ارشيف من :آراء وتحليلات

بعض العرب، عندما يشحذون سيوفهم تحت مظلة الحظر الجوي الأميركي المزعوم...

بعض العرب، عندما يشحذون سيوفهم تحت مظلة الحظر الجوي الأميركي المزعوم...
نقلت وسائل الإعلام تصريحات لديبلوماسيين أميركيين كانوا في زيارة لتركيا مفادها أن واشنطن تفكر بفرض منطقة حظر جوي في جنوب سوريا. وبعد أقل من ساعتين، صدرت تصريحات مضادة عن كبار السياسيين والعسكريين الأميركيين ركزت على "صعوبة" فرض تلك المنطقة.

وبالطبع، فإنه من غير المهم التوقف عند هذه الأنواع من التصريحات التي دأب المسؤولون الأميركيون على إطلاقها تجسيداً لموقف واشنطن التي تسعى ـ منذ بداية حربها على سوريا ـ لكسب هذه الحرب من دون أن تبذل نقطة دم واحدة، ما دام أن عرباً كثيرين يبدون استعدادهم، عن وعي أو من دون وعي، لهدر شلالات من الدم لا وظيفة لها غير تسهيل عبور سفن المشروع الصهيو ـ أميركي في المنطقة.

لكن المهم هو أن عرباً كثيرين بينهم رؤساء وملوك ودعاة دينيون سمعوا التصريحات التي تحدثت عن التفكير الأميركي بفرض منطقة الحظر الجوي فالتهبوا حماسة وشرعوا بشحذ سيوفهم شوقاً إلى الشروع بممارسة رياضتهم المشتهاة في الذبح والنحر وسحق الجماجم والتهام قلوب الضحايا وأكبادهم. وكل ذلك للاستفادة القصوى من الفرص التي يسمح بها الحظر الجوي الأميركي.

بعض العرب، عندما يشحذون سيوفهم تحت مظلة الحظر الجوي الأميركي المزعوم...
مرسي يطلب من واشنطن فرض جظر جوي على سوريا !

لكن انهماكهم بشحذ السيوف والتلذذ بتخيل أنفسهم وهم يذبحون وينحرون ويرتكبون الفظائع، لم يسمح لهم بأن يسمعوا التصريحات الأميركية عن "صعوبة" فرض منطقة الحظر الجوي.

من لبنان ومصر والكويت وقطر وغيرها، انطلقت على الفور دعوات الدعاة إلى الجهاد في سوريا قتلاً وذبحاً ونحراً وتحطيماً للجماجم والتهاماً لقلوب الضحايا وأكبادهم. وبعد جهاد النكاح في سوريا، ظهر مفهوم جديد هو "السياحة الجهادية". بدلاً من السياحة الاعتيادية التي يرفه بها السياح عن أنفسهم بين الفنادق وشواطئ البحار وقمم الجبال والمتاحف والملاهي، هنالك ترفيه أرقى ولذة لا تدانيها لذة: الذبح والنحر وسحق الجماجم والتهام قلوب الضحايا وأكبادهم. وكل ذلك ظناً منهم بأنهم يأوون إلى ركن متين هو واشنطن "الكلية القدرة".

ولم يقتصر الأمر على الدعاة الدينيين. بل تجاوزهم إلى كبار القادة السياسيين. من حيث الشكل، كان التضخم الصوتي هو القاسم المشترك بين خطبهم. أما من حيث المضمون، فكان القاسم المشترك أنهم أبرقوا وأرعدوا على سوريا ولكن أيضاً على شعوبهم.
لم يعتبروا مما حل برجب طيب أردوغان الذي عاش طيلة العامين الماضيين على تدشين حلمه العثماني بإعادة تحويل سوريا إلى ولايات تابعة لـ "بابه العالي" تحت أسماء دمشق وحلب وحمص، والذي انتهى به الأمر إلى الدخول في حرب مع شعبه بعدما ورط تركيا، بدلاً من تصفير المشكلات، في مشكلات أشدها وطأة عليه تجرؤه على سوريا.

لم يعتبروا مما حل به، لكن يبدو أن صوته الراعد وهو يهدد المتظاهرين متبختراً فوق منصة في أنقرة قد أخذ بمجامع قلوب بعض القادة العرب المنتشين بما يظنونه تدخلاً عسكرياً أميركياً وشيكاً في سوريا. لا ندري ما إذا كانوا قد تمرنوا أم لا، ولكن الحق يقال إن ضخامة أصواتهم كانت مميزة فعلاً، وإن كانت المضامين معروفة سلفاً.
بعض العرب، عندما يشحذون سيوفهم تحت مظلة الحظر الجوي الأميركي المزعوم...
ملك الاردن يعلن جهوزية جيشه للدفاع عن الاردن !
أبرزهم الرئيس المصري محمد مرسي. سارع إلى اعتلاء منبر في أحد ملاعب القاهرة ليطلب حظراً جوياً أميركياً فوق عرشه المهدد بالانهيار. إنه يسمع عبارة "ارحل" التي تتردد في هتافات أغلبية المصريين منذ وصوله إلى الحكم بأصوات من لا يرغبون بمبايعته إلا لقطع الطريق على الحكم العسكري. ويعرف كل ما تعانيه مصر من آلام لم ينجح إلا في مفاقمتها لشدة حرصه على التفرد والاستئثار بدلاً من إفساح المجال أمام اضطلاع الشعب المصري بحل مشاكله. ويعاني خصوصاً من "كابوس 30 حزيران/يونيو".

ولظنه الأصيل بأن الوصول إلى الحكم والبقاء فيه رهن برضى قوى الهيمنة، هو الذي يتباهى بصداقته الكبيرة مع شيمون بيريز، توهم أن الحظر الجوي الأميركي الذي لوحت به واشنطن فرصة ذهبية عليه استغلالها دونما إبطاء. زايد على واشنطن وأعلن قطع العلاقات مع سوريا، وقال بأن الجيش المصري جاهز للتدخل في سوريا. ولم يفعل بذلك غير التمهيد لزوال سلطانه.

الملك الأردني بدوره، رفع صوته وتكلم عن جهوزية جيشه لـ "الدفاع" عن الأردن، حيث تحتشد الجيوش الأميركية المفترض بأنها ستتدخل في سوريا.

لكنها لن تجرؤ على التدخل. وكيف تتدخل ما دام أن تصريحاً يطلقه ديبلوماسي أميركي من الدرجة الرابعة يكفي ويزيد لتوريط المزيد والمزيد من العرب في حرب على سوريا وظيفتها تسهيل عبور سفن المشروع الصهيو ـ أميركي في المنطقة؟
2013-06-18