسليم مواد "تحتمل الخطر" ومنها قنابل دخانية وزجاجات تحتوي مواد قابلة للاشتعال. وقد اوقفت الشرطة مسيرة المظاهرة وحاولت تقسيمها الى عدة اجزاء، وهذا ما اثار غضب المتظاهرين، وحينذاك تم استخدام القنابل المسيلة للدموع.
ونظمت هذه الاحتجاجات حركة جديدة اطلقت عليها تسمية "بلوكوباي" (حاصر واحتل) المعادية للرأسمالية. وبدأت الاحتجاجات ضد تقليص النفقات الحكومية في منطقة اليورو.
*كاتب لبناني مستقل