ارشيف من :آراء وتحليلات
فرانسوا أولاند في تونس :زيارة متأخرة جداً فرضتها المصالح
يؤدي الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا أولاند زيارة إلى تونس هي الأولى له منذ نجاحه في الوصول إلى الايليزيه السنة الماضية. وقد كان من المفروض أن يستهل أولاند جولته المغاربية التي قام بها في وقت سابق بزيارة تونس باعتبارها مهد ما يسمى بـ"الربيع العربي" لكنه استثناها واقتصر على زيارة الجزائر والمغرب، نظرا للتنافر الحاصل بين باريس وحكام تونس الجدد بسبب أكثر من ملف، والذي تدعّم بحرق السفارة الأمريكية في تونس السنة الماضية الأمر الذي أغضب الأوروبيين أهم الشركاء الاقتصاديين للبلاد التونسية.
كما ألغت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في وقت سابق زيارة كانت مقررة إلى تونس، احتجاجا على حرق سفارة واشنطن وطالبت بتوفير الحماية للبعثات الديبلوماسية الأجنبية، وسار على خطاها أكثر من مسؤول في القارة العجوز. ويبدو أن الأوروبيين لم يرفعوا "حظرهم" عن زيارة تونس، ولا تعدو زيارة أولاند أن تكون سوى استجابة لطلب صديقه الشخصي مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي الذي أصر عليه من أجل الحضور لحاجة تونس في هذه المرحلة الانتقالية لأشقائها في مشرق العالم الاسلامي ومغربه وجيرانها المتوسطيين لدعمها سياسيا واقتصاديا.
استعدادات
ومن بين الاستعدادات التي قام بها التونسيون تمهيدا لهذه الزيارة الافراج عن ناشطات منظمة "فيمن" وهن فرنسيتان وألمانية قمن بالتعري أمام المحكمة الابتدائية بتونس احتجاجا على احتجاز السلطات التونسية لإحدى التونسيات المنتميات إلى منظمتهن. فتم إيقافهن وإيداعهن السجن وحكم عليهن بالسجن أربعة أشهر مع النفاذ العاجل من أجل جريمة "التجاهر بما ينافي الحياء" وهي جريمة لا وجود لها في النصوص القانونية الغربية. وفي طور الاستئناف تم التخفيف من الحكم ليصبح النفاذ العاجل تأجيلا للتنفيذ وهو ما أثار سخط جانب من الرأي العام في تونس باعتبار أن قضاء البلاد ما زال مسيسا يخضع لأهواء الحكام الراغبين في إرضاء فرانسوا أولاند.
الزيارة الحالية كان يفترض ان تتم خلال زيارة اولاند للدول المغاربية سابقا
كما قام القضاء بالافراج عن مغني "راب" تونسي قام بسب رجال الأمن في إحدى أغانيه وأثار احتجازه والحكم عليه بالسجن سخط المنظمات الحقوقية في تونس وفي أوروبا، وأصبح هذا الفنان أشهر من نار على علم وعنوانا لما سمي في الغرب "ديكتاتورية الاسلاميين". ويبدو أن السلطات التونسية التي بان للعيان تدخلها في القضاء، قد قامت بالضغط من أجل الافراج عن هذا الفنان قبل زيارة أولاند الذي من المتوقع أن يثير هذه المسائل المتعلقة بحقوق الانسان، وهو تدخل سافر في الشأن التونسي بقطع النظر عن صحة الاجراء المتخذ بشأن الفنان من قبل السلطات التونسية من عدمه.
انتظارات
وتنتظر الحكومة التونسية الكثير من الزيارة الأولى لرئيس فرنسي منذ اندلاع شرارة الثورة، لدفع الاستثمارات الأجنبية المتعطلة في البلاد وكذلك لإعادة السياح الفرنسيين الذين قل توافدهم إلى أرض الخضراء بفعل الاضطرابات التي عرفتها تونس خلال الفترة الماضية. فالسياح الفرنسيون كانوا قبل الثورة يحتلون المرتبة الثانية في أعداد الوافدين على البلاد بعد الألمان، وعودتهم ضرورية لتحريك القطاع السياحي الراكد. كما إن فرنسا ملتزمة مع باقي الأوروبيين بتوفير سيولة مالية للبلاد وعلى أقساط لمساعدتها في انتقالها الديمقراطي، وينتظر حكام تونس الجدد إيفاء باريس بوعودها.
اولاند خلال زيارته للمغرب
ولفرنسا أيضا مصالح في تونس فهي بحاجة إلى الفوسفات الذي يستخرج منه اليورانيوم الضروري لإنتاج الطاقة النووية، وهي بحاجة أيضا إلى النوعية الرفيعة للبترول التونسي الذي لا ينتج بكميات كبيرة لكنه كافٍ لجعل البلاد تحقق اكتفاءها الذاتي من هذه المادة. ولفرنسا أيضا استثمارات كبرى في تونس صناعية بالأساس وشركاتها بحاجة إلى تجديد الاتفاقيات السابقة الموقعة بين البلدين والتي تضمن مصالح المستثمرين الفرنسيين والجالية الفرنسية في تونس المتواجدة بكثافة من مخلفات سنوات الاستعمار.
الاعتذار مجددا
ومع الاعلان عن هذه الزيارة تعالت الأصوات مجددا في تونس مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها الاستعمارية واغتيالاتها السياسية التي شملت مناضلي الحركة الوطنية التونسية وأشهرهم الزعيم النقابي مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل فرحات حشاد، وقد طالب بعض الناشطين في المجتمع المدني باريس بفتح أرشيفها المتعلق بسنوات الاستعمار في تونس أمام العموم لمعرفة الحقائق كاملة. كما يطالب التونسيون فرنسا بالاعتذار عن العرض الذي قدمته وزيرة دفاعها السابقة لبن علي بإرسال معدات تساعده على قمع الثورة التي شهدتها البلاد.
لكن يبدو أن باريس ستصم آذانها عن هذه الملفات ولن تقدم الاعتذار المنشود ما دامت الحكومة الجديدة غارقة إلى حد النخاع في المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وراغبة في المساعدات الأوروبية. فحكام تونس الجدد كانوا متحمسين في البداية لفك الارتباط مع الأوروبيين وتوجيه البوصلة إلى الخليج وانتهاج سياسة اقتصادية جديدة تقطع مع الماضي. لكن أصدقاء حركة "النهضة" الخليجيين لم يقدموا سوى الوعود التي لم تنفذ واقعا ما جعل النهضويين ينتصرون في النهاية للخيار البورقيبي ويعودون إلى الشريك الاقتصادي الأول للبلاد وهو الاتحاد الأوروبي الذي يساعد ليس حبا في التونسيين، وإنما دفاعا عن أمنه واستقراره ووقاية لبلدانه من الهجرة السرية وما يسمى "الارهاب".
كما ألغت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في وقت سابق زيارة كانت مقررة إلى تونس، احتجاجا على حرق سفارة واشنطن وطالبت بتوفير الحماية للبعثات الديبلوماسية الأجنبية، وسار على خطاها أكثر من مسؤول في القارة العجوز. ويبدو أن الأوروبيين لم يرفعوا "حظرهم" عن زيارة تونس، ولا تعدو زيارة أولاند أن تكون سوى استجابة لطلب صديقه الشخصي مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي الذي أصر عليه من أجل الحضور لحاجة تونس في هذه المرحلة الانتقالية لأشقائها في مشرق العالم الاسلامي ومغربه وجيرانها المتوسطيين لدعمها سياسيا واقتصاديا.
استعدادات
ومن بين الاستعدادات التي قام بها التونسيون تمهيدا لهذه الزيارة الافراج عن ناشطات منظمة "فيمن" وهن فرنسيتان وألمانية قمن بالتعري أمام المحكمة الابتدائية بتونس احتجاجا على احتجاز السلطات التونسية لإحدى التونسيات المنتميات إلى منظمتهن. فتم إيقافهن وإيداعهن السجن وحكم عليهن بالسجن أربعة أشهر مع النفاذ العاجل من أجل جريمة "التجاهر بما ينافي الحياء" وهي جريمة لا وجود لها في النصوص القانونية الغربية. وفي طور الاستئناف تم التخفيف من الحكم ليصبح النفاذ العاجل تأجيلا للتنفيذ وهو ما أثار سخط جانب من الرأي العام في تونس باعتبار أن قضاء البلاد ما زال مسيسا يخضع لأهواء الحكام الراغبين في إرضاء فرانسوا أولاند.
الزيارة الحالية كان يفترض ان تتم خلال زيارة اولاند للدول المغاربية سابقا
انتظارات
وتنتظر الحكومة التونسية الكثير من الزيارة الأولى لرئيس فرنسي منذ اندلاع شرارة الثورة، لدفع الاستثمارات الأجنبية المتعطلة في البلاد وكذلك لإعادة السياح الفرنسيين الذين قل توافدهم إلى أرض الخضراء بفعل الاضطرابات التي عرفتها تونس خلال الفترة الماضية. فالسياح الفرنسيون كانوا قبل الثورة يحتلون المرتبة الثانية في أعداد الوافدين على البلاد بعد الألمان، وعودتهم ضرورية لتحريك القطاع السياحي الراكد. كما إن فرنسا ملتزمة مع باقي الأوروبيين بتوفير سيولة مالية للبلاد وعلى أقساط لمساعدتها في انتقالها الديمقراطي، وينتظر حكام تونس الجدد إيفاء باريس بوعودها.
اولاند خلال زيارته للمغرب
الاعتذار مجددا
ومع الاعلان عن هذه الزيارة تعالت الأصوات مجددا في تونس مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها الاستعمارية واغتيالاتها السياسية التي شملت مناضلي الحركة الوطنية التونسية وأشهرهم الزعيم النقابي مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل فرحات حشاد، وقد طالب بعض الناشطين في المجتمع المدني باريس بفتح أرشيفها المتعلق بسنوات الاستعمار في تونس أمام العموم لمعرفة الحقائق كاملة. كما يطالب التونسيون فرنسا بالاعتذار عن العرض الذي قدمته وزيرة دفاعها السابقة لبن علي بإرسال معدات تساعده على قمع الثورة التي شهدتها البلاد.
لكن يبدو أن باريس ستصم آذانها عن هذه الملفات ولن تقدم الاعتذار المنشود ما دامت الحكومة الجديدة غارقة إلى حد النخاع في المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وراغبة في المساعدات الأوروبية. فحكام تونس الجدد كانوا متحمسين في البداية لفك الارتباط مع الأوروبيين وتوجيه البوصلة إلى الخليج وانتهاج سياسة اقتصادية جديدة تقطع مع الماضي. لكن أصدقاء حركة "النهضة" الخليجيين لم يقدموا سوى الوعود التي لم تنفذ واقعا ما جعل النهضويين ينتصرون في النهاية للخيار البورقيبي ويعودون إلى الشريك الاقتصادي الأول للبلاد وهو الاتحاد الأوروبي الذي يساعد ليس حبا في التونسيين، وإنما دفاعا عن أمنه واستقراره ووقاية لبلدانه من الهجرة السرية وما يسمى "الارهاب".