ارشيف من :آراء وتحليلات

مرسي: من ضحالة الرؤية إلى الكارثة السياسية

مرسي: من ضحالة الرؤية إلى الكارثة السياسية

قد هان حتّى سمت عنه ضغينتنا فما حقدنا عليه بل رحمناه
محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل)


اضاع مرسي البوصلة باستعدائه لسوريا. نتمنى أن لا تصل به الحماقة إلى حدود تطويع مصريين للقتال إلى جانب المعارضة السورية !. أم ترى محكوم علينا وبأيدينا أن لا نتعلم من تجاربنا، لتتكرر الحماقة ذاتها التي ارتكبها صدام حسين حين ضاعت منه الاتجاهات، فبدل أن يتحول غرباً إلى فلسطين وكانت انتفاضتها في أوجها، ذهب شرقاً ليحارب إيران في حرب عبثية استنزفت خيرات العراق، ثم تحول بعدها جنوبا ليحتل الكويت! فكانت المنزلق الذي خسر بعده العراق كل شيء؛ السيادة، والحرية،والثروة، ومعه الأمة العربية التي بات قسم كبير من أراضيها قواعد أمريكية، فيما حكامها رهينة بيد واشنطن؛ هذا بعد أن نستثني سوريا التي تعاقب الآن جراء هذا الاستثناء!.

ترى بأي منطق يجند مرسي نفسه لمعركة ليست هي وحسب معركة مصر بل هي معركة تخالف قواعد "الأمن القومي لمصر" وفق ما أفصح عنه أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل مفصلاً بالقول:" إذا خرجت مصر من سوريا وفقدت التأثير على الوضع هناك، تكون قد خرجت عملياً من آسيا بالكامل". ولا شك بأن هيكل في هذا ينطلق من حقائق ومسلّمات صنعها التاريخ والجغرافيا بدءًا من أيام رمسيس الثاني صاحب مشروع "وحدة القطرين" إلى محمد علي باشا صاحب مشروع الدولة المشرقية البديلة عن السلطنة العثمانية المتخلفة، إلى جمال عبد الناصر ومشروع "القومية العربية". وفي كلها كانت سوريا ـ أو بر الشام ـ في حقيقة الأمر الدرع الآسيوية المدافعة عن مصر، والمتكئة على دور وازن لها في المشرق العربي، لكن بعد هذا فإن المتبصر في الأزمة السورية بحد ذاتها يجد أنها باتت مشبعة بفائض من الاستقطابات، الأمر الذي سيطرح في القريب حاجتها إلى الحكماء والوسطيين، فمن أولى بهذا من مصر لكي تؤكد حضورها، هذا لو نظرنا للأمر من زاوية البراغماتية السياسية، ومصر تحتاج لأوراق ولانتشار عربي وعالمي وهي تخوض معركة المياه، وهذا بالرؤية الإستراتيجية وكلنا يعلم الأيدي الإسرائيلية وراء سد "النهضة"، وهذا أيضاً لو قسناه بالمنظور الأخلاقي والالتزام القومي، وحيث ما يجري في سوريا يتعدى المعارضة والنظام ليصل إلى مستوى تدمير الكيان ووضع المنطقة أمام منعطف خطير.

مرسي: من ضحالة الرؤية إلى الكارثة السياسية
اضاع مرسي البوصلة باستعدائه لسوريا

ربما فات مرسي وفريقه من أصحاب الخبرة المتواضعة في السياسة أن قيمة أي دولة تكمن في دورها وليس في حجمها، وأن التعداد السكاني والثروات لا قيمة لها ما لم تستثمر في خدمة الدور بالذات، ومعه ترسيخ السيادة. لقد كانت مصر الخمسينيات والستينيات أقل ثروةً من السعودية ولكنها كانت صاحبة اليد العليا عربيا ولرئيسها عبد الناصر عقدت راية زعامة الأمة من غير منازع؛ ويمكننا القول انه حتى الأمس القريب كانت سوريا أكثر حضوراً وأعظم دوراً من مصر السادات ومبارك، هذه حقيقة شاء من شاء من محبي حافظ الأسد أن يوافق عليها أو أنكرها من شاء كارهاً له، وما زلنا نذكر حتى الأمس القريب أن السعودية وبإيعاز أمريكي بالطبع كانت تطلب ود سوريا أكثر من أية دولة عربية. وهنا نسارع إلى القول ان ما تواجهه سوريا هو بسبب هذا "الفائض في الدور الاستراتيجي". المفارقة أن هذا الفائض لم يكن أمامه فائض قوة تناسبه سواءً اقتصادية أم عسكرية. فكان الفرق فيما بين طرفي المعادلة تملؤه حنكة السياسة السورية بل ودهاؤها كما قيل. هذا مثال نسوقه لمن يروج في مصر لمقولة اننا مكبلون بتسعين مليون مصري "لا بد أن نوفر لهم العيش" ـ اي لقمة الخبز ـ. هذا تسخيف للسياسة كهدف، بقدر ما في هذا من استخفاف بمصر الدولة والشعب. فالعلاقة الجدلية بين السياسة والاقتصاد لا تلغي حقيقةً وهي أن السياسة المتماسكة تسبق الاقتصاد بل تقوده وتكيفه حتى تقوى به. نقول هذا والجميع يعرف ان قرار مرسي ضد سوريا إنما جاء بطلب قطري ـ سعودي! يا للخيبة حين تصبح مصر تابعاً تحت وطأة طلب "العيش"!!


مرسي: من ضحالة الرؤية إلى الكارثة السياسية
رئيس الوزراء المصري مع نظيره الاثيوبي


كان الأجدى من هذه المعركة الدونكيشوتية الغبية التي أطلقها مرسي ضد سوريا أن يذهب استعداداً للمنازلة الأهم، والأخطر على مستقبل مصر وحياتها، وهي قضية حقوقها في مياه النيل الواقفة الآن على كف عفريت اسرائيلي كان هو وراء ما يسمى "سد النهضة"، وغيره آتٍ من سدود تنوي إنشاءها في دول حوض النيل. وهذا كله نتاج الحضور المؤثر لـ "إسرائيل" في تلك الدول. كان الأجدر بمرسي وقد خسرت بلاده حضورها المميز في أفريقيا خلافا لحالها أيام عبد الناصر أن يحاول ـ على الأقل ـ استجماع ما تبقى له من أوراق بعضها في وجه " اسرائيل" بدل أن يصب المياه في طواحينها ترويضاً لحماس كيما توقف "العنف"!.

وبدلاً من أن تستجمع مصر الأوراق التي تجعلها مفاوضاً قوياً في لعبة شد الحبال بهدف الحفاظ على حقوقها من مياه النيل شريان حياتها الأوحد هناك الآن من يسلم في مصر بنفوذ "إسرائيل" في اثيوبيا وباقي دول حوض النيل وينطلق من هذا للتسليم بضرورة التفاهم معها لإيصال حصة لـ"اسرائيل" من مياه النيل عبر سيناء، والحقيقة أن " اسرائيل" لا تريد أكثر من هذا لكي تكون شريكا في النيل بموجب القانون الدولي بوصفها هذه المرة من دول المصب.. وبدل أن تتحرك مصر على وقع التلويح بقصف المعدات والمنشآت المؤقتة لبناء السد المذكور كورقة تجبر الآخرين على الجلوس للتفاهم معها كما تقتضي ابسط مبادئ السياسة؛ بدلا عن هذا وغيره تتعالى الأصوات مطالبةً بارسال متطوعين لمقاتلة "النظام الرافضي" في سوريا على حد قول مرسي، أما عن العبارة الواردة فإن أبلغ رد هو ما جاء على لسان الأستاذ هيكل في مقابلته مع قناة "سي بي سي": "عندما يتلفظ رئيس جمهورية بلفظة (النظام الرافضي) فهذه كارثة سياسية وأخلاقية".

*كاتب من لبنان


















2013-06-25