ارشيف من :آراء وتحليلات

مصر بعد مرسي بين أجندات الداخل والخارج؟

مصر بعد مرسي بين أجندات الداخل والخارج؟
عبد الحسين شبيب

ماذا بعد عزل الجيش المصري الرئيس الاخواني محمد مرسي؟ ليس هناك فرضية واحدة للإجابة عن هذا السؤال المعقد لأسباب عديدة، بينها أن اللاعبين على الساحة المصرية حاليا ليسوا محليين فقط، بل كالعادة هناك لاعبون خارجيون ممن لهم تأثير سابق في الأحداث أو ممن سيسارعون إلى تلقف الحدث من اجل وضع بصمتهم عليه. فإذا كانت القوة الشعبية التي خرجت مطالبة برحيل مرسي وإجراء انتخابات مبكرة تصرفت بملء إرادتها ووفق أجندة داخلية، فان أطرافا أخرى خارجية ستدخل على الخط مباشرة من اجل اخذ الأحداث إلى أجندتها الخاصة مستفيدة من حال التخبط والفوضى التي بدأت ترافق عملية الانتقال بين مرحلتي مرسي وما بعده.

مصر بعد مرسي بين أجندات الداخل والخارج؟
الهاجس الأمني هو المسيطر على التحليلات 

ويبدو أن الهاجس الأمني هو المسيطر على التحليلات في ظل احتمال ذهاب الأمور نحو اشتباك عسكري يتدحرج ككرة الثلج بين تنظيم الإخوان المسلمين وأنصاره من جهة وبين أنصار المعارضين لهم من جهة أخرى. وفي صلب هذا الاشتباك يقف الجيش المصري الذي اخذ نفسه ناحية المعارضين معتبرا أنهم الأغلبية الشعبية التي ينبغي أن ينحاز لها. لكن تكرار سيناريو الجيش كما حصل مع مبارك وموقفه الذي امن انتقالا آمنا للسلطة ـ إلى حد ما ـ قد لا يتكرر بسبب اختلاف المعطيات بين المرحلتين. فتنظيم الإخوان لديه وفق الحسابات الانتخابية السابقة قوة شعبية لا يستهان بها، حتى وإن لم تعد تشكل الأغلبية كما يقول معارضوه، ولكنها كافية إذا ما رمت ثقلها في المواجهات الميدانية أن تأخذ مصر إلى وضع يمنع تأمين عبور آمن للسلطة. 

فمن الواضح أن الإخوان سيستميتون من اجل تقويض عملية اخذ السلطة منهم، لان الفرصة التي حصلوا عليها لن تتكرر، خصوصا إذا ما استتب الوضع لخصومهم، وهم بالمعنى السياسي "إما قاتل أو مقتول"، أي لا خيار أمامهم سوى رفع سقف الاعتراض إلى أقصى ما يمكن أن يبلغوه بحيث يوازي "زلزال" رد فعلهم "زلزال" عزل الرئيس الذي حكم باسمهم عاماً كاملاً. وحيث إنهم يصفون ما حصل بالانقلاب العسكري فان رد الفعل يمكن أن يكون على شاكلة اعتراض عسكري أيضا، مع فارق الإمكانيات والخبرة، خصوصا إذا ما استمرت وتيرة المواجهات المتنقلة من مدينة إلى أخرى، وإذا ما استمر سقوط القتلى والجرحى من مناصري الأخوان برصاص القوى الأمنية والجيش، كما يحصل الآن، ما من شأنه أن يفاقم الأزمة ويزج الجيش في مواجهة غير محمودة العواقب من شأنها فتح الوضع المصري على فوضى أمنية كبيرة ـ قد تقترب إلى حد الحرب الأهلية ـ إذا ما نجحت محاولات الذي يشتغلون منذ زمن على الانقسامات الطائفية وغير الطائفية في هذا البلد. 

وما يعزز السيناريوهات السيئة هو أن الجيش لم يكتف بعزل الرئيس واحتجازه بل إن الإطاحة بحكم الإخوان أرفقت باعتقال عدد من قياداتهم ومحاصرتهم وعزلهم عن جمهورهم ووقف قنواتهم التلفزيونية وصحفهم، ما قد يفهم على انه "حرب مفتوحة" تطال هذا التنظيم وتتجاوز عملية نزع الرئاسة منهم فقط، وهو أمر لا يتوقع أن يمر مرور الكرام، لان "الإخوان المسلمين" إذا ما استسلموا لهذا المسار فان ذلك يعني عودة إلى مرحلة الاعتقالات والسجون والحظر من النشاط السياسي كما كان أيام حسني مبارك. 

وبالنظر إلى العامل الخارجي الذي يمكن أن يتولى تغذية الصراعات الداخلية فان القلق يتمركز حول السلوك الأميركي المرتقب إزاء القيادة الجديدة التي يمكن أن تنبثق عن حركة المعارضة التي اتخذت موقفا مناهضا للسياسة الأميركية ولسفيرتها في القاهرة آن باترسون التي وصفها المتظاهرون في جمعة إسقاط مرسي بالـ "حيزبون"، أي العجوز الداهية. وكانت هتافات المحتجين على حكم مرسي واضحة ضد الولايات المتحدة التي يتهمونها بإبرام صفقة مع الإخوان أتاحت توليهم السلطة وغطت العام الأول من حكمهم، لا بل إن باترسون حاولت القيام بوساطة بين مرسي ومعارضيه كما تقول بعض المصادر الصحفية.

وفي حال ذهب المعارضون نحو خيارات تقلص من التدخل الأميركي في الشؤون المصرية كما قالوا في تظاهراتهم الأخيرة، فان ذلك قد يعني مزيدا من التأزيم الأميركي للوضع حتى لا يقام نظام في القاهرة مناهض للسياسة الأميركية. ومن هنا يمكن فهم الرسائل الأميركية للجيش المصري بضرورة "احترام الديمقراطية" على أنها محاولة لوضع خطوط حمر لمقارباته السياسية، وإلا فان سلاح تقليص "المعونات" الأميركية لمصر المقدرة بمليار ونصف المليار دولار سنوياً مرجح للتوقف.

العنصر الخارجي الآخر الجاهز للدخول على الخط دائماً هو "إسرائيل" التي تنظر دائما بعين القلق إلى ما يجري في مصر منذ رحيل مبارك، واحتمال أن لا تتكرر تجربة الإخوان المسلمين بالحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع "تل أبيب". لكن ما يمكن أن تطمح إليه "إسرائيل" هو ترسيخ الانقسام داخل المجتمع المصري وانشغال الجيش بمواجهة مع الإخوان والقوى الإسلامية المؤيدة له، بحيث يؤدي ذلك إلى إضعافه ـ وهو هم دائم لدى العدو الإسرائيلي تجاه أي جيش عربي أو إسلامي يتوجس منه خيفة ـ وانصرافه نحو الشأن الداخلي بعدما تحول عملياً إلى قوة تمارس السياسة بالفعل.

ثالث العناصر الخارجية هو اللاعب العربي الذي دخل بقوة على خط الأزمة من خلال التهنئة الأولى التي بادر إليها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز تجاه الرئيس المؤقت عدلي منصور، ومن ثم تخصيص ثمانية مليارات دولار لدعم النظام الجديد، ملياران منها للشعب المصري كما قال منصور في تغريدة له على حسابه على موقع تويتر، ويظهر ذلك على انه محاولة سعودية لخطف "الثورة الجديدة". وفي المقابل فان عزل مرسي شكل انتكاسة للدور القطري الذي يعمل على تعويم قوة الإخوان المسلمين ومد نفوذهم بالمال والدعم الإعلامي، وهو أمر ترفضه السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى. وربما يجد هذا الخلاف الخليجي ترجمات ميدانية له من خلال ضخ المزيد من المال لتغذية الانقسامات الداخلية وتوفير أدوات التقاتل والتحارب، كذلك قد يفعل دخول تركيا على الخط باعتبارها القوة الإقليمية الكبيرة التي يقودها "الفرع التركي من الإخوان".

وعليه فان الاستنتاج الأولي أن مصر مقبلة على مرحلة خطرة مفتوحة على احتمالات مقلقة لا يبعد عنها كثيراً الخطر الأمني الذي يتمناه لها الكثيرون. ولعل لهجة مرشد الإخوان محمد بديع أمام الحشود في ساحة رابعة العدوية مؤشر على منسوب رد الفعل الذي يمكن أن يتدحرج من اعتراض سلمي إلى أشكال أخرى ستكون أيضا مرهونة بمنسوب رد فعل الطرف المقابل في معركة كسر العظم كما يمكن تسميتها، لا سيما إذا بقيت الجماهير في الساحات مستنفرة ومتحفزة.
2013-07-06