ارشيف من :آراء وتحليلات

الأطياف السياسية تتوحد لهزيمة النهضة في انتخابات المحامين التونسيين

الأطياف السياسية تتوحد لهزيمة النهضة في انتخابات المحامين التونسيين
كنا أشرنا في تحليل سابق لـ"العهد" إلى أن أغلب مكونات العائلات السياسية في تونس بصدد الاندماج والتكتل في جبهات استعدادا للانتخابات القادمة لهزيمة حركة "النهضة" التي اكتسحت صناديق الاقتراع خلال الانتخابات التي شهدتها تونس بعد فرار رئيسها الأسبق زين العابدين بن علي. وقد انعكست هذه التحالفات على قطاع المحاماة الأكثر تسييسا بين جميع القطاعات المهنية الأخرى، ناهيك عن أن أول رئيس للجمهورية التونسية بعد إلغاء الملكية سنة 1957 كان محاميا وهو الحبيب بورقيبة.

لقد تقارب التيار الوطني المتمثل في الدستوريين المطاح بهم خلال الثورة مع الليبراليين واليسار وكذا التيار القومي وتجلى ذلك بوضوح في انتخابات عمادة المحامين. فالمحاماة التونسية كانت على الدوام المرآة العاكسة للمشهد السياسي في البلاد، فجميع الأطياف ممثلة فيها وجميع السياسيين يسعون لكسب ودها. فبن علي، وعلى سبيل المثال دفع "الغالي والنفيس" إرضاء للمحامين حتى يزكوه خلال الاستحقاقات الانتخابية الخمسة التي خاضها طيلة سنوات حكمه، لكنهم وبخلاف باقي الهيئات المهنية على غرار الأطباء والصيادلة والمهندسين وغيرهم لم يفعلوا وكانوا في طليعة من قلب عليه طاولة الحكم.

الالتفاف وراء القوميين

وشهدت تونس أول انتخابات بعد الثورة لاختيار عميد للمحامين خلفا للعميد المؤقت الأستاذ شوقي الطبيب الذي خلف الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني مرشح الإسلاميين في سنة 2010، والذي عين وزيراً في حكومة حمادي الجبالي المستقيلة. وكان التنافس على أشده بين أغلب مكونات الطيف السياسي التونسي، الدساترة (الخط الوطني) الليبراليين، اليسار، القوميين والإسلاميين، الذين قدم كل طيف منهم مرشحه لمنصب العمادة. وأفرز الدور الأول فوز كل من مرشح الإسلاميين ومرشح التيار القومي الغاضب على حركة "النهضة" بسبب عدم إدراج تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في الدستور التونسي الجديد.

الأطياف السياسية تتوحد لهزيمة النهضة في انتخابات المحامين التونسيين

وفي الدور الثاني عاد المحامون بكثافة للتصويت ونجح القوميون في حشد باقي الأطياف السياسية ضد مرشح "النهضة" ولعب العميد الأسبق البشير الصيد زعيم التيار الناصري في قطاع المحاماة، دوراً بارزاً في هذا المجال باعتبار أن الإسلاميين قد أقصوه من منصب العمادة في سنة 2010 بدعاية روجوها مفادها ضلوعه في اختلاسات تتعلق بصندوق المحامين تبين لاحقا وبعد خسارته زيف هذه الإدعاءات من خلال تقارير أعدتها لجنة خبراء في المحاسبة تتكون من المستقلين. والتف الجميع وراء مرشح القوميين محمد الفاضل محفوظ الذي فاز في النهاية بمنصب العمادة متقدما على الأستاذ محمد نجيب بن يوسف رغم دماثة أخلاق الأخير وكفاءته المهنية.

تسييس

لقد كان أغلب المحامين يجهلون العميد الجديد فلم يكن من السياسيين البارزين ولا من المحامين الذين اضطلعوا بمسؤوليات صلب هياكل المحاماة. لكن رغم ذلك فقد نجح الأستاذ محمد الفاضل محفوظ في الفوز على مرشح الحزب الحاكم. فأغلب المحامين لم يكونوا راغبين في "تغول" حركة "النهضة" وهيمنتها على قطاعهم. كما أنهم لم يكونوا راضين على الأداء الحكومي وخصوصا أداء وزير العدل السابق في حكومة حمادي الجبالي نور الدين البحيري، وهو زميل لهم محام منتم إلى حركة "النهضة". وهم يدركون أن منظمتهم إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل هي أعرق المنظمات في البلاد وأكثرها تأثيرا في الشأن السياسي.

ويرى أغلب المحللين أن التصويت لاختيار عميد المحامين في تونس كان تصويتا عقابيا لحركة النهضة ومن والاها، نظرا لحالة الغضب من سياساتها منذ توليها مقاليد الأمور في البلاد بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011. فلأول مرة في تاريخ تونس الحديث يلتقي الدساترة والقوميون ويلتقي الليبراليون واليسار على هدف موحد وهو الإطاحة بحركة النهضة وبمحاولتها الهيمنة على قطاع المحاماة بعد أن تمكنت منذ أسابيع من قطاع الفلاحين من خلال انتخابات شابتها تجاوزات عديدة.

إنذار

ورأى كثير من المحللين أن هزيمة حركة "النهضة" في انتخابات عمادة المحامين هي إنذار للحركة لتغيير سياساتها. كما أن فوز القوميين له أكثر من دلالة، فالمحامون التونسيون راغبون في ترسيخ توجهات التيار القومي من خلال تجريم التطبيع مع "إسرائيل" في الدستور، ومن خلال إعادة العلاقات المقطوعة مع سوريا والانتصار لمحور الممانعة وعدم الانسياق وراء مشاريع الهيمنة الهادفة إلى تفتيت المنطقة وتحويلها إلى كانتونات صغيرة تضم طوائف متصارعة.

الأطياف السياسية تتوحد لهزيمة النهضة في انتخابات المحامين التونسيين

كما أن التقارب الحاصل بين الدساترة ممثلين بحزب "نداء تونس" واليسار والقوميين ممثلين بـ"الجبهة الشعبية"، والذي توضح للعيان في انتخابات المحامين، سيجعل حركة النهضة تعيد حساباتها بحسب أغلب الخبراء والمحللين، سواء فيما يتعلق بالسياسات المتبعة أم بالحلفاء. فقد تبين أن حليفي "النهضة" أي "التكتل" و"المؤتمر" لا وزن لهما داخل قطاع المحاماة وقد تآكلت شعبيتهما على المستوى الوطني وبات لزاما على الحركة أن تراهن على جياد رابحة خلال الاستحقاقات القادمة لأن الهيئة الوطنية للمحامين في تونس ليست هيكلا مهنيا عاديا لتمر خسارته مرور الكرام.
2013-06-25