ارشيف من :آراء وتحليلات
السد الاثيوبي... بين الصراع والتعاون
القاهرة ـ مروى محمد
تعتزم أديس أبابا إقامة "سد النهضة" على أحد روافد نهر النيل في الأراضي الاثيوبية في إطار خطة لتوليد الطاقة الكهرومائية ودعم التنمية الزراعية للخروج من أزمات الجفاف وحال الفقر في البلاد، في وقت ترى القاهرة أن الخطة الاثيوبية ستؤثر سلباً على حصة مصر من مياه النهر وسط أنباء عن مساع سودانية حثيثة مع كل من الجار الشمالي والجنوبي لايجاد حل شامل لأزمة السد.
سد النهضة الاثيوبي
مصادر مطلعة كشفت عن وجود اتصالات مكثفة لاستضافة قمة ثلاثية في الخرطوم تضم الرئيسين المصري والسوداني محمد مرسي وعمر البشير، ورئيس الوزراء الإثيوبي، هيلي ماريام دسالنج ووزراء خارجية الدول الثلاث وسط موافقة أديس أباب المبدئية.
والجدير بالذكر أن هذة الأزمة ليست وليدة اليوم وإنما تعود لسنوات، وقد تكررت أكثر من مرة، ومنها محاولة جس نبض مصر تجاه بالونات اختبار اقامة أي سدود على حوض النيل، ولكن ما جعل الأمر خطيراً أن تتحول بالونات الاختبار إلى تطبيق عملي حيث احتدم الجدل مع إعلان أديس أبابا في الـ28 من أيار/مايو الماضي تحويل مجرى نهر النيل الأزرق مؤقتاً، الإجراء جزء فني من عمليات إنشاء سد النهضة أو الألفية، وقد بدأت الأشغال فيه قبل عامين ويفترض أن تنتهي عام 2017 حيث سيجعل السد الكهرومائي من أثيوبيا أكبر بلد إفريقي منتج للطاقة الكهربائية، وسينتج سد النهضة وحده نحو ستة آلاف ميغاوات.
ولا يختلف أحد على أنه لا يقل أمن المياه أهمية عن الأمن القومي حيث إن التفسير المصري لمفهوم الأمن القومي لم يعد قائمًا على الجانب الإستراتيجي وحده بل امتد ليواكب ويتلاءم مع الأمن المائي، ولقد كانت المياه محلاً للصراعات منذ أمد بعيد، فلقد كانت بداية تمثل صراعاً على مياه البحار نظرًا لأهميتها في مجال التجارة وتوزيع مناطق النفوذ إلاّ أنه ظهر مؤخراً على المسرح العالمي أن المياه العذبة هي محل الصراع القائم، بعد أن تم حسم الصراع على المياه المالحة (بحار ومحيطات بموجب اتفاقيات عقدتها الدول بين بعضها البعض).
ويعتبر عقد التسعينيات هو عقد الصراع على موارد المياه، وفي منطقة الشرق الأوسط حيث المصادر المحدودة للمياه والتي تتركز في أحواض الأنهار الرئيسية مثل نهر النيل، ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم وخاصة عقد التسعينيات تزايدت معدلات التنمية، ومن ثم تزايدت الحاجة الى الموارد وخاصة الطبيعية منها، وتأتي في مقدمتها المياه، التي أصبحت سلعة إستراتيجية نظراً لعدم وجود بدائل لها في الوقت الذي يوجد للطاقة بدائل أخرى، ومن ثم فقضية الحفاظ على الموارد المائية وتعظيم الاستفادة منها تتصدر قضايا الأمن القومي وتزداد حدة في تلك الدول التي تقع منابع مصادرها خارجها، وبالتالي عدم القدرة على السيطرة عليها ومن بينها مصر. فمصر تعتمد على المياه الى درجة انه من دون اعتمادها على مياه نهر النيل تصبح مصر صحراء جرداء، وتشارك مصر في نهر النيل تسع دول وهي السودان وأثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وراوندا وبوروندي والكونغو.
وتتفاوت هذه الدول من حيث اعتمادها على مياه نهر النيل حيث تعد مصر الأكثر اعتماداً على مياهه، ولذلك كان طبيعياً أن يمتد مفهوم الأمن المائي إلى المنابع الرئيسية في حوض النيل ليعتبر أي عمل يجري في هذا الحوض يهدف للتأثير على حصة مصر المائية المقررة سنويًا وهي 55.5 مليار م3 عملاً يمس الأمن القومي المصري بشكل مباشر. ومع التسليم بوجود اتفاقيات قانونية تنظم حصول مصر على حصتها المقررة سنويًا، وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي تمّت من خلال التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم منذ نهاية الثمانينيات والتسعينيات، فإن مصر تواجه تحديًا حقيقيًا وهو دخول فاعلين جدد إلى منطقة حوض النيل ("إسرائيل" والولايات المتحدة والبنك الدولي) وما أطلقه من مفاهيم جديدة منها تسعير المياه وخصخصة المياه وبورصات المياه، بما قد يعنيه من نشوء صراع بين تلك الدول خلال السنوات المقبلة إذ يمكن أن تخرج القضية عن النطاق الإقليمي ويصبح للأطراف الخارجية دور تجاهها ومن ثم ظهور أعباء إضافية على عاتق صانع القرار المصري وتهديد للأمن القومي المصري. وتلعب القوى الخارجية دورًا فاعلاً ومؤثرًا في أنشطة وتفاعلات النظم الإقليمية وذلك من خلال تأثيرها في أنماط تفاعلات النظم الإقليمية ويتجلى الدور الذي تمارسه القوى الخارجية في نمط تفاعلات النظم الإقليمية في أحد أمرين، فقد تلعب دورًا منشئاً لتلك التفاعلات وقد تلعب دوراً محفزًا لتلك التفاعلات.
ومن ثم سوف ننطلق في تحليل محددات الصراع في حوض النيل ومعرفة ما إذا كانت داخلية بالأساس، أم أنها تنتج من محددات خارجية واستنتاج دور القوى الخارجية المؤثرة في الصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل وما تتركه هذه القوى من تداعيات على العلاقات بين مصر ودول حوض النيل، فقد توصل العلماء إلى أن مصر ستفقد 17 مليار متر مكعب خلال فترة انشاء السد وبعدها ستفقد مليار متر مكعب من نصيبها سنوياً، وبالتالي ستكون الآثار المترتبة على انشاء سد النهضة مرحلية، ولكن لا بد من العمل الجاد على زيادة الايراد المائي لمصر وهناك فرصة عظيمة لذلك من خلال التعاون مع اوغندا التي تتحكم في البحيرات الاستوائية.
ويقول الدكتور هانى رسلان، رئيس وحدة حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن "الطريقة التى تتعامل بها أثيوبيا فى محاولتها خداع مصر، وخداع الرأي العام الإقليمي والدولي، بحركة استباقية بإنشاء سد النهضة، وتحويل مجرى نهل النيل، من دون أن تعبأ بانتظار تقرير اللجنة الثلاثية، التى كونتها أثيوبيا، إنها طريقة خشنة فى التعامل غير معهودة فى العلاقات الدولية".
وأضاف رسلان أن "أثيوبيا قامت بحركة مقصود بها إحراج مصر الدولة والرئاسة، والاستخفاف بها؛ وذلك بعد يومين من زيارة الرئيس محمد مرسى للاتحاد الإفريقى؛ ما يوضح أنها تسعى لأغراض سياسية واستراتيجية، وأنها تستند لقوة من خارج الإقليم تدعمها بتنفيذ هذا المخطط".
وأكد رسلان على وجود الدور الإسرائيلي غير المباشر، موضحاً إنه "دور محرض، و"إسرائيل" لها مصلحة في خلق أزمة في حوض النيل وأن تشتعل أزمة المياه بين دول الحوض، ومصلحتها تتمثل في جعل مصر محاصرة طوال الوقت ومشغولة بمشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنكفئة على ذاتها ومقيدة إقليمياً، أما الهدف الخفي فيتلخص في رغبة "إسرائيل" بموافقة دول حوض النيل على إمرار كمية من المياه التي تقتطع من حصص دول المنابع للأراضي الإسرائيلية عبر سيناء، وهو ما يمثل خطراً على الأمن القومي المصري".
وأضاف"أزمة المياه التي تواجهها مصر لها شقان، شق متعلق بأزمة اتفاقية «عنتيبي» وعدم التوقيع الذي يخلق وضعاً غير مريح لكنه لا يمثل خطراً في المدى المنظور، بينما الشق الثاني من أزمة المياه متعلق بمشكلة السدود مع أثيوبيا، وهو الوضع الأكثر خطورة بالنسبة لمصر لأنها تمثل 90 % من الخطر، وخاصة أن سد النهضة تم تغيير تصميماته حتى الآن 3 مرات".
من ناحية أخرى، فقد أعلنت جنوب السودان بأنها ستطالب بحصتها من مياه النيل التي تحصل عليها، والمقدرة بـ18.5 مليار متر مكعب، حيث لم يكن لها حصة محددة من مياه النيل، لأنها كانت جزءاً من السودان عند التوقيع على اتفاقيات اقتسام مياه النيل لعامي 1929 و1959، وبعد استقلالها لم تحدد لها حصة واضحة من مياه النيل.
ويذكر أن مصر لم توقع على الاتفاقية الإطارية ما لم تنصّ صراحة على ضمان حصتها من مياه النيل، إلا إذا أصبحت شروطها ملائمة، معتبراً أن الاتفاقية من دون توقيع القاهرة والخرطوم لا جدوى لها.
ووقعت خمس دول حتى الآن من دول حوض النيل على هذه الاتفاقية، وهي: "أثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا"، وهي الترجمة غير الرسمية للاتفاق الذي لاقى رفضاً من دول المصبّ (مصر والسودان)، لأنه ينهي الحصص التاريخية للدولتين (55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان)، بعدما نص الاتفاق الذي وقع في مدينة عنتيبي الأوغندية على أن مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول، بأن تنتفع دول مبادرة حوض النيل انتفاعاً منصفاً ومعقولاً من موارد مياه المنظومة المائية لنهر النيل، على وجه الخصوص الموارد المائية التي يمكن تطويرها بواسطة دول مبادرة حوض النيل وفق رؤية لانتفاع معقول.
ويؤكد رئيس حزب التجمع المصري السيد عبد العال أن مصر تعاني حالياً من فقر مائي خطير، فبعد أن كان نصيب الفرد من المياه فى مصر 1000 متر مكعب سنويا عام 1993، وهو الحد الأدنى الذى يعد النزول عنه معياراً للفقر المائي، انخفض نصيب الفرد إلى 900 متر مكعب سنوياً من المياه عام 1997، ثم إلى 750 متر مكعب عام 2008 ويتوقع وصوله إلى 550 مترا مكعبا فقط عام 2025 لتدخل مصر مرحلة قحط ومجاعة مائية.
ويقترح عبد العال للخروج من هذة الأزمة ان تتم الدعوة لذهاب وفد شعبي لزيارة أثيوبيا وإجراء حوار على المستويين الشعبي والرسمي، وأن تكون الكنيسة المصرية طرفا رئيسا فى هذا الوفد، وكذلك خبراء المياه، وسوف يساند هذه الإستراتيجية تشكيل مجلس وطني للمياه يضم المسؤولين عن موضوع المياه في الحكومة والخبراء ومراكز البحوث المختصة والمنظمات التنموية، وكافة الأطراف الوطنية المهتمة بقضية المياه.
ويضيف عبد العال أنه "في ضوء ذلك تدعو الأمانة العامة لحزب التجمع الأحزاب والقوى السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني لتوحيد جهودها للضغط على الحكومة المصرية لنبني إستراتيجية جديدة تقوم على التعاون والتنسيق مع الدول الإفريقية عامة ودول حوض النيل خاصة بما يحقق المصالح المصرية ومصالح هذه الدول معاً، آخذين فى الاعتبار أن نهر النيل من الأنهار القليلة فى العالم المستقر تصنيفها على كونه نهرا دوليا، فهو يخترق 10 دول.