ارشيف من :آراء وتحليلات

وأخيراً حط الطائر المغرّد في أحد مطارات موسكو

وأخيراً حط الطائر المغرّد في أحد مطارات موسكو
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان وصول ادوارد سنوودون الى موسكو لم يكن متوقعا. وأضاف ان مسألة تسليم المتعاون السابق مع السي آي ايه هي غير واردة. وفي الوقت ذاته علم ان سنوودون هو موجود حاليا في منطقة الترانزيت في احد مطارات موسكو. ويقول بعض الخبراء إنه اذا قرر سنوودون التعاون مع الأجهزة الخاصة الروسية، فإنه يمكن ان يعتمد على الحماية.

ان ادوارد سنوودون هو باق في منطقة الترانزيت، وروسيا لن تسلمه للولايات المتحدة الاميركية. هذا ما أعلنه فلايمير بوتين في مؤتمر صحافي عقده في فنلندا.

وأخيراً حط الطائر المغرّد في أحد مطارات موسكو وقال "ان سنوودون وصل فعلا الى موسكو. وكان ذلك مفاجأة تامة لنا. انه لم يجتز حدود الدولة، ولهذا فهو لا يحتاج الى فيزا. وأي اتهام يوجه الى روسيا هو هراء وغباء. انه مسافر ترانزيت ويوجد حتى هذه اللحظة في قاعة الترانزيت. ان اجهزتنا الخاصة لم تعمل ابدا ولا تعمل الان مع سنوودون. وفيما يتعلق بمسألة التسليم: نحن يمكننا ان نسلم مواطن دولة اجنبية فقط الى الدول التي يوجد لنا معها اتفاق لتسليم المجرمين. ونحن لا يوجد بيننا وبين الولايات المتحدة الاميركية مثل هذا الاتفاق. وهناك شخص آخر مشابه، وهو السيد اسانج، الذي ينبغي ايضا تسليمه واعتباره مجرما. ولكنه هو ايضا، مثله مثل السيد سنوودون، يعتبر نفسه مدافعا عن حقوق الانسان، ويناضل لاجل تعميم المعلومات. اسألوا انفسكم: هل من الضروري او من غير الضروري تسليم مثل هؤلاء الناس كي يقبعوا في السجون؟ وعلى كل حال انا افضل عدم الاهتمام بمثل هذا السؤال".

وحسبما تقول جريدة "كومرسانت" الروسية فإن المتعاون السابق مع السي آي ايه ادوارد سنوودون كان قد وصل الى مطار "شيريميتييفو" في موسكو قادما من هونغ كونغ. وفي الولايات المتحدة هو متهم بالسرقة، والتجسس والاستحواذ غير المشروع على ممتلكات خاصة للدولة. وعبرت السلطات الاميركية عن املها في ان روسيا سوف ترحّل سنوودون الى الولايات المتحدة. وفي حال موافقة سنوودون على مشاركة موسكو في معلوماته السرية فإنه سيحصل على ضمان امنه على ارفع المستويات، كما عبر عن ذلك ليونيد بولياكوف رئيس قسم العلوم السياسية العامة في المعهد العالي للاقتصاد.

"بقدر ما ان الفارين من عندنا ينتابهم شعور عظيم في الولايات المتحدة، وبريطانيا، كما هو معلوم، فإن سنوودون، بالمثل، اذا عقد اتفاقا غير معلن مع اجهزتنا، فإنه سوف يحصل هنا على حماية فعلية وأمن. اجل، تحصل مثل هذه الامور في عالم رجال المخابرات في جميع البلدان، فهذا هو نمط خاص من الناس. ففي صفوفهم يوجد منشقون، ويوجد وطنيون لا يصلون الى هذا الحد. ان استياء الولايات المتحدة ومحاولة عمل فضيحة عالمية من هذا الحادث هو امر غير ملائم البتة"، كما يقول بولياكوف.

وقبل وصوله الى موسكو، كان من المتوقع ان يتوجه ادوارد سنوودون الى كوبا. ولكنه لم يظهر على الطائرة المتوجهة الى هافانا. كما اذاعت وسائل الاعلام العامة انه طلب اللجوء السياسي في الاكوادور. وأعلن السناتور الجمهوري جون ماكاين ان الخلاف الدبلوماسي بين واشنطن وموسكو هو صدى للحرب الباردة. ودعا باراك اوباما لاتخاذ موقف متشدد حيال موسكو وبكين.

ومن الجانب الاميركي اصبحت مسألة تسليم ادوارد سنوودون اولوية بالنسبة للدبلوماسية واجهزة المخابرات الاميركية. وهي تحذر من "عواقب سلبية حتمية" في حال الرفض. وكما صرح لـ"كومرسانت" مصدر في وزارة الخارجية الاميركية، ستتخذ تدابير صارمة جدا، بما في ذلك حيال روسيا.

وقد اعتبرت الاوساط ذات الصلة في واشنطن ان عدم ظهور سنوودون على طائرة شركة "ايرفلوت" الروسية التي كانت متوجهة الى هافانا يوم الاثنين الماضي هو مؤشر جيد. "ان مصير سنوودون يتعلق الان فقط بموسكو، ويمكن الافتراض ان الاجهزة الخاصة تحتجزه الان في العاصمة الروسية، بانتظار ان تدرس السلطات المعنية، كيف سترد على طلب الولايات المتحدة"، كما اعلن لـ"كومرسانت" مصدر مقرب من وزارة الخارجية الاميركية.

ويقول هذا المصدر انه في وقت تجري فيه الاتصالات بين الاجهزة القائمة على حماية القانون في البلدين، فليس من المستبعد ان تعمد واشنطن في وقت قريب الى اتخاذ تدابير صارمة. وتضيف الجريدة "ان وزارة الخارجية تدرس صيغا مختلفة للرد، فيما اذا تجاهلت موسكو طلبنا"، حسبما حذر مصدر "كومرسانت". "ان روسيا غالبا ما تقدمت بطلب المساعدة من الولايات المتحدة الاميركية، وكما من قبل فهي لها مصلحة في التعاون في العديد من المجالات. ونأمل ان يتذكروا ذلك في موسكو". وخلال زيارته الاخيرة للهند ذكر وزير الخارجية الاميركية جون كيري: بناءً لطلب روسيا فإن الولايات المتحدة سلمتها في السنتين الماضيتين سبعة مواطنين روس، محكومين بجرائم مختلفة، والان "لنا الحق ان نتوقع المبادلة بالمثل".

وتذكر "كومرسانت" ان مدير الـ FBI روبرت مولر اتصل تلفونيا لهذه الغاية على الاقل مرتين بمدير جهاز الامن الفيديرالي الروسي الكسندر بورتنيكوف. كما ان نائب وزبر الخارجية الاميركية ويليام بيرنس والسفير الاميركي في موسكو مايكل ماكفول هما على اتصال دائم بوزارة الخارجية الروسية.

وأخيراً حط الطائر المغرّد في أحد مطارات موسكو
شاشات التلفزيون تعرض صوره ولكنه "اختفى" في موسكو


وفي رسالة موجهة الى السفير الروسي في واشنطن سيرغيي كيسلياك طلب السيناتور الاميركي ليندسي غريم ان يتم على وجه السرعة بحث مسألة تسليم سنوودون. وجاء في الرسالة "ان هذا هو امتحان هام لفعالية سياسة اعادة تحسين العلاقات بين البلدين".

وأعلن ممثل وزارة الخارجية الاميركية باتريك فينتريل ان ممثلي الادارة الاميركية قد اجروا حتى الان محادثات مع سلطات عدة بلدان، بمن في ذلك الاكوادور، محذرين من عدم الرضا من احتمال تقديم ملجأ لسنوودون. ولكن الاولوية بالنسبة للادارة الاميركية تبقى روسيا. ويوضح باتريك فينتريل بالقول "وحول مدى جدية نظرتنا الى هذه المسألة، يمكنكم ان تحكموا من خلال مستوى الشخصيات المنخرطة في المحادثات. ويمكن ان تتأكدوا ان الروس ايضا يتذكرون ذلك".

هذا وكان من المفترض ان سنوودون الذي طار من هونغ كونغ الى موسكو، ان يتابع الرحلة في طائرة شركة " ايروفلوت" الروسية باتجاه هافانا، حيث كان في النهاية سيحصل على اللجوء السياسي في الاكوادور. ولكن الصحفيين الذين كانوا يتابعون الرحلة لاحظوا عدم وجوده في طائرة "ايروفلوت" التي توجهت الى هافانا، حيث كان المقعدان ذوا الرقمين 17A و 17C المسجلان باسمه وباسم المسافرة معه ساره هاريسون، المرافقة له من قبل ويكيليكس، خاويين. والان فإن فضيحة اختفاء سنوودون تهدد باساءة العلاقات الاميركية مع روسيا والصين معا. والنواب الاميركيون بصوت واحد تقريبا يجمعون على اتهام موسكو والصين بخوض "حرب سرية" ضد واشنطن، مهددين بأن هذه الاعمال لن تكون "بدون عواقب".

وحسب رأي بروس ريديل، الخبير في مؤسسة بروكينغز في واشنطن، الذي سبق له ان عمل 30 سنة في السي آي ايه، فإن فضيحة سنوودون قد شطبت على جهود الادارة الاميركية مدة 30 سنة لتطبيع العلاقات مع بكين وموسكو. وقال ريديل "في الشهر الماضي اجرى باراك اوباما محادثات مع الرئيس الصيني سي تسينبين ومع فلاديمير بوتين، ولكن قصة سنوودون، الذي تحول في يوم واحد من مناضل لاجل الحقيقة، الى عميل مفترض لاجهزة المخابرات الاجنبية، يمكن ان تلغي كل اشكال التفاهم".

وحول مسألة امكانية ان يتصل ادوارد سنوودون بأجهزة التجسس الاجنبية ويسلمها المعلومات السرية الخاصة بالمخابرات الاميركية، فإن رئيسة لجنة الجاسوسية في مجلس الشيوخ دايان فاينشتاين حذرت بالقول: "نحن لا نعلم بالضبط ماذا قد سرق. ولكنني متأكدة ان الصين وروسيا تلعبان دورا رئيسيا في هذه القصة".

وفي اوساط المخابرات الاميركية ايضا يعتبرون ان المحلل السابق في السي آي ايه هو "مكسب لا يقدر بثمن" لاجهزة المخابرات الاجنبية. وأوضح لجريدة "كومرسانت" مصدر في مجلس الامن القومي الاميركي بالقول: "ان المشكلة ليست فقط في الوثائق التي سرقها، فبالاضافة الى ذلك هو يعرف كيف يتم تشفير ارسال المعلومات، والادوات التكنولوجية التي يتم استخدامها لاعتراض والتقاط الرسائل السرية، والاهم من ذلك كله، فهو يستطيع ان يصف بالتفصيل نقاط الضعف في الشبكات الداخلية لوكالة الامن القومي".

وأخيراً حط الطائر المغرّد في أحد مطارات موسكو
عشرات الصحفيين الروس والاميركيين يبحثون عبثا عن سنوودون

وتقدمت وزارة الخارجية الاميركية من سلطات جميع بلدان نصف الكرة الغربي بالتماس عدم تقديم اي مساعدة لادوارد سنوودون، "الا فيما هو ضروري، لاجل اعادته الى الولايات المتحدة الاميركية".

وفي الوقت ذاته قدمت وزارة العدل الاميركية طلبا رسميا الى موسكو لاجل تسليمه. وقبل ساعات من مغادرته هونغ كونغ، الغت وزارة الخارجية الاميركية جواز سفره.

وجوابا على ذلك اكد السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية الروسية دميتريي بسكوف ان السلطات الروسية لم تدخل ابدا في اتصال مع المبلـّغ عن الاجهزة الخاصة الاميركية. اما ممثلو قوى الامن الروسية فأوضحوا ان الفيديرالية الروسية لا يوجد لديها مسوغ لاعتقال هذا المواطن الاميركي، اذ انه لم يقم بأي جريمة على الاراضي الروسية، كما انه ليس في عداد المطلوبين عالميا.

ولا يثير الارتباك لدى موسكو افتقاد ادوارد سنوودون لجواز سفره الاميركي. وتقول مصادر قوى الامن الروسية ان هذا الامر لا يشكل عائقا امام السيد سنوودون، لان سلطات الدول التي تقدم منها بطلب اللجوء السياسي يمكنها ان تمنحه صفة لاجئ او تمنحه المواطنية "تبعا لظروف خاصة".

وبصرف النظر عن ان اميركا لديها اتفاقات لتسليم المجرمين مع الاكوادور، كوبا وفينزويلا، فإن الحقوقيين يشككون في ان سلطات هذه البلدان يمكن ان تستجيب لطلب واشنطن "فإن هذه الوثائق هي موقعة في مطلع القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين فإن العلاقات بين الولايات المتحدة وبلدان اميركا اللاتينية قد تبدلت كثيرا، ولهذا من الضروري ان نتكلم هنا ليس عن قرارات حقوقية، بل عن قرارات سياسية"، حسب رأي القانوني غريغوري نوسير.

ولا تستبعد اميركا ان تلجأ الى الضغط الاقتصادي. ففي شهر حزيران /يونيو الجاري، تنتهي مدة الاتفاق القاضي بمنح الاكوادور صفة الدولة الاكثر رعاية في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، التي هي اكبر شريك تجاري للاكوادور: وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في السنة الماضية 16 مليار دولار. وتمديد هذا الاتفاق المعروف باسم Andean Trade Promotion and Drug Eradication Act يتعلق كليا بالكونغرس الاميركي.

ولكن بالرغم من ذلك فإن الخبراء يعتقدون ان رئيس الاكوادور هو على استعداد للتخلي عن الاموال مقابل الحصول على فوائد سياسية: فـ رافايل كورّييا يحاول ان يشغل مكان الرئيس السابق لفينزويلا هوغو شافيز، بتزعم مجموعة الدول الاميركية اللاتينية ذات الميول المعادية لاميركا.

هذا ويتسابق رجال الكونغرس الاميركيون في شن حملة شعواء ضد روسيا ومن ذلك ما قاله السيناتور من نيويورك تشاك شومير الذي بالكاد لم يتهم الرئيس الروسي مباشرة بتنظيم هرب ادوارد سنوودون، وقال "من هذا الوضع يمكن القيام بالاستنتاج البسيط التالي: ان الحلفاء ملزمون بمساعدة بعضهم بعضا. ولكن يبدو احيانا ان الهدف الوحيد لبوتين هو كيف يمكنه الاساءة اكثر الى الولايات المتحدة، ان كان ذلك في سوريا او في قضية سنوودون".

ولكن في موسكو يستقبلون هذه الحملة بهدوء، ولا يتخوفون من نشوب نزاع جديد مع الولايات المتحدة الاميركية. وحسب تعبير رئيس لجنة العلاقات الدولية في دوما الدولة (البرلمان الروسي) الكسي بوشكوف الذي قال: ان الولايات المتحدة الاميركية لم تفكر جيدا في العواقب الممكنة، حينما قامت الاجهزة السرية الاميركية بالتنصت على مكالمات ومراسلات رئيس الجمهورية الروسية حينذاك دميتريي ميدفيدييف، خلال انعقاد قمة العشرين الكبار G-20 في لندن سنة 2009.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2013-06-27