ارشيف من :آراء وتحليلات
خلاف سياسي لا مذهبي
عبد الحسين شبيب
يمكن القول إن الأزمة المصرية المستجدة بعد الإطاحة بحكم الإخوان قد خلطت الأوراق من زوايا كثيرة. ففضلاً عن الغموض الذي يكتنف مسار الأمور فان اهتزازاً كبيراً أصاب المفاهيم التي اجتهدت دول كبرى وأخرى إقليمية ووسائل إعلام متعددة الجنسيات على تعميمها وتسويقها كأدوات لتحليل وفهم ما يجري من أحداث. واحد من أبرز المفاهيم التي صرفت عليها مبالغ طائلة وجهد إعلامي وسياسي لتعميمها هي أن النزاعات التي تجري في المنطقة سببها صراع مذهبي سني ـ شيعي. انطلى التضليل على كثيرين ومشوا في لعبة التفسير المذهبي هذه، التي كان هدفها عزل إيران وحلفائها في المنطقة من خلال توصيفهم على أنهم "خطر مذهبي شيعي" يتهدد "العالم الإسلامي السني"، وبات كل حدث ينظر إليه من هذه الزاوية، بعدما تم استبعاد المفاهيم الأخرى. وهناك من جاهر صراحة بأنه يود إبدال الخطر الإسرائيلي بخطر تارة يصفه بالإيراني الفارسي وطوراً بالشيعي.
لكن الأحداث الأخيرة في مصر وما تلاها من ردود فعل خارجية وإعادة اصطفاف إقليمية دحضت هذه المقولة بالكامل، وان لم يكن أصحابها يريدون ذلك. فالهجمة المستعرة على تنظيم "الإخوان المسلمين" من قبل كبار الدول الخليجية، والترحيب السريع من قبل السعودية ودولة الإمارات بإسقاط حكم الرئيس محمد مرسي، أخذت الأمور إلى مكان مختلف تماماً، بينت فيه أن الصراع داخل البيئة السياسية في العالم الإسلامي ليس له أي خلفية مذهبية إلا بقدر ما يريد النافخون في هذا البوق تحقيق مصالحهم السلطوية الخاصة والتزامهم بأجندات خارجية تملي عليهم من يتخذونه صديقاً ومن يتخذونه عدواً.
فالهجمة الشرسة على تنظيم الإخوان في مصر من قبل السعودية ومن يشاطرها الموقف في الخليج تتعلق بالخطر الذي يمثله هذا التنظيم على السلطات القائمة في تلك الدول من خلال تقديمه نموذجاً يمكن أن يحتذى لدى المجتمعات الخليجية المنادية بالإصلاح السياسي. وبمعزل عن الأخطاء التي وقعت فيها التجربة الاخوانية الحديثة في مصر فانه ومنذ البداية وبحسب جميع التقارير الغربية التي فحصت ردود الفعل الخليجية على تولي الإخوان أو ممثليهم السلطة في تونس ومصر، فقد برزت خشية كبيرة في العواصم الخليجية من أن يشكل نجاح الإخوان في هذين البلدين حافزا لكي يتحرك الإسلاميون الذين يريدون نموذجاً مختلفاً عن النموذج السلفي المتشدد.
وعليه فقد كان هذا التهديد "الوجودي" لتلك الأنظمة سبباً لكي يرتفع الخطاب العنيف من قبل هؤلاء ضد تنظيم الإخوان ونعته بأشد الصفات قسوة وصلت حد وصفهم ضمناً "بالضلال" ولا يقودون إلا إلى "النزاع والفشل" كما ورد في رسالة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك هذا العام. ويكفي الاتكاء على مستوى الاحتفاء بعزل مرسي لدى القيادتين السعودية والإماراتية وغيرهما، لكي يطرح سؤال جوهري عما إذا كان هذا الصراع داخل البيت الإسلامي الواحد صراعاً سنياً ـ سنياً ذا خلفية فقهية أو عقائدية، أم هو صراع سياسي وصراع مشاريع ينطبق على بقية الصراعات الموجودة في المنطقة والتي يريد هؤلاء أن يلبسوها لباساً مذهبياً سنياً ـ شيعياً.
وفي المقابل فان الخطوط المفتوحة التي أبقتها إيران وحلفاؤها في المنطقة مع تنظيم الإخوان المسلمين سواء في مصر أو غيرها أو مع حركة حماس، رغم الاختلاف بشأن الأزمة السورية، أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن ما يجري في المنطقة هو صراع بين مشروعين: واحد يود أن تبقى المنطقة والعالم الإسلامي تحت هيمنة الولايات المتحدة، وهذا المشروع لم يجد له عنوانا أكثر جاذبية من المذهبية لإحداث مزيد من الانقسامات الخطيرة وتغذيتها بما أمكن من عمليات شحن تتوسل العاطفة الدينية لتشتيت القوة الإسلامية بعد التجربة الجيدة التي تمثلت بالتفاف إسلامي غير مسبوق حول المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي؛ والمشروع الآخر المقابل يرى في الهيمنة الأميركية وحليفتها إسرائيل خطراً على المنطقة يستوجب تذويب جميع الاختلافات والفروقات لمواجهته وتوفير حماية للعالم الإسلامي من خطط التمزيق والتقسيم القديمة والجديدة. ومن هذا المنطلق يقوم أصحاب هذا المشروع بمحاولة تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة المصرية بما أمكنهم من وسائل، بخلاف أولئك الذين يريدون اخذ المجتمع المصري وجيشه إلى مواجهات داخلية لن تستفيد منها سوى "إسرائيل" من خلال تشتيت القوة المصرية الكبرى.