ارشيف من :آراء وتحليلات

قراءة شاملة في القرار الأوروبي تجاه حزب الله

قراءة شاملة في القرار الأوروبي تجاه حزب الله
أخيراً فعلها الاتحاد الأوروبي ورضخ للضغوط مصنفاً ما يسمى "الجناح العسكري" لحزب الله على لائحة الارهاب. القرار الذي بدا واضح المسار خلال الاسابيع الأخيرة، لم يكن صادماً وان كان مستغرباً. مثلاً في الأيام الماضية استمعت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الاوروبي لشهادة من ماثيو ليفيت (19 صفحة) المتخصص بالترويج للوصمة الارهابية لحزب الله في العالم (من معهد واشنطن الموالي لاسرائيل)، حيث تولى تضخيم وتزييف تاريخ الحزب في أوروبا ونسب اليه ما لا يخطر بالبال من جرائم وعمليات أمنية. ما جرى كان بمثابة التسوية للانقسامات داخل الاتحاد، بين عدم ادراج حزب الله ككل على اللائحة، كما كانت تنادي جملة دول، إما قلقاً على قواتها في اليونيفيل او اقتناعاً بضرورة الاستمرار "بالانخراط" مع حزب الله، وبين وضعه على اللائحة كما نادى الثلاثي الأوروبي ( فرنسا ـ بريطانيا ـ المانيا)، تم التوصل لصيغة وسط ، والاكتفاء بتصنيف الجناح العسكري لحزب الله إرهابيا.

دلالات القرار
1ـ من المفيد الاشارة بداية الى أنه في ما يخص السياسة الخارجية والدفاع في الاتحاد الاوروبي، لا يزال الاتحاد يخضع لسطوة الدول الكبرى الثلاث ( فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) وبالتالي فان القرار يعكس ارادة هذه الدول ونخبها بالدرجة الأولى أكثر منه مصالح الاتحاد ككل. فالاندماج الاوروبي سواء في السياسة الخارجية او الدفاع (تسمى بـ Hard politics، أو السياسات الصلبة) ما زال الأضعف مقارنة بباقي السياسات.
2ـ القرار يشير الى افتقاد هذه الدول الثلاث الى آليات تأثير أكثر جديّة تجاه حزب الله، فجرى اللجوء الى هذه الخطوة الرمزية الى حد بعيد.
3ـ المسار الذي اتخذه القرار من حيث الوقت والجهد وحدة النقاشات والخلافات بين دول الاتحاد يشير الى أن الاوروبيين لا يتعاملون مع الحزب الا من باب كونه أصبح لاعباً ذا تأثير اقليمي عميق في الشرق الأوسط.
4ـ يتضح من القرار الذي جرى ربطه بشكل مباشر بالأزمة السورية أن الاوروبيين يستخدمون القرار كمدخل لحصة في الأزمة وما سينتج عنها. بعد كل الجهود السياسية والعسكرية لدعم المعارضة السورية تبين للأوروبيين أن اوراقا اضافية في الوضع السوري ضرورية مهما كانت محدودية فعاليتها.
5ـ أصبحت الدول الثلاث الاوروبية الكبرى أكثر التصاقا بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط وذلك من باب تعويض الضعف والتراجع الذي أصاب الطرفين في المنطقة.
6ـ توسع تأثير اللوبي الاسرائيلي في دوائر صنع القرار الخارجي لا سيما في باريس.

قراءة شاملة في القرار الأوروبي تجاه حزب الله
القرار دليل على التصاق الاتحاد الاوروبي بسياسات واشنطن

مخاطر محتملة للقرار على حزب الله

1ـ يساهم القرار في خدمة الجهد الاسرائيلي ـ الأميركي ـ الخليجي لشيطنة حزب الله امام الرأي العام الدولي.
2ـ يقدم القرار ذريعة لـ "اسرائيل" وتشجيعاً لها على الاستمرار بالاعمال العدوانية تجاه لبنان.
3ـ على الارجح ان ينتقل جهد الجهات المحرضة على حزب الله نحو الخطوة التالية أي ادراج حزب الله ككل على لائحة الارهاب الاوروبية.
4ـ مع انه من المستبعد جداً أن يقترن القرار الحالي بأي اجراءات عملية ضمن المدى المنظور ولكن يجب التحسب لذلك. حالياً سيحاول الأوروبيون ارسال رسائل تبريد لحزب الله وسيتم التعامل على أساس ان كل ما له علاقة بحزب الله هو في الأصل لا علاقة له بالجناح العسكري الى أن يثبت العكس. ولكن من الممكن ان يحاول الاوروبيون لاحقاً استخدام القرار كمنطلق للتهويل باجراءات عقابية على المغتربين اللبنانيين او التحويلات المالية او بعض المؤسسات. لكن حينها يكون الأوروبيون اتخذوا قرارا بالمواجهة مع حزب الله، وهذا ما يحتاج لأدوات لا يتوافر أغلبها لأوروبا المتهالكة.

سلبيات القرار على الاتحاد الاوروبي


1ـ برز الاتحاد كمجرد ملحق بالسياسات الأميركية وأنه متأثر بالضغوط الاسرائيلية الى حد بعيد.
2ـ القرار غير قابل للتطبيق حتى من الناحية التقنية لشبه استحالة تمييز الجناح العسكري ضمن منظمة حزب الله.
3ـ سيؤدي القرار الى اضطراب العلاقة مع حزب الله، وهو ما يعني انسداد قنوات التشاور والحوار مع الحزب، وهذا ما يعتبره كثير من المحللين الأوروبيين ضروريا جدا.
4ـ سيؤدي توتر العلاقة مع حزب الله الى انحسار تأثير الدول الاوروبية الاساسية في السياسة اللبنانية باعتبار ان اي مبادرة لهذه الدول او محاولة تأثير في الداخل لا بد ان تأخذ بالحسبان ضرورة الحوار مع الحزب او الأخذ بمواقفه بعين الاعتبار.
5ـ حتى على المستوى الاقليمي، للحزب دور وتأثير في عدد من الملفات الاقليمية الحساسة التي تهم الأوروبيين، مثل سوريا، فلسطين، والعراق، ولذا تؤمّن العلاقات الطيبة مع الحزب مدخلاً نحو هذه الملفات.
ـ يجهد الاوروبيون لإبراز صورة نقية عن الاتحاد كواحة من الديموقراطية والحريات، ثم يصطدمون بهذا الشكل مع احدى اهم حركات التحرر الوطني في الشرق الاوسط حيث يقدرها عشرات الملايين.
7ـ المسار الذي اتخذته التحقيقات في قضية بلغاريا (إحدى ابرز ذرائع القرار) فضح الشفافية والمصداقية في الجهاز السياسي والامني في بعض دول الاتحاد. فبعد ان نفت الحكومة البلغارية الجديدة وجود أدلة كافية على ضلوع الحزب في تفجير بورغاس، تعرضت لانتقادات اسرائيلية حادة ومباشرة وحملة اعلامية مركزة.  بعدها زار السفير الاسرائيلي في بلغاريا وزير الخارجية البلغاري الذي أعلن في نهاية اللقاء ان الحكومة البلغارية لم تنفِ تورط الحزب في العملية، بل إنها فقط دعت الاتحاد الأوروبي لعدم تصنيف الحزب على اللائحة الارهابية بالاستناد حصراً لتفجير بروغاس.

قراءة شاملة في القرار الأوروبي تجاه حزب الله
القرار الاوروبي فضح شفافية ومصادقية الجهاز السياسي للاتحادالاوروبي

خاتمة

عندما يقول الحزب للأوروبيين وسواهم عن لائحة الارهاب "بلوها واشربوا ميِّتها" فهو لا يتنكر لبعض سلبيات القرار، بل يعلن رفضه الخضوع للمنطق الكولونيالي الذي يرى في نفسه قدرة على تصنيف الشعوب ورسم الحد الفاصل بين المشروع وغير المشروع، بين القانوني وغير القانوني، بين الصواب والخطأ. تنطلق قوة المنطق الكولونيالي من "قبول" الآخرين به، ولذا مجرد رفض هذا المنطق او الخضوع لقواعده وتصنيفاته يكفي لتفريغ هذه المنطق من أسس قوّته. القرار الاوروبي يجب أن يكون حافزاً لمزيد من التواصل مع الرأي العام الاوروبي بالتحديد سواء من خلال الاعلام او من خلال الجمعيات والمؤسسات والشخصيات الاوروبية المستقلة عن الضغوط السياسية. النخبة السياسية البريطانية والفرنسية ما زالت سجينة التاريخ، الذي لن يكرر نفسه.

* محلل وباحث في العلاقات الدولية
2013-07-24