ارشيف من :آراء وتحليلات
سقوط مرسي كشف بسرعة ثلاثة أمور
حمل سقوط الرئيس المصري محمد مرسي السريع ثلاث دلالات التبست على البعض وكان إثباتها يحتاج لزمنٍ وجدل طويلين: الأول: أن "الربيع العربي" ليس حالة طارئة، وأن تفاعلاته ما زالت على حيويتها . والثاني: أن رهان الأخوان على مرضاة أمريكا كان رهاناً خاسراً. والثالث: وصول المشروع السياسي للاخوان المسلمين إلى الحائط المسدود.
أما "الربيع العربي" فقد أعاد الإعتبار لنفسه بعد أن ركد بل وخُطف في لحظة كانت الناس فيها تفتقد لقياداتٍ تاريخية تناسب المرحلة وتضعه في السياق.. ربيع عزلت بعض (النخب) نفسها عن فهمه فرأت فيه (صناعة أمريكية) فيما المفارقة أن أمريكا كانت وما زالت تخشاه، لكن فارق القياس هو من الفارق في العقلية؛ الأمريكيون منفتحون على كل ظاهرة بغية ترويضها، بعضنا يعفي نفسه من البحث فيأخذ الأمر إلى مشجب المؤامرة تفسيرا بالرغم مما يكتنفها من دونية واستلاب!!. ما حدث في 30 يونيو /حزيران شكل صفعة لأصحاب "نظرية المؤامرة" بقدر ما شكل صفعة للإخوان المسلمين . مع قاسم مشترك بينهما وهو الإفلاس، هناك إفلاس في فهم حركة التاريخ الذي يسير بديناميات علم الاجتماع وليس فقط " المؤامرات" ما جعل ويجعل بعض (نخبنا ) ـ لأغراض مختلفة فيما بينهم ـ على رصيف هذا الحراك البركاني الذي يجتاح عالمنا العربي عاجزين عن فهمه، وهذا الإفلاس هو ذاته الذي قاد المسيسين للإسلام إلى السقوط، وبذات الذهنية يردونه الآن إلى فعل "انقلاب عسكري"، والحقيقة أن السقوط المدوي بدأت تباشيره منذ الأيام الأولى عندما وضعوا نصب أعينهم السلطة هدفاً وحسب، والإستئثار وسيلة تحت مسمى "التمكين"!. حتى جعلتهم هذه الرغبة الجامحة يستبعدون فصائل اسلامية شاركتهم (النضال) حتى الماضي القريب؛ وبذا استنسخوا من فرصتهم التاريخية نظاما شبيها بالذي خرجوا عليه قبل سنة ونيف. وبالممارسة فقد أكد الإخوان مرة ثانية بأنهم مشروع سلطة وحسب باعتبار أن الأولى كانت أعقاب ثورة 1952 المصرية، والآن تتكرر لدرجة الإبتذال والإسفاف حد مخاطبة بيريز: " عزيزي وصديقي العظيم"!! وهذا في رسالته الفضيحة التي يختمها بعبارة : "صديقكم الوفي محمد مرسي". ابتذال لا يليق برئيس مصرالدولة الأكبر وصاحبة المكانة القيادية في المنطقة والتاريخ العريق في دعم حركات التحرر. وهو ابتذال يزيد على المهانة مهانةً! فهل هناك أكثر من هذا العدوان الإسرائيلي المستمر على حقوق العرب إهانةً، أو الاستخفاف بمشاعرهم سواء في الاستيلاء على المقدسات أو التهويد المنظم للقدس وأراضي ما تبقى من فلسطين، وإنه ابتذال يفقد أصحابه كرامةً فكيف بمن يدعي القرآن دستوراً له فهل غفل مرسي عن آيات الله!!!. على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواۖ ..}.
لقد اعتقد الأخوان بخفة سياسية لا مثيل لها بأن مرضاة أمريكا ستمكنهم وتعطيهم الفرصة لتعميق جذورهم، وما الطريق إلى هذا إلا بطلب ودِّ (إسرائيل)، وتقديم (وثائق حسن السلوك) لواشنطن، وكان آخرها قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا!. مرةً أخرى يضيّع الأخوان البوصلة، فجذورهم في مصر لا تعمقها إلا التنمية الحقيقية، والسعي للتخفيف من معاناة الطبقات الفقيرة. هذا هو السهل الممتنع الذي جعل من عبد الناصر سيد مصر ونبض قلب شعبها. بالرغم من حصار الأغنياء له ومنع أي مساعدة عنه. وبهذا لم يفترق الإخوان عن السادات، أو مبارك، طلباً للتسول طريقاً. ومن هنا أدرك المصريون وبحسهم المتنامي بحكم التجربة والمعاناة أن التاريخ أخذ يكرر ذاته مرة أخرى!، وبأن ثورة يناير/كانون الثاني في الطريق لتضيع منهم.
لقد كان رهان الإخوان على الأمريكيين رهاناً خاسراً، وهذا لأمرين على الأقل: الأول أن أمريكا لا ترتاح ـ في المبدأ ـ لتسيد نسيج سياسي واحد ومن ذات الجذر والطبيعة بدءًا من تونس غرباً وحتى الأردن شرقاً يطرق أبواب القصر الملكي في عمان! في حين أن كل الحسابات الأمريكية مبنية على تناقضات الأنظمة وتنافساتها.
وثانياً أن هم أمريكا هو في إبقاء مصر اسيرة معادلة: (نص نص)!.. أي نص ظمأى على نصف شبعى، مصر بنصف استقرار على صفيح ساخن.. متسربلة بفقرها، وهمومها من منابع النيل وحتى سينا المستباحة بالفراغ، وإلى ما يضعها في المحصلة أسيرة لعبة لا تملك خيوطها، وبذا يبقى همها الاستمرار تحت ظل الحاجة إلى غطاء الغرب في السياسة، والمساعدات الاقتصادية من أمريكا أو من يقوم بمقامها من دول النفط العربية!!.
إن ما سبق جدير بأن يبعث قواعد الإخوان إلى عملية نقد ذاتي بدل التلويح باستخدام العنف الذي أثبت أنه لم يحقق شيئاً في الجزائر إلا المزيد من إراقة الدماء؛ وحال مصر اليوم أشبه بحال الجزائر بالأمس. إنها ساعة الحقيقة أمام المعارضين للرئيس المعزول أو الموالين له، للجلوس بهدوء لنسج عقد اجتماعي على الحد الأدنى، تحت عنوان عريض: "نختلف تحت سقف الإجماع على سيادة مصر وحرية قرارها وصدارة دورها". عقد لا بد وأن تكتبه قوى الشباب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وإلا فالبديل حرب أهلية لا منتصر فيها.
كاتب من لبنان
أما "الربيع العربي" فقد أعاد الإعتبار لنفسه بعد أن ركد بل وخُطف في لحظة كانت الناس فيها تفتقد لقياداتٍ تاريخية تناسب المرحلة وتضعه في السياق.. ربيع عزلت بعض (النخب) نفسها عن فهمه فرأت فيه (صناعة أمريكية) فيما المفارقة أن أمريكا كانت وما زالت تخشاه، لكن فارق القياس هو من الفارق في العقلية؛ الأمريكيون منفتحون على كل ظاهرة بغية ترويضها، بعضنا يعفي نفسه من البحث فيأخذ الأمر إلى مشجب المؤامرة تفسيرا بالرغم مما يكتنفها من دونية واستلاب!!. ما حدث في 30 يونيو /حزيران شكل صفعة لأصحاب "نظرية المؤامرة" بقدر ما شكل صفعة للإخوان المسلمين . مع قاسم مشترك بينهما وهو الإفلاس، هناك إفلاس في فهم حركة التاريخ الذي يسير بديناميات علم الاجتماع وليس فقط " المؤامرات" ما جعل ويجعل بعض (نخبنا ) ـ لأغراض مختلفة فيما بينهم ـ على رصيف هذا الحراك البركاني الذي يجتاح عالمنا العربي عاجزين عن فهمه، وهذا الإفلاس هو ذاته الذي قاد المسيسين للإسلام إلى السقوط، وبذات الذهنية يردونه الآن إلى فعل "انقلاب عسكري"، والحقيقة أن السقوط المدوي بدأت تباشيره منذ الأيام الأولى عندما وضعوا نصب أعينهم السلطة هدفاً وحسب، والإستئثار وسيلة تحت مسمى "التمكين"!. حتى جعلتهم هذه الرغبة الجامحة يستبعدون فصائل اسلامية شاركتهم (النضال) حتى الماضي القريب؛ وبذا استنسخوا من فرصتهم التاريخية نظاما شبيها بالذي خرجوا عليه قبل سنة ونيف. وبالممارسة فقد أكد الإخوان مرة ثانية بأنهم مشروع سلطة وحسب باعتبار أن الأولى كانت أعقاب ثورة 1952 المصرية، والآن تتكرر لدرجة الإبتذال والإسفاف حد مخاطبة بيريز: " عزيزي وصديقي العظيم"!! وهذا في رسالته الفضيحة التي يختمها بعبارة : "صديقكم الوفي محمد مرسي". ابتذال لا يليق برئيس مصرالدولة الأكبر وصاحبة المكانة القيادية في المنطقة والتاريخ العريق في دعم حركات التحرر. وهو ابتذال يزيد على المهانة مهانةً! فهل هناك أكثر من هذا العدوان الإسرائيلي المستمر على حقوق العرب إهانةً، أو الاستخفاف بمشاعرهم سواء في الاستيلاء على المقدسات أو التهويد المنظم للقدس وأراضي ما تبقى من فلسطين، وإنه ابتذال يفقد أصحابه كرامةً فكيف بمن يدعي القرآن دستوراً له فهل غفل مرسي عن آيات الله!!!. على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواۖ ..}.
لقد اعتقد الأخوان بخفة سياسية لا مثيل لها بأن مرضاة أمريكا ستمكنهم وتعطيهم الفرصة لتعميق جذورهم، وما الطريق إلى هذا إلا بطلب ودِّ (إسرائيل)، وتقديم (وثائق حسن السلوك) لواشنطن، وكان آخرها قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا!. مرةً أخرى يضيّع الأخوان البوصلة، فجذورهم في مصر لا تعمقها إلا التنمية الحقيقية، والسعي للتخفيف من معاناة الطبقات الفقيرة. هذا هو السهل الممتنع الذي جعل من عبد الناصر سيد مصر ونبض قلب شعبها. بالرغم من حصار الأغنياء له ومنع أي مساعدة عنه. وبهذا لم يفترق الإخوان عن السادات، أو مبارك، طلباً للتسول طريقاً. ومن هنا أدرك المصريون وبحسهم المتنامي بحكم التجربة والمعاناة أن التاريخ أخذ يكرر ذاته مرة أخرى!، وبأن ثورة يناير/كانون الثاني في الطريق لتضيع منهم.
لقد كان رهان الإخوان على الأمريكيين رهاناً خاسراً، وهذا لأمرين على الأقل: الأول أن أمريكا لا ترتاح ـ في المبدأ ـ لتسيد نسيج سياسي واحد ومن ذات الجذر والطبيعة بدءًا من تونس غرباً وحتى الأردن شرقاً يطرق أبواب القصر الملكي في عمان! في حين أن كل الحسابات الأمريكية مبنية على تناقضات الأنظمة وتنافساتها.
وثانياً أن هم أمريكا هو في إبقاء مصر اسيرة معادلة: (نص نص)!.. أي نص ظمأى على نصف شبعى، مصر بنصف استقرار على صفيح ساخن.. متسربلة بفقرها، وهمومها من منابع النيل وحتى سينا المستباحة بالفراغ، وإلى ما يضعها في المحصلة أسيرة لعبة لا تملك خيوطها، وبذا يبقى همها الاستمرار تحت ظل الحاجة إلى غطاء الغرب في السياسة، والمساعدات الاقتصادية من أمريكا أو من يقوم بمقامها من دول النفط العربية!!.
إن ما سبق جدير بأن يبعث قواعد الإخوان إلى عملية نقد ذاتي بدل التلويح باستخدام العنف الذي أثبت أنه لم يحقق شيئاً في الجزائر إلا المزيد من إراقة الدماء؛ وحال مصر اليوم أشبه بحال الجزائر بالأمس. إنها ساعة الحقيقة أمام المعارضين للرئيس المعزول أو الموالين له، للجلوس بهدوء لنسج عقد اجتماعي على الحد الأدنى، تحت عنوان عريض: "نختلف تحت سقف الإجماع على سيادة مصر وحرية قرارها وصدارة دورها". عقد لا بد وأن تكتبه قوى الشباب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وإلا فالبديل حرب أهلية لا منتصر فيها.
كاتب من لبنان