ارشيف من :آراء وتحليلات
العلاقات التونسية المصرية إلى أين؟
رغم الانتماء إلى ذات الفضاء العربي الإسلامي الإفريقي المتوسطي، ورغم الروابط الثقافية والحضارية والعرقية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، فإن العلاقات التونسية المصرية كانت تعرف على الدوام الكثير من الهزات، ولم تكن في كثير من المراحل التاريخية على أحسن ما يرام. فالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة دخل في خلاف كبير مع الزعيم جمال عبد الناصر بشأن رؤية كليهما للحل في الصراع العربي الإسرائيلي، ووصل الأمر إلى حد قطع العلاقات بين البلدين بعد حادثة إحراق السفارة التونسية في القاهرة بفعل خطاب بورقيبة الشهير في أريحا أثناء زيارته للمنطقة أواسط ستينيات القرن الماضي قبيل "النكسة".
متظاهرون تونسيون يرفعون صور مرسي
وتواصل الأمر مع رفض بورقيبة للصيغة التي وقع بها الرئيس المصري الراحل أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد، ومسارعة تونس بدعم من دول مناهضة لهذه الإتفاقية ومنها سوريا والعراق إلى استضافة مقر جامعة الدول العربية على أراضيها، بالإضافة إلى مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إثر اجتياح بيروت، ما اعتبرته القاهرة سعيا تونسيا يومها للعب دور محوري في الشؤون العربية ليس من حقها. وتحسنت العلاقات بين البلدين زمن بن علي ومبارك باعتبار خدمة كليهما للمشروع الأمريكي في المنطقة، وزادت متانة بعد الثورتين مع وصول الإخوان في كلا البلدين إلى سدة الحكم، لكن الأمور بدأت تعود إلى المربع الأول وتتوتر أكثر فأكثر مع الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في القاهرة وانتصار حكام تونس الجدد لفئة من المصريين دون أخرى.
لهجة حازمة
لقد سارعت حركة "النهضة" الحاكمة في تونس، كما رئيس البلاد محمد المنصف المرزوقي، حليف الحركة، إلى إدانة ما أقدم عليه العسكر في مصر، وبلهجة حازمة وصريحة، واعتبروا الأمر "انقلابا سافرا"، ولم يعترفوا بالحكم الجديد، وأصروا على أن الرئيس محمد مرسي هو الرئيس الشرعي لمصر، وأنهم لن يمدوا أيديهم إلا إليه ولن يتعاملوا إلا معه. ونظمت حركة "النهضة" يوم السبت الماضي مسيرة دعت فيها أنصارها إلى الخروج بكثافة لدعم شرعية مرسي. لكن الحضور لم يكن في المستوى المأمول. وقد أرجع البعض ذلك إلى شهر رمضان حيث ينصرف التونسيون إلى الصوم والعبادة ولا يعيرون اهتماما للشأن العام وأمور السياسة، إضافة إلى انصراف البعض عادة، وفي هذا الوقت من السنة، إلى الشواطئ والمنتجعات السياحية التي تعج بها البلاد هربا من حرارة الطقس.
ورغم الحضور الضعيف لأنصار حركة "النهضة "الذين رفعوا صور محمد مرسي، فإن الخطب التي ألقاها قادة حركة "النهضة" شدت إليها الانتباه. لقد بدا زعماء الحركة متوترين غاضبين على الجيش المصري متوعدين بالويل والثبور لكل من تسول له نفسه الاستهانة بالشرعية سواء في مصر أم في تونس. ولعل أكثر المداخلات التي لفتت إليها الأنظار مداخلة الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة "النهضة" في المجلس الوطني التأسيسي، التي قال فيها ان من يستبيح الشرعية ستدوسه أقدام الثوار ويستباح دمه في الشوارع. وهو ما أثار ردود أفعال منددة وهرجا في البلاد كانت الحركة في غنى عنه في هذا الظرف الذي لا يحتمل التصعيد.
الغنوشي :ما حصل في مصر انقلاب سافر!
فقد وصف الأزهر العكرمي القيادي بحزب "نداء تونس" ـ أكبر أحزاب المعارضة الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي ـ عتيق بـ"الإرهابي" بسبب أقواله في هذا "المهرجان الخطابي". ودعا قياديون بالجبهة الشعبية إلى محاكمة عتيق على هذه التصريحات، فيما رد هيثم العوني الناشط في حركة تمرد تونس على ما قاله عتيق، بأن جماعته قادمة لتهدم المجلس التأسيسي على رأس من خان الشعب التونسي في إشارة إلى حركة "النهضة".
المصريون يردون
وردا على الموقف التونسي بشأن ما يحصل في مصر، استدعت الخارجية المصرية السفير التونسي في القاهرة وأبلغته أن تصريحات تونس لا تتناسب مع العلاقات الإيجابية بين الشعبين المصري والتونسي. كما احتجت الخارجية في بيان لها في وقت سابق على تدخل كل من تونس وتركيا في الشأن الداخلي المصري. وتفيد الأنباء القادمة من القاهرة بأن حكام مصر الجدد يستعدون لرد حاسم مع نظرائهم التونسيين بعد أن يفرغوا من تنصيب حكومتهم الجديدة، فترتيب الأولويات يقتضي تأجيل هذه المسألة إلى حين استتباب الأمن في بلاد النيل، التي مازالت تشهد اضطرابات منذ الإطاحة بمحمد مرسي من قبل المؤسسة العسكرية.
ومن المتوقع بحسب كثير من المحللين أن تشهد الأمور تصعيدا أكبر بين البلدين، خاصة بعد الرد الأخير للخارجية التونسية على نظيرتها المصرية. فقد جاء في هذا الرد أن "موقف تونس هو موقف سيادي ومبدئي"، وتم إبلاغ ذلك لسفير مصر في تونس أيمن مشرفة مباشرة. ويرى أغلب المراقبين أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين جعل من تونس ومن حركة "النهضة" تحديدا بوقا دعائيا لما يقرره قادته الذين اجتمعوا مؤخرا في تركيا برعاية رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وذلك لبحث السبل الكفيلة بإرجاع محمد مرسي للحكم في مصر، إن أمكن، والحيلولة دون تكرار ما شهدته القاهرة في تونس.
انتقادات
وتعيب المعارضة التونسية كما جانب كبير من المجتمع المدني والرأي العام على حركة "النهضة" وأتباعها هذه المواقف العدائية تجاه مصر وانتصار النهضويين لمعسكر الإخوان على حساب الباقين. فالعلاقات الجيدة، بحسب هؤلاء، يجب أن تكون مع مصر الدولة بقطع النظر عمن يحكمها وليس مع الإخوان. ويعتبر هؤلاء أنه ليس من حق حركة "النهضة" والمنصف المرزوقي الحديث باسم التونسيين في هذا الموقف من مصر، لأن أغلب التونسيين يساندون ما حصل في أرض الكنانة، كما أن أغلب التونسيين كانوا يعارضون قطع علاقات بلادهم مع سوريا الشقيقة ويعتبرون ما حصل تصرفا منفردا من الحزب الحاكم ورئيس الجمهورية ما كان يجب أن يحصل. فالنهضويون أحرار، بحسب معارضيهم، في الحديث عن مواقفهم الشخصية ولكن ليس باسم الشعب التونسي.
حركة تمرد التونسية ..تتوعد الحزب الحخاكم في تونس
ويرى كثير من المحللين في تونس أن حكامهم الجدد يفتقدون الحس الإستراتيجي الذي يقرأ المعطيات الإقليمية والدولية بصورة جيدة. فالإدارة الأمريكية بحسب هؤلاء بصدد تغيير استراتيجيتها في المنطقة ولم تعد تراهن على الإخوان. وتغيير الإستراتيجية اقتضى تغيير الوكلاء، فتم تحييد قطر راعية هذه الحركات من خلال منح السلطة لولي العهد وتنصيبه حاكما خلفا لوالده، وإعادة السعودية إلى الواجهة. وتجلى ذلك في موقف حزب النور السلفي المصري المقرب من الرياض، والذي ساند عملية الإطاحة بمرسى. كما تجلى في المعونات الضخمة التي وصلت مصر من الرياض وأبو ظبي والكويت. ويرى هؤلاء أنه كان على حكام تونس الجدد قراءة هذه المتغيرات قراءة جيدة فيسعون إلى التوافق وتحصين الجبهة الداخلية عوض استفزاز المعارضة وحركة "تمرد" التونسية. وكان عليهم أيضا في إطار البراغماتية التعامل مع الواقع الجديد في مصر بحياد والوقوف على مسافة واحدة من الجميع. فتونس ستكون قوية أمام أعدائها إذا كانت علاقاتها جيدة بمصر وكل البلاد العربية والإسلامية التي تمثل عمقها الإستراتيجي، وهي إحدى أهم ركائز مؤسس الدولة الحبيب بورقيبة في سياسته الخارجية، ولذا كان لزاما الدفع باتجاه تطوير العلاقات مع مصر الدولة سواء حكمها الإخوان أم العسكر.
متظاهرون تونسيون يرفعون صور مرسي
لهجة حازمة
لقد سارعت حركة "النهضة" الحاكمة في تونس، كما رئيس البلاد محمد المنصف المرزوقي، حليف الحركة، إلى إدانة ما أقدم عليه العسكر في مصر، وبلهجة حازمة وصريحة، واعتبروا الأمر "انقلابا سافرا"، ولم يعترفوا بالحكم الجديد، وأصروا على أن الرئيس محمد مرسي هو الرئيس الشرعي لمصر، وأنهم لن يمدوا أيديهم إلا إليه ولن يتعاملوا إلا معه. ونظمت حركة "النهضة" يوم السبت الماضي مسيرة دعت فيها أنصارها إلى الخروج بكثافة لدعم شرعية مرسي. لكن الحضور لم يكن في المستوى المأمول. وقد أرجع البعض ذلك إلى شهر رمضان حيث ينصرف التونسيون إلى الصوم والعبادة ولا يعيرون اهتماما للشأن العام وأمور السياسة، إضافة إلى انصراف البعض عادة، وفي هذا الوقت من السنة، إلى الشواطئ والمنتجعات السياحية التي تعج بها البلاد هربا من حرارة الطقس.
ورغم الحضور الضعيف لأنصار حركة "النهضة "الذين رفعوا صور محمد مرسي، فإن الخطب التي ألقاها قادة حركة "النهضة" شدت إليها الانتباه. لقد بدا زعماء الحركة متوترين غاضبين على الجيش المصري متوعدين بالويل والثبور لكل من تسول له نفسه الاستهانة بالشرعية سواء في مصر أم في تونس. ولعل أكثر المداخلات التي لفتت إليها الأنظار مداخلة الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة "النهضة" في المجلس الوطني التأسيسي، التي قال فيها ان من يستبيح الشرعية ستدوسه أقدام الثوار ويستباح دمه في الشوارع. وهو ما أثار ردود أفعال منددة وهرجا في البلاد كانت الحركة في غنى عنه في هذا الظرف الذي لا يحتمل التصعيد.
الغنوشي :ما حصل في مصر انقلاب سافر!
المصريون يردون
وردا على الموقف التونسي بشأن ما يحصل في مصر، استدعت الخارجية المصرية السفير التونسي في القاهرة وأبلغته أن تصريحات تونس لا تتناسب مع العلاقات الإيجابية بين الشعبين المصري والتونسي. كما احتجت الخارجية في بيان لها في وقت سابق على تدخل كل من تونس وتركيا في الشأن الداخلي المصري. وتفيد الأنباء القادمة من القاهرة بأن حكام مصر الجدد يستعدون لرد حاسم مع نظرائهم التونسيين بعد أن يفرغوا من تنصيب حكومتهم الجديدة، فترتيب الأولويات يقتضي تأجيل هذه المسألة إلى حين استتباب الأمن في بلاد النيل، التي مازالت تشهد اضطرابات منذ الإطاحة بمحمد مرسي من قبل المؤسسة العسكرية.
ومن المتوقع بحسب كثير من المحللين أن تشهد الأمور تصعيدا أكبر بين البلدين، خاصة بعد الرد الأخير للخارجية التونسية على نظيرتها المصرية. فقد جاء في هذا الرد أن "موقف تونس هو موقف سيادي ومبدئي"، وتم إبلاغ ذلك لسفير مصر في تونس أيمن مشرفة مباشرة. ويرى أغلب المراقبين أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين جعل من تونس ومن حركة "النهضة" تحديدا بوقا دعائيا لما يقرره قادته الذين اجتمعوا مؤخرا في تركيا برعاية رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وذلك لبحث السبل الكفيلة بإرجاع محمد مرسي للحكم في مصر، إن أمكن، والحيلولة دون تكرار ما شهدته القاهرة في تونس.
انتقادات
وتعيب المعارضة التونسية كما جانب كبير من المجتمع المدني والرأي العام على حركة "النهضة" وأتباعها هذه المواقف العدائية تجاه مصر وانتصار النهضويين لمعسكر الإخوان على حساب الباقين. فالعلاقات الجيدة، بحسب هؤلاء، يجب أن تكون مع مصر الدولة بقطع النظر عمن يحكمها وليس مع الإخوان. ويعتبر هؤلاء أنه ليس من حق حركة "النهضة" والمنصف المرزوقي الحديث باسم التونسيين في هذا الموقف من مصر، لأن أغلب التونسيين يساندون ما حصل في أرض الكنانة، كما أن أغلب التونسيين كانوا يعارضون قطع علاقات بلادهم مع سوريا الشقيقة ويعتبرون ما حصل تصرفا منفردا من الحزب الحاكم ورئيس الجمهورية ما كان يجب أن يحصل. فالنهضويون أحرار، بحسب معارضيهم، في الحديث عن مواقفهم الشخصية ولكن ليس باسم الشعب التونسي.
حركة تمرد التونسية ..تتوعد الحزب الحخاكم في تونس