ارشيف من :آراء وتحليلات

تحالفات سياسية جديدة في تونس للحد من ’هيمنة’ النهضة

تحالفات سياسية جديدة في تونس للحد من ’هيمنة’ النهضة
شهدت الانتخابات الأخيرة في تونس فوزا كاسحا لحركة "النهضة" التي باتت حزب الأغلبية الحاكمة في البلاد، ويعود سبب ذلك إلى غياب المنافسة الحقيقية من قبل أحزاب طرية العود بعد أن تم حل حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" أعرق الأحزاب التونسية ووريث حزب الاستقلال ،"الحر الدستوري"، الذي أسسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي سنة 1920 على أنقاض حركة "الشباب التونسي" التي تأسست في سنة 1906 وقادت النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وجدد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة هياكل هذا الحزب في سنة 1934 وسمي معه بالحزب "الحر الدستوري" الجديد، وانقض عليه بن علي سنة 1987 وتمكن من خلاله من حكم البلاد، تحت مسمى " التجمع الدستوري الديمقراطي"، الأمر الذي جعل شعبيته تتآكل ويدفع ضريبة سياسات بن علي ويتم حله بحكم قضائي أياما معدودات بعد الثورة.

تحالفات سياسية جديدة في تونس للحد من ’هيمنة’ النهضة

غياب "الدساترة"، كما يسمون في تونس، عن المشهد جعل حركة "النهضة" في طريق مفتوح للفوز بأول استحقاق انتخابي ما بعد الثورة. وكان من المتوقع أن تهيمن الحركة على المشهد السياسي لعقود قادمة لولا بروز الباجي قائد السبسي ومبادرته المسماة "نداء تونس" والتي أراد من خلالها تجميع أبناء "التيار الدستوري" ممن لم يتورطوا في الفساد مع بن علي مع شخصيات مستقلة تنتمي إلى يمين الوسط وبعض اليساريين والاسلاميين الليبراليين. وزاد قائد السبسي على ذلك فجمع أحزابا سياسية تحالفت مع حزبه تحت مسمى الاتحاد من أجل تونس.

الجبهة والاتحاد

وبذلك فقد باتت لتونس ثلاث قوى رئيسية هي النهضة وحلفاؤها في الحكم، "المؤتمر" و"التكتل" ومعهم بعض الأحزاب الصغيرة ذات المرجعية الدينية القريبة من "النهضة"، و"الاتحاد من أجل تونس" الذي يصنف ضمن يمين الوسط بقيادة قائد السبسي وهو شأنه شأن حركة "النهضة" من المدافعين عن الهوية العربية الاسلامية لتونس، و"الجبهة الشعبية" التي تجمعت في صلبها في وقت سابق أحزاب يسارية وقومية ذات توجه عروبي علماني. وذلك بالاضافة إلى أحزاب أخرى صغيرة لم تحدد بعد وجهتها ضمن التحالفات الجديدة التي تشهدها تونس في الآونة الأخيرة. وتدرك هذه الأحزاب أن مآلها التفكك والاندثار إذا لم تتكتل مع بروز هؤلاء "العمالقة" في الساحة السياسية في أرض الخضراء.

تحالفات سياسية جديدة في تونس للحد من ’هيمنة’ النهضة

وقد أدى اغتيال المحامي اليساري شكري بلعيد المنتمي إلى حزب "الوطنيين الديمقراطيين" وهو مكون رئيسي من مكونات الجبهة الشعبية إلى حصول نوع من التقارب بين "الاتحاد من أجل تونس" بزعامة قائد السبسي من جهة و"الجبهة الشعبية" من جهة أخرى، ضد سياسات حركة "النهضة" التي تم تحميلها من قبل هذه الجهات المسؤولية السياسية على اغتيال بلعيد، ودعت أطراف داخل هذين المكونين إلى تشكيل جبهة ديمقراطية تتصدى لما سموه الاستبداد الذي تؤسس له حركة "النهضة". واعتقد من قبل الغالبية العظمى من التونسيين أن هذه الجبهة لن تتشكل نظرا للاختلاف الايديولوجي بين قائد السبسي والدساترة المنتمين إلى يمين الوسط والأقرب عقائديا لحركة النهضة، وبين اليسار سواء كان شيوعيا أو اشتراكيا أو قوميا.

ترحيب

لكن زعيم حزب العمال الشيوعي حمة الهمامي (وحزب العمال الشيوعي هو فصيل هام داخل الجبهة الشعبية) دعا مؤخرا وبصورة رسمية وجدية إلى تكوين هذه الجبهة الديمقراطية. ورحب بدعوته قادة الاتحاد من أجل تونس وأهمهم الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس وأحمد نجيب الشابي رئيس "الحزب الجمهوري" وسمير الطيب القيادي البارز في حزب "المسار الديمقراطي"، والغاية المعلن عنها هي تحقيق التوازن في الحياة السياسية وعدم ترك الساحة لحركة "النهضة" لتتصرف بصورة منفردة مع حلفائها في إدارة شؤون البلاد. ومن المنتظر أن تشهد الأيام القادمة اجتماعات بين قادة الاتحاد من أجل تونس و"الجبهة الشعبية" للتنسيق من أجل الوصول قبل الانتخابات القادمة إلى الاعلان عن الجبهة الديمقراطية.

تحالفات سياسية جديدة في تونس للحد من ’هيمنة’ النهضة

وما يمكن الاشارة إليه أن حزب نداء تونس بزعامة قائد السبسي الذي التف حوله الدستوريون القدامى، ومن دون "الاتحاد من أجل تونس"، يتقدم على حركة النهضة في استطلاعات الرأي وبدخوله في الاتحاد من أجل تونس تتدعم شعبيته، وأما إذا تحالف مع "الجبهة الشعبية" في إطار جبهة ديمقراطية شأنه شأن باقي مكونات الاتحاد من أجل تونس فيعتقد أنه سيحسم الأمر بالضربة القاضية مستفيدا من أصوات حلفائه في "الاتحاد من أجل تونس" في مرحلة أولى ومن أصوات حلفائه اللاحقين في الجبهة الشعبية في مرحلة ثانية. وبالتالي فإن الباجي قائد السبسي الذي نجح في إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية الأولى ونظم الانتخابات الحرة والنزيهة بعد بن علي، تحول إلى ظاهرة تستحق الدرس لقدرته العجيبة على جمع هذا الكم الهائل من الأحزاب من حوله وفي هذه السن المتقدمة. ويفسر البعض نجاح هذا الرجل بتعوُّد التونسيين على "القائد الأب" مع بورقيبة الذي كان " مستبدا عادلا" لا يؤمن بالديمقراطية لكنه لم يكن فاسدا ولم ينهب مال الشعب بل ركز دولة عصرية وراهن على التعليم وتوفي وهو لا يملك بيتا يُؤويه أو رصيدا بنكيا، ومن بين تلاميذه قائد السبسي الذي يشعر التونسيون من خلاله بالحنين إلى زمن بورقيبة.
2013-06-21