ارشيف من :آراء وتحليلات
الأزمة المالية الأوروبية في طريق مسدود
لخصت عناوين الصحف الأوروبية حالة التردي التي لا تزال تعاني منها الازمة المالية في اوروبا. وللمثال: قالت "دويتشيه فيليه" (المانيا) في 15/7/2013: "الركود في منطقة اليورو: الانكسار يقترب". وقالت "ريسبوبليكا" (ليتوانيا): "الفكرة الوطنية في براثن اليورو". وقال موقع InoSmi.ru (روسيا): "الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي: المحادثات الصعبة لاجل التجارة الحرة".
ان النظام المالي لأوروبا يمر في مرحلة صعبة، ولا يكاد يُعمل شيء من اجل انقاذه ـ هذا ما كتبته مجلة Economist.
اقتصاد منطقة اليورو يتابع الانكماش لربع السنة السادس
وقد وصف رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي البرنامج الذي اقترحه البنك المركزي الاوروبي في صيف العام الماضي حول عمليات عملوية مباشرة بسندات الدولة لبلدان منطقة اليورو، التي تعاني صعوبات اقتصادية جدية، بأنه قد يكون احد انجح الاجراءات في حقل السياسة التسليفية ـ النقدية في الفترة الاخيرة. ويقول بعض الخبراء ان دراغي يستحق المديح إذ انه تمكن من تهدئة اسواق سندات الدولة. ولكن في الواقع فإن حالة الاقتصاد لا تزال صعبة كما كانت في السابق. ولا تزال البنوك الاوروبية تشكل مصدرا للمشكلات.
ان على التوالي. ويزمع صندوق النقد الدولي ان يعيد النظر في توقعاته لسنة 2013 لجهة تخفيض هذه التوقعات، كما تشير Economist. وحسب توقعات الصندوق فإن الناتج المحلي القائم لمنطقة اليورو يمكن ان ينخفض بمعدل 6،0%. وقد ساءت اوضاع البلدان الرئيسية في منطقة اليورو جزئيا بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. ففي شهر ايار/مايو الماضي انخفضت صادرات المانيا الى ادنى مستوى لها منذ عامين، ولكن بلدان الاطراف هي التي عانت اكثر من غيرها.
فللسنة السادسة على التوالي يستمر الركود في اليونان، وبلغ معدل البطالة في اسبانيا تقريبا 27%، وفي الاسبوع الماضي تم من جديد تخفيض التصنيف الإقراضي لايطاليا. وحسب رأي الخبير في البنك المركزي الاوروبي بينوا كيري فإن " اوروبا لا تزال توجد في حالة ازمة عميقة". ومن المحتمل ان برنامج اعادة شراء سندات الدولة يمكن ان يعرقل نشاط المضاربين الماليين، ولكنه في الوقت ذاته يمكن ان ينمي الاستياء العام والضغط على ريعية السندات. وفي البرتغال واليونان فإن البطالة الطويلة الامد، والصعوبات الاقتصادية ومطالبات الدائنين تجعل الوضعية السياسية في حالة توتر.
للسنة السادسة على التوالي يستمر الركود في اليونان
ان مستقبل الاقتصاد الاوروبي يرتبط بوضعية النظام البنكي. وهناك مشكلة خطيرة تكمن في ان ما يسمى بلدان الاطراف يمكن ان تصطدم بخطر تكرار سيناريو اليابان في السنوات الـ90 من القرن الماضي، حينما ظلت البنوك لسنوات في حالة " نصف حية": فهي من جهة لم تكن تملك الوسائل المالية الكافية لتلبية الشركات المودعة، ومن جهة ثانية، كانت هذه الاموال كافية لعدم اعلان افلاس البنوك المعنية، وبالتالي خرابها النهائي. وحسب تقديرات خبراء Economist فإن عوارض مقلقة مماثلة يمكن مراقبتها في منطقة اليورو. والان فإن مـُعامل العلاقة بين متوسط الرسملة السوقية والقيمة الدفترية هو، في البنوك الاوروبية، يراوح كما في السابق عند مستوى اقل من 1 واحد، وهو ما يشير الى مستوى ثقة منخفض جدا لدى المستثمرين. في الولايات المتحدة الاميركية جرت اعادة رسملة البنوك بسرعة، حيث كان هذا المؤشر يزيد عن معدل 1 واحد. وفي ايطاليا فإن معدل المـُعامل لدى المقرضين الكبيرين UniCredit و Intesa هو 34،0 و 42،0 بالتتالي.
ان عدم الثقة بمؤسسات الائتمان الاوروبية ينشأ عن تنامي حجم الديون غير الموثوق بها. وللمثال، فمما يثير القلق النسبة الاكبر من الديون غير المنتجة في رأسمال الصف الاول من النظام البنكي الايطالي. وفي البرتغال فإن البنوك الاكبر عمدت الى رفع الحجم العام لدين الدولة بمعدل 16% في الربع الاول من السنة الجارية. وتستمر في الارتفاع حصة الديون الرهنية في اجمالي حجم الاصول البنكية. وفي الفترة ذاتها يلاحظ في اسبانيا الميل الاكثر حدة في السنوات الاخيرة نحو انخفاض اسعار المساكن.
وبدلا من شطب او بيع الديون "السيئة"، تلجأ البنوك الى وسائل عمل، يمليها عليها المستوى الضروري لرأسمالها الخاص. ان الميزانيات العمومية للبنوك، كما في داخل منطقة اليورو كذلك خارجها، تبين الحالة السيئة لاصولها.
وجميع هذه المؤشرات هي حتى الان تدل على وجود مشكلات جدية، ولكنها ليست بعد دليلا على وجود انهيار واسع النطاق: فالان يوجد في تصرف البنوك كمية من الاصول، اكبر مما كان يوجد لديها قبل فترة الازمة. ولكن المحللين واثقون من ان قطاع الإقراض تحت التهديد. وهم جميعا يثمنون استراتيجية البنك المركزي الاوروبي حول تجديد النمو على حساب الفائدة المنخفضة جدا، بوصفها احد الاجراءات الاقل فعالية في السنوات الاخيرة. وفي شهر ايار/مايو الماضي تم في ايطاليا، البرتغال واسبانيا تخفيض حجم الديون، المقدمة من المؤسسات غير المالية، ما يشير، بشكل خاص، الى إغلاق القطاع المالي. في البلدان المستقرة اقتصاديا اصبحوا يقدمون كمية اقل من الديون الخارجية. وفي البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة فإن الديون للمؤسسات الائتمانية تصبح اكثر تكلفة مما في بنوك البلدان ذات الاقتصادات السليمة. وكل ذلك ينعكس على المستخدم الاخير: وقد زاد الفرق في تكلفة الائتمان بين الشركات الالمانية والاسبانية من 6 نقاط اساس سنة 2011 الى 149 نقطة اساس في الوقت الحاضر.
ويعتبر العديد من المراقبين ان ماريو دراغي وزملاءه يركزون على ثلاث استراتيجيات انعاشية:
اولا ـ تحرير قنوات الاقتراض عن طريق افتتاح اسواق للاوراق المالية وتخفيض فوائد القروض في بلدان الاطراف. وعدا ذلك يعتقد الخبراء ان الشراء النشط للاوراق المالية لشركات البيزنس الصغيرة والمتوسطة يمكن ان يكون فعالا للغاية. وتسهيل عمليات الإقراض هو ايضا ممكن، اذا قام البنك المركزي الاوروبي بالاضطلاع بدور الضامن في حال الخسارة الاولى للاوراق المالية لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة.
هل تنجح استراتيجيات ماريو دراغي ؟
ثانيا ـ يعتبر الخبراء انه توجد ضرورة قصوى لرفع مستوى الثقة بالبنوك الاوروبية. والبنك المركزي الاوروبي ينبغي عليه ان يقوم بتحليل نوعية الاصول، قبل ان يقوم في السنة القادمة بالاضطلاع بدور جهاز الرقابة البنكية في منطقة اليورو. وتلك هي الخطوة الاهم لاجل تدعيم سمعة بنك التوظيفات الاوروبي. وفي هذا السياق من الضروري القيام باعادة رسملة البنوك التي تواجه الصعوبات، من خلال اجتذاب رساميل مستثمري القطاع الخاص، والشطب الجزئي للديون من قبل المقرضين، وفي بعض الحالات عن طريق استخدام الاموال العامة.
وثالثا، حسب رأي المحللين، يمكن ان يكون انشاء اتحاد بنكي بقيادة البنك المركزي الاوروبي يكون له صندوق واحد للانقاذ ونظام مشترك لتأمين الودائع. وحتى الان ينبغي التأكيد ان انشاء اتحاد بنكي اوروبي يواجه معارضة شديدة من قبل المانيا، التي تؤجل موعد ادخال الالتزامات المشتركة الى اجل غير محدد "في المستقبل". وكما يؤكد المحللون فإن المشكلة تبقى كما يلي: البنوك في حالة "نصف حية"، وعدم الفعالية لا يمكن ببساطة ان يؤدي الى معالجتها. وبالطبع فإن المحللين يتوقعون ظهور مشكلات جدية في اي لحظة. وفي هذه الحالة من الواضح جدا ماذا سيكون عليه تأثير الازمة البنكية الجديدة على المستثمرين: ان مثال قبرص لا يزال يتردد على ألسنة الجميع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
ان النظام المالي لأوروبا يمر في مرحلة صعبة، ولا يكاد يُعمل شيء من اجل انقاذه ـ هذا ما كتبته مجلة Economist.
اقتصاد منطقة اليورو يتابع الانكماش لربع السنة السادس
ان على التوالي. ويزمع صندوق النقد الدولي ان يعيد النظر في توقعاته لسنة 2013 لجهة تخفيض هذه التوقعات، كما تشير Economist. وحسب توقعات الصندوق فإن الناتج المحلي القائم لمنطقة اليورو يمكن ان ينخفض بمعدل 6،0%. وقد ساءت اوضاع البلدان الرئيسية في منطقة اليورو جزئيا بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. ففي شهر ايار/مايو الماضي انخفضت صادرات المانيا الى ادنى مستوى لها منذ عامين، ولكن بلدان الاطراف هي التي عانت اكثر من غيرها.
فللسنة السادسة على التوالي يستمر الركود في اليونان، وبلغ معدل البطالة في اسبانيا تقريبا 27%، وفي الاسبوع الماضي تم من جديد تخفيض التصنيف الإقراضي لايطاليا. وحسب رأي الخبير في البنك المركزي الاوروبي بينوا كيري فإن " اوروبا لا تزال توجد في حالة ازمة عميقة". ومن المحتمل ان برنامج اعادة شراء سندات الدولة يمكن ان يعرقل نشاط المضاربين الماليين، ولكنه في الوقت ذاته يمكن ان ينمي الاستياء العام والضغط على ريعية السندات. وفي البرتغال واليونان فإن البطالة الطويلة الامد، والصعوبات الاقتصادية ومطالبات الدائنين تجعل الوضعية السياسية في حالة توتر.
للسنة السادسة على التوالي يستمر الركود في اليونان
ان عدم الثقة بمؤسسات الائتمان الاوروبية ينشأ عن تنامي حجم الديون غير الموثوق بها. وللمثال، فمما يثير القلق النسبة الاكبر من الديون غير المنتجة في رأسمال الصف الاول من النظام البنكي الايطالي. وفي البرتغال فإن البنوك الاكبر عمدت الى رفع الحجم العام لدين الدولة بمعدل 16% في الربع الاول من السنة الجارية. وتستمر في الارتفاع حصة الديون الرهنية في اجمالي حجم الاصول البنكية. وفي الفترة ذاتها يلاحظ في اسبانيا الميل الاكثر حدة في السنوات الاخيرة نحو انخفاض اسعار المساكن.
وبدلا من شطب او بيع الديون "السيئة"، تلجأ البنوك الى وسائل عمل، يمليها عليها المستوى الضروري لرأسمالها الخاص. ان الميزانيات العمومية للبنوك، كما في داخل منطقة اليورو كذلك خارجها، تبين الحالة السيئة لاصولها.
وجميع هذه المؤشرات هي حتى الان تدل على وجود مشكلات جدية، ولكنها ليست بعد دليلا على وجود انهيار واسع النطاق: فالان يوجد في تصرف البنوك كمية من الاصول، اكبر مما كان يوجد لديها قبل فترة الازمة. ولكن المحللين واثقون من ان قطاع الإقراض تحت التهديد. وهم جميعا يثمنون استراتيجية البنك المركزي الاوروبي حول تجديد النمو على حساب الفائدة المنخفضة جدا، بوصفها احد الاجراءات الاقل فعالية في السنوات الاخيرة. وفي شهر ايار/مايو الماضي تم في ايطاليا، البرتغال واسبانيا تخفيض حجم الديون، المقدمة من المؤسسات غير المالية، ما يشير، بشكل خاص، الى إغلاق القطاع المالي. في البلدان المستقرة اقتصاديا اصبحوا يقدمون كمية اقل من الديون الخارجية. وفي البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة فإن الديون للمؤسسات الائتمانية تصبح اكثر تكلفة مما في بنوك البلدان ذات الاقتصادات السليمة. وكل ذلك ينعكس على المستخدم الاخير: وقد زاد الفرق في تكلفة الائتمان بين الشركات الالمانية والاسبانية من 6 نقاط اساس سنة 2011 الى 149 نقطة اساس في الوقت الحاضر.
ويعتبر العديد من المراقبين ان ماريو دراغي وزملاءه يركزون على ثلاث استراتيجيات انعاشية:
اولا ـ تحرير قنوات الاقتراض عن طريق افتتاح اسواق للاوراق المالية وتخفيض فوائد القروض في بلدان الاطراف. وعدا ذلك يعتقد الخبراء ان الشراء النشط للاوراق المالية لشركات البيزنس الصغيرة والمتوسطة يمكن ان يكون فعالا للغاية. وتسهيل عمليات الإقراض هو ايضا ممكن، اذا قام البنك المركزي الاوروبي بالاضطلاع بدور الضامن في حال الخسارة الاولى للاوراق المالية لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة.
هل تنجح استراتيجيات ماريو دراغي ؟
وثالثا، حسب رأي المحللين، يمكن ان يكون انشاء اتحاد بنكي بقيادة البنك المركزي الاوروبي يكون له صندوق واحد للانقاذ ونظام مشترك لتأمين الودائع. وحتى الان ينبغي التأكيد ان انشاء اتحاد بنكي اوروبي يواجه معارضة شديدة من قبل المانيا، التي تؤجل موعد ادخال الالتزامات المشتركة الى اجل غير محدد "في المستقبل". وكما يؤكد المحللون فإن المشكلة تبقى كما يلي: البنوك في حالة "نصف حية"، وعدم الفعالية لا يمكن ببساطة ان يؤدي الى معالجتها. وبالطبع فإن المحللين يتوقعون ظهور مشكلات جدية في اي لحظة. وفي هذه الحالة من الواضح جدا ماذا سيكون عليه تأثير الازمة البنكية الجديدة على المستثمرين: ان مثال قبرص لا يزال يتردد على ألسنة الجميع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل