ارشيف من :آراء وتحليلات
الشحن المذهبي ضد الشيعة شريك أساسي في جريمة أبي النمرس

مجدي حسين *

الشهيد الشيخ حسن شحاتة

تشييع الشهيد الشيخ حسن شحاتة في مسجد السيدة نفيسة

جثمان الشيخ شحاتة محمولا على الاكف
*رئيس حزب العمل المصري ورئيس تحرير جريدة الشعب الجديد
لجريمة البشعة التى جرت فى أبي النمرس ضد مواطنين شيعة على رأسهم الشيخ الأزهري حسن شحاته إساءة بالغة للإسلام ولمصر. وقد جمعت الواقعة بين عدة جرائم كبرى: اقتحام مسكن شخصي له حرمة، سحل مواطنين عزل حتى الموت، قتل 4 وإصابة آخرين، التمثيل بالجثث، أما السب والقذف فقد أصبح هينا إذا قورن بكل هذه البشاعات التى لا يعرفها تاريخ مصر.
ونحن إذ نتهم فلول النظام السابق وأجهزته الأمنية باعتبارها المسؤولة عن معرفة وتحريك مجموعات البلطجية، وباعتبارها العمود الفقري لكل عمليات الفوضى والعنف التي تشهدها البلاد فإن هذا لا يعفي بعض العاملين تحت الراية السلفية من المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة لأنهم دأبوا في السنوات الأخيرة على الشحن الطائفي ضد الشيعة بدون تمييز بين طوائفهم وقواهم ومواقفهم السياسية، وركزوا على تكفيرهم رغم أنهم يؤدون الفرائض الخمس ومن بينها أداء فريضة الحج وما يتطلبه ذلك من دخول مكة المحرمة على الكفار والمشركين، وهو ما يعني إجماع المسلمين على إسلامهم (الجعفرية الاثني عشرية) عبر القرون، وهو ما يعني موافقة السلطات السعودية، ومع ذلك ترعى هذه الحملات التكفيرية للشيعة، رغم وجود مواطنين شيعة يمثلون أغلب سكان شرق المملكة وعددهم قرابة 4 ملايين. ومن باب حرية الفكر يمكن لبعض المسلمين السنة أن يكفروا الشيعة كما يكفر بعض الشيعة السنة، فلا يمكن الحجر على الأفكار، ولكن المسألة المرفوضة إطلاقا هي ربط ذلك بالدعوة للعنف وترديد مقولة إن الشيعة هم الخطر الأعظم، وهم أخطر من اليهود بخلاف النص القرآني الصريح (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ). وهو ما يعني في الواقع التحالف مع الصهاينة والأمريكيين لضرب الشيعة. والحقيقة فإن الهدف من ذلك ضرب إيران وحزب الله باعتبارهما خطرا على "اسرائيل"، وهذه هي السياسة الأمريكية والاسرائيلية المعلنة. ليس لحماية "اسرائيل" فحسب بل من أجل تفتيت الأمة العربية والاسلامية إلى مزيد من الدويلات المتناحرة.
إن القرآن الكريم يعلمنا أن القتل مشروع فى حالتين فقط : القتل ـ الفساد فى الأرض (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). أي لا يوجد قتل مشروع على أساس الفكر والاعتقاد وإلا تحولت الدنيا إلى غابة وإلى بحار من الدماء. وهذا ما حدث في أوروبا في حروبها الدينية بين البروتستانت والكاثوليك. ففي حرب الثلاثين عاما وحدها بين 1618 و1648 حدث التالي:
كان الأثر الرئيسي لحرب الثلاثين عاما التي استخدمت فيها جيوش مرتزقة على نطاق واسع، تدمير مناطق بأكملها تركت جرداء من نهب الجيوش. وانتشرت خلالها المجاعات والأمراض وهلاك العديد من سكان الولايات الألمانية وبشكل أقل حدة الأراضي المنخفضة وإيطاليا، بينما أُفقرت العديد من القوى المتورطة في الصراع. استمرت الحرب ثلاثين عاما ولكن الصراعات التي فجرتها ظلت قائمة بدون حل لزمن أطول بكثير. انتهت الحرب بمعاهدة مونستر وهي جزء من صلح وستفاليا الأوسع عام 1648 م.

الشهيد الشيخ حسن شحاتة
وخلال الحرب انخفض عدد سكان ألمانيا بمقدار 30 ٪ في المتوسط ؛ وفي أراضي براندنبورغ بلغت الخسائر النصف، في حين أنه في بعض المناطق مات ما يقدّر بثلثي السكان، وانخفض عدد سكان ألمانيا من الذكور بمقدار النصف تقريبا. كما انخفض عدد سكان الأراضي التشيكية بمقدار الثلث.
وقد دمَّر الجيش السويدي لوحده 2000 من القلاع و 18000 قرية و 1500 مدينة في ألمانيا، أي ثلث عدد جميع المدن الألمانية.
وجاء في موسوعة "قصة الحضارة" تحت عنوان: "إعادة تنظيم ألمانيا (1648-1715)" : "هبطت حرب الثلاثين بسكان ألمانيا من عشرين مليونا إلى ثلاثة عشر ونصف مليون، وبعد عام أفاقت التربة التي روتها دماء البشر، ولكنها ظلت تنتظر مجيء الرجال. وكان هناك وفرة في النساء وندرة في الرجال. وعالج الأمراء الظافرون هذه الأزمة البيولوجية بالعودة إلى تعدد الزوجات كما ورد في العهد القديم. ففي مؤتمر فرنكونيا المنعقد في فبراير 1650 بمدينة نورنبيرغ اتخذوا القرار الآتي:- "لا يقبل في الأديار الرجال دون الستين... وعلى القساوسة ومساعديهم (إذا لم يكونوا قد رسموا)، وكهنة المؤسسات الدينية، أن يتزوجوا... ويسمح لكل ذكر بأن يتزوج زوجتين، ويذكر كل رجل تذكيراً جدياً، وينبه مراراً من منبر الكنيسة، إلى التصرف على هذا النحو في هذه المسألة".
وبعد أن تجاوزت أوروبا هذا الجنون يريدون أن يورثونا إياه. هذه هي نتائج الشحن الطائفي.
يجب على عقلاء الأمة من الطرفين الشيعي والسني أن يتصدوا لغلاة المتطرفين والحمقى. ويجب أن يكون واضحا أن الخلافات جوهرها سياسي وليس مذهبيا. من لا يعرف الواقع لا يصلح للعمل السياسي أو الدعوي. من لا يعرف أن الخطر الرئيسي على أمة العرب والاسلام هو الحلف الصهيوني ـ الأمريكي فهو إما ساذج لا يصلح للعمل السياسي أو الدعوي أو ضالع ومتواطئ من خلال دول الخليج التي تنفذ جدول أعمال أمريكيا ـ صهيونيا باسم السنة. و"اسرائيل" تتحدث عن التحالف مع السنة (تقصد الأنظمة العميلة فى الدول السنية) ضد الشيعة الذين يحاربون "إسرائيل".
إن إيران وحزب الله وبالوقائع المعروفة وبالأرقام وبمستندات العدو والصديق هي الطرف الداعم الرئيسي إن لم يكن الوحيد للمقاومة المسلحة ضد "اسرائيل" في غزة وفلسطين المحتلة ولبنان. وايران تسلح وتدعم المقاومة الافغانية ضد الاحتلال الأمريكي (أخيرا زار وفد من طالبان ايران زيارة رسمية معلنة) وفي السنوات الأخيرة للاحتلال العراقي تم تأسيس مقاومة شيعية في جنوب العراق وعملت بكثافة ضد القوات البريطانية والأمريكية (عصائب أهل الحق). وكانت تمد المقاومة السنية بالسلاح بصورة غير مباشرة. ومع ذلك اختلفنا مع السياسة الايرانية في العراق في المرحلة الاولى للاحتلال الأمريكي وهذا معروف ومنشور. ومعروف أن إيران كانت هي الطرف الأساسي الذي كان يهرب السلاح لمجاهدي البوسنة في ظروف بالغة الصعوبة وقد أعلن على عزت بيجوفيتش زعيم البوسنة الراحل عن ذلك فى سراييفو وقال في حضور مندوب السيد خامنئي : لولا ايران لضاعت سراييفو. والبوسنة سنة وغزة سنة وكل فلسطين سنة وأغلب لبنان غير شيعة. المقصود أننا نتفق ونختلف مع السياسات الايرانية باعتبارها سياسات بغض النظر عن الموقع المذهبي، كما يحدث مع كل دول العالم الاسلامي وغير الاسلامي. فحلفاؤنا في الصراع ضد الحلف الصهيو ـ أمريكي يمتدون من كوريا الشمالية، إلى الصين وروسيا وماليزيا إلى السودان وفنزويلا وكوبا والبرازيل وجنوب إفريقيا والاكوادور وبوليفيا. ومع الأسف ليس من بين هذا الحلف دول الخليج المحتلة من الأمريكيين.
إن التزام إيران بالقضية الفلسطينية مسألة لا مراء فيها، ومن لا يعجبه ذلك من الدول العربية، فليتفضل ويدعم المقاومة بالسلاح المتطور والصواريخ وينافس إيران في هذا الصدد. والحقيقة فإن المد الشيعي أتى وسيأتي من تخاذل حكام السنة وعدم وجود نظام سني مجاهد ضد "اسرائيل" وأمريكا ينافس النظام الشيعى الايراني فى هذا الخير. أما الخلافات بين مدرسة الخلفاء (كما يسمينا الشيعة) ومدرسة الإمامة (اعتبار أن الله قد افترض الوصاية بعد الرسول في آل البيت) فالله يفصل بيننا يوم القيامة فيها. أما الذي سنأثم عليه بصورة مؤكدة الآن فهو موالاة أعداء الله، وترك الأقصى في يد الصهاينة مهددا بالهدم والاقتحام كل يوم، وترك الأرض التى بارك الله حولها فى قبضتهم. وترك الأمريكيين ينهبون ثرواتنا، وينتهكون أعراضنا ويحتلون أراضينا ويقتلون المسلمين السنة كل يوم فى أفغانستان وباكستان واليمن والصومال بطائرات بدون طيار.
وفى كل الأحوال كان من المفترض أن تنأى مصر بنفسها عن مستنقع فتنة السنة والشيعة لأن مصر سنية بنسبة 100% والحديث عن مخاطر المد الشيعي تهويل عجيب يعكس عدم ثقة بالنفس، وكأن موقفنا العقائدى هش وهزيل إلى حد أن يأتي سائح إيرانى لمدة 5 أيام فيشيع المصريين جميعا، رغم أنه لا يتحدث العربية!! هل يوجد استهزاء بأنفسنا أكثر من ذلك. وفي أي مكان في العالم أصبحت السياحة ترتبط بالعقائد!. إذا حدث ذلك انتهت صناعة ومهنة السياحة ولقبع كل شعب فى مكانه، ولقبعت كل طائفة في مكانها داخل الوطن الواحد. فمثلا يحظر على اللبناني الشيعي المقيم بالضاحية الجنوبية في بيروت زيارة بيروت الشرقية أو مواضع الجبل التي يوجد فيها مسيحيون أو دروز والعكس بالعكس. ويحظر على السعودي الشيعي المقيم في شرق المملكة أن يزور جدة. أرأيتم كيف أضحكتم العالم علينا. وجعلتم مصر أكثر شعوب العالم تخلفا. رغم أننا نحن الذين علمنا العالم التسامح والحضارة والاستيعاب الانساني. نحن الذين حولنا الخواجه كوستا اليوناني إلى مصري أصيل يقيم فيها ويحبها أكثر من اليونان. نحن الذين أدخلنا أعداءنا في ديننا، حتى يروي التاريخ أن الاسكندر الأكبر آمن بآمون ودفن في مصر.
قرر الإسكندر القيام برحلة روحية لمعبد الإله آمون، المقابل لزيوس عند الإغريق، في واحة سيوة بالصحراء ولمّا وصل المعبد ودخله، قوبل بالترحاب من قبل الكهنة المنتظرين، الذين نصبوه فرعونًا على مصر وأعلنوه ابنًا لآمون كبير الآلهة المصرية، وألبسوه تاجه وشكله كرأس كبش ذي قرنين، فلقب بذلك «الإسكندر ذو القرنين». ومنذ ذلك الحين، أخذ الإسكندر يزعم بأن زيوس ـ آمون هو والده الحقيقي، وظهر نقش رأسه لاحقًا على العملات المسكوكة مزينًا بقرون كبش، وهي علامة الخلود (ويكيبديا).

تشييع الشهيد الشيخ حسن شحاتة في مسجد السيدة نفيسة
حتى مينو الحاكم الفرنسي خلال الحملة الفرنسية دخل الاسلام، ربما ليتزوج مصرية ولكنه أسلم على أي حال وهذا ما لا يجوز أن يفعله الحاكم المحتل. ورغم أن مصر حكمها الفاطميون (وهم اسماعيلية وهم غير الاثني عشرية) ورغم أنهم هم الذين بنوا القاهرة والأزهر إلا أن مصر لم يكن فيها شيعي أو اسماعيلي واحد بعد انتهاء حكم الفاطميين.
كان يتعين لمصر أن تنأى بنفسها عن الفتنة الطائفية المذهبية لأن مصر دولة أم وكبيرة والمفترض أن تكون في موقف الحكم والقائد والمايسترو في المنطقة، أن تقوم بدور فض المنازعات ولم الشمل. لا مجرد رقم في الأجندة الأمريكية كما هبط بها حكم المخلوع.
وكما ذكرنا فإن مصر نسيج متفرد لا يعرف الفسيفساء التى تعاني منها دول المشرق، فلماذا يريد بعض الجهابذة المحسوبين على السلف (لأننى اعتبر حزب العمل سلفيا) أن يفتتوا مصر بلا داع وبصورة مفتعلة. عدد الشيعة في مصر وفقا لإحصاء أمريكى يتراوح بين 12 ألفا و25 ألفا. وأياً كان العدد فهو لن يتجاوز 1 % فلماذا كل هذا القلق؟ وهذه الضجة الكبرى علام؟!
وما هو المطلوب إذاً؟ أن نقتلهم جميعا؟ ليقل لنا الأستاذ برهامي ماذا نفعل بهؤلاء "الأشرار"؟ وبعد تصفيتهم ماذا نفعل بمن يقولون بأن المسيح هو ابن الله، بل الله نفسه؟ لا بد أن نصفيهم أيضا. وهذا يعنى تحويل مصر إلى بحيرات دموية. ولكن هل هذا هو الاسلام؟ وبأي دليل شرعي.
كنت في مؤتمر بجوار شيخ مشهور على المنصة ودار بيننا حوار هامس، وقال لي: أنصحك بالابتعاد الفوري عن الشيعة؟ قلت له: نريد أن نجلس ونتحدث وأسمع لنصيحتك. قال : نعم، قلت أعطيني رقم هاتفك. قال : ليس الآن. بعد قليل هتف بعض الشباب بدون مناسبة: الشيعة كلاب. فهمست في أذن الشيخ : هل توافق على هذا الهتاف؟ قال : لا أسمع الهتاف. قلت له : يهتفون الشيعة كلاب هل هذا من أخلاق الاسلام ؟. قال: عندهم حق. قلت له : وما الذي سنفعله بهم هل نبيدهم جميعا؟ قال: ياريت!
وبمنطق أن الدماء رخيصة سنبيد إذاً 25 ألف شيعي مصري، ولكن ماذا سنفعل في العراق هل سنبيد 60 % من الشعب العراقى، و60 % من الشعب البحريني، وربع الشعب اللبناني وهكذا.

جثمان الشيخ شحاتة محمولا على الاكف
لنتناقش إذاً فى المواقف السياسية ونحدد مواقفنا على هذا الأساس، ففي سوريا مثلا لا يوجد مشروع شيعي ولا يحزنون، فالمشروع الشيعي لا يقام بالدماء، وقادة إيران وحزب الله أذكى من أن يتصوروا ذلك ولنعترف بذكائهم على الأقل. الشيعة يمثلون 1 % من المجتمع السوري والعلويون ليسوا شيعة، والنظام السوري علماني وليس شيعيا. النظام السوري ديكتاتوري استبدادي ويعتمد عموده الفقري على العلويين كطائفة، والاثني عشرية تكفر بعض العلوية ولا تتصالح معها. سوريا على مدار 3 عقود هي ممر لدعم المقاومة اللبنانية. حلوا هذه المشكلة لإيران وحزب الله، ثم حاسبوهما بعد ذلك على تدخلهما في سوريا. المعارضة المسلحة في سوريا تقول منذ اليوم الأول إنها ستقطع كل العلاقات مع ايران وحزب الله إذا وصلت للسلطة. والمعارضة المسلحة أصبحت موجهة أو مخترقة من حلف الناتو الذي يقدم كل التسليح بتمويل خليجي وعبر كرواتيا عدوة الاسلام والمسلمين!!
من الأفضل لمصر أن تعود للمبادرة الأولى للرئيس مرسي لأن هذا هو التوجه الاقليمي والعالمي وأيضا توجه المعارضة السورية الشريفة، والمبادرة ستؤدي بطبيعة الحال لتغيير النظام السوري عبر مرحلة انتقالية تحقن الدماء.
ليس هذا كل الكلام فى هذا الموضوع الخطير: استباحة دماء الشيعة في مصر والفتنة الطائفية فى عموم المنطقة لأن هذه هي الخطة الامريكية ـ الصهيونية للمنطقة التي بدأت والتي لم تنته فصولا، ولا بد من مواجهتها. وهي في مصر جزء لا يتجزأ من مؤامرة تفكيك مصر وتحويلها إلى دولة فاشلة، فهذا أفضل لهم من أن تكون دولة قوية أو اسلامية.
*رئيس حزب العمل المصري ورئيس تحرير جريدة الشعب الجديد