ارشيف من :آراء وتحليلات

مصر... أمام الامتحانات الصعبة

مصر... أمام الامتحانات الصعبة
لم تكن هنالك حاجة لأن يمر عام كامل قبل أن يكتشف المصريون قلة الفرق بين حسني مبارك الذي أسقطته الثورة ومحمد مرسي الذي وصل إلى الحكم على أجنحة الثورة. فهذه النتيجة استشرفها كثيرون بعد تصرم المئة يوم الأولى من حكمه، كما أنها كانت معروفة مسبقاً بالنسبة لمن يعرفون الخطوط العامة لفكر الاخوان المسلمين ولممارساتهم التي افتقرت إلى رؤية واضحة للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، وتعارضت مع التوجهات القومية وحتى الدينية الساعية إلى التحرر من نير التبعية للمستعمر الغربي وللاحتلال الإسرائيلي.

وقد تجلت نزعة العداء لمطالب المصريين في كلام الشيخ يوسف القرضاوي الذي استنكر مطلب تنحية الرئيس مرسي واصفاً إياه بأنه "ولي الأمر" وأن من غير الممكن له أن يصلح في عام واحد ما أفسده الحكام السابقون خلال ستين عاماً. أي خلال الفترة التي افتتحها الضباط الأحرار وجمال عبد الناصر في العام 1952 قبل أن يقوم بتدمير إنجازاتها كل من أنور السادات وحسني مبارك.

والواضح أن ما سدد إليه القرضاوي غير المعروف بمواقفه المميزة ضد حكم السادات وخليفته مبارك، هو نظام جمال عبد الناصر الذي سجل التاريخ مآثره في مجالات البناء الاقتصادي والاجتماعي واحتضانه للقضية الفلسطينية وسائر قضايا التحرر في المنطقة والعالم، وتمسكه خصوصاً بالوحدة العربية كبديل عما يتهدد مجتمعاتنا من تمزقات طائفية وإتنية وقبلية.

مصر... أمام الامتحانات الصعبة

واللافت أن جميع الحجج التي أوردها القرضاوي في دفاعه عن نظام مرسي، من نبذ العنف والدعوة إلى الحوار بين الحاكم والمحكوم، هي بالضبط ما نحاه جانباً عندما ألقى بثقله كله في ميدان التحريض على الاقتتال في سوريا.

على أي حال، وقعت الواقعة في مصر. فرفض الرئيس مرسي لمطلب التنحي وإجراء انتخابات مبكرة، رغم تشديده في خطابه الطويل جداً على الديموقراطية وصناديق الاقتراع التي منحته الشرعية، ملأ ساحات مصر وميادينها بعشرات الملايين من المصريين المنقسمين بين معارضين ومؤيدين. ولشدة الاحتقان قفز الكلام عن الحرب الأهلية إلى الواجهة، وكان الأزهر في طليعة المحذرين من الحرب الأهلية.

ولو افترضنا ورجونا ألا تكون الحرب الأهلية قد نشبت فعلاً في مصر مع تواتر الأخبار عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى في الاشتباكات التي اندلعت حتى الآن بين المعارضين والمؤيدين، فإن تلافي تجرع هذه الكأس لا يبدو سهلاً مع إصرار المعارضة على التنحي والتهديد بالعصيان المدني ومع تمسك الرئيس وحزبه بالمواقف المتشددة والتهديدات التي رفعت من منسوب الحنق لدى المعارضين.

ولو افترضنا ورجونا أن تتوافر القوى المتصارعة في الساحة المصرية على ما يكفي من الحكمة والقدرة على الإمساك بالشارع، فإن ذلك لا يحجب الخطر المتمثل بسهولة دفع الأمور إلى الهاوية من قبل ما لا يحصى من أطراف دولية وإقليمية حريصة على تدمير مصر وتفتيتها.

فالحقيقة أن المشروع الصهيوـ أميركي وأدواته المحلية يمتلك الكثير من أساليب الإرهاب والتدمير والتفتيت التي شملت فلسطين وسوريا وتونس وليبيا واليمن والعراق والسودان والصومال، في إطار مخطط لاستباحة المنطقة لا ينجو منه حتى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم حلفاء استراتيجيين لأميركا والكيان الصهيوني.

وإذا كان ذلك المشروع يركز اهتمامه على تدمير البلدان المذكورة، فمن المؤكد أنه يركز على مصر، بما هي مصر، وبغضّ النظر عن السياسات غير البناءة التي اعتمدت فيها على جميع الصعد منذ السادات وحتى اليوم، اهتماماً أكبر بكثير. يكفي أن نتخيل مدى الهلع الذي يصيب دوائر الاستكبار، ومدى التغير في موازين القوى، في حال قيام نظام ينهض باقتصاد مصر المنكوب، ويفجر طاقات الشعب المصري، ويعيد مصر إلى موقعها في قيادة حركة التحرر في المنطقة العربية ويتصدى بحزم للمشروع الصهيو-أميركي.

مصر... أمام الامتحانات الصعبة

وفي إطار مشاريع التدمير والتفتيت، تعيش مصر أزمة اقتصادية خانقة في ظل الفساد وارتفاع المديونية وتفشي الفقر بين معظم السكان، والتهديد الذي تتعرض له مياه النيل. كما نلحظ جهوداً تبذل من أجل انفصال أقاليم مصرية وإقامة دويلات "غنية" على مثال إمارات ومشيخات الخليج في سيناء أو حول مرافق اقتصادية كبرى كسد أسوان وقناة السويس.

والواقع أن كل هذه المشكلات لا تحظى بالحد الأدنى من اهتمام الرئيس مرسي الذي يبدو أكثر انشغالاً بإحكام السيطرة على الحكم عبر إقصاء المعارضين والارتهان لصندوق النقد الدولي، أو من خلال توثيق العلاقة بأميركا و"إسرائيل" وما يستلزمه ذلك من مواقف مهينة لمصر كتلك التي اعتمدها مؤخراً إزاء سوريا.

امتحانات صعبة على الشعب المصري أن يعرف كيف يجتازها لكي يجنب مصر مرارة الكأس و"يرسي" مصر على بر الأمان.
2013-07-02