ارشيف من :آراء وتحليلات

قرار الاتّحاد الأوروبيّ بوضع الجناح العسكريّ لحزب اللّه على لائحة الإرهاب

قرار الاتّحاد الأوروبيّ بوضع الجناح العسكريّ لحزب اللّه على لائحة الإرهاب
بعد طول أخذ وردّ، حسم غير المقتنعين والمتردّدون من بلدان الاتّحاد الأوروبيّ، خيارهم لمصلحة الاستجابة للضّغوط الأميريكيّة ـ الإسرائيليّة، المردوفة بضغوط مكمّلة من النّظام السّعوديّ والتّحريض والتّشجيع الآتي من أدواتها في لبنان، فكان قرار الاتّحاد بوضع ما سمّوه الجناح العسكريّ لحزب اللّه على لائحة الإرهاب الأوروبيّة، ليكتمل بذلك القرار الغربيّ بهذا الاتّجاه.

إنّ قراءة هذا القرار بحيثيّاته وظروفه وتوقيته تقود إلى مجموعة من الدّلالات والاستنتاجات، يبقى أبرزها:

أوّلاً؛ إنّ هذا القرار ليس غريبًا عن العقليّة الاستعماريّة، والنّزعة العنصريّة، وحقيقة السّياسة للبلدان الأوروبيّة المركزيّة ـ على الأقلّ ـ وفي طليعتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

ثانيًا؛ لقد أظهر القرار أنّ هذه الدّول هي مركز القرار في الاتّحاد الأوروبيّ، وليست باقي الدّول إلاّ مجرّد هوامش وأتباع، وإذا كانت تمتلك نوعًا من هامش سيادة أو استقلال، فهو هامش رفيع سرعان ما يتهاوى أمام الضّغوط. وليس أدلّ على ذلك من أنّ البلد الرّئيس المعنيّ بتفجير الحافلة الإسرائيليّة ـ أي بلغاريا ـ والّتي استند إليها لتبرير القرار، أعلنت أكثر من مرّة أن لا أدلّة لديها على تورّط حزب اللّه في حادثة التّفجير. وهي أظهرت ممانعة مع بعض البلدان الأخرى كالنّمسا والنّروج، إلاّ أنّها سرعان ما عدّلت من موقفها خضوعًا للضّغوط الكبيرة الّتي تعرّضت لها من بلدان أوروبيّة كألمانيا وبريطانيا، إضافة إلى الضّغوط المتواصلة من الولايات المتّحدة والكيان الصّهيونيّ.

ثالثًا؛ قدّمت أوروبّا دليلاً إضافيًّا على عدم وجود سياسة أوروبيّة متميّزة عن الولايات المتّحدة، وأنّها في قراراتها السّياسيّة خاضعة لها، كما لا سياسة أوروبيّة غير تابعة لمصلحة الكيان الصّهيونيّ. فأوروبّا هي جزء لا يتجزّأ من المنظومة الغربيّة الاستعماريّة الّتي ترى في الكيان الصّهيونيّ معبّرا حقيقيّا عن هذه النّزعة وخادما لها.

رابعًا؛ لقد انزاح القناع نهائيًّا عن وجه أوروبّا البشع، وعن سلوكها المنافق والمخادع، لا سيّما في دعواها بأنّ لها نظرتها الخاصّة والحياديّة في ما يخصّ قضايا المنطقة. فأوروبّا هذه في كلّ سياساتها الخاصّة بالمنطقة وقضاياها، هي إمّا ملحقة بالسّياسة الأميركيّة ـ الصّهيونيّة، وإمّا متكاملة معها ولاهثة وراءها.

خامسًا؛ إنّ هذا القرار الأوروبيّ كان ليصدر منذ زمن بعيد لولا الحسابات والاعتبارات المتعلّقة بحسابات مصالحها، وتقديرها للوقت الملائم والأنسب لها.

سادسًا؛ ثمّة مجموعة من الحسابات هي الّتي شجّعت الاتّحاد الأوروبيّ على حسم قراره، وهي حسابات ستكشف مع الوقت أنّها كانت خاطئة بالمعنى الاستراتيجيّ للكلمة. أمّا أبرز هذه الحسابات، فتتمثّل بالآتي:

1. إنّ حزب اللّه لا يملك أن يحرّك ساكنًا، سواء في ما يتّصل بالقوّات الدّوليّة المنتشرة في الجنوب، أم في ما يتّصل بالقرار 1701، وذلك نظرًا لمشاغل الحزب بأولويّات مستجدّة تتمثّل بالدّرجة الأولى بالأزمة السّوريّة، وبالتّصدّي للهجوم الشّرس الّذي يتعرّض له إعلاميًّا وسياسيًّا، خليجيًّا ومن أطراف لبنانيّة، والّتي تحاول بشكل رئيس محاصرته بالفوضى والفتنة المذهبيّة، اللّتين يريد تجنّبهما بأيّ طريقة متاحة لأنّه لا مصلحة له فيهما.

2. أنّ لا مصلحة للحزب في الذّهاب إلى النّهاية في الصّدام مع أوروبّا في هذا التّوقيت بالذّات، بل هو في حاجة إلى إبقاء نافذة علاقات معها، تحول دون وقوعه في شرك عزلة دوليّة أساسيّة.

لقد غفل الأوروبيون أنّ حزب اللّه ليس مجرّد تنظيم مقفل، بل هو حالة شعبيّة كبيرة ووازنة تتجاوز الحدود اللبنانيّة، وأكثر من ذلك هو حالة سياسيّة لها امتداداتها وتحالفاتها الدّاخليّة والخارجيّة، وبالتّالي فكلّ ما يمسّ الحزب مباشرة أو بطريقة غير مباشرة سيمسّ حاضنته الشّعبيّة الواسعة، وبالتّالي فبدلاً من حالة الوئام والتّكيّف الّتي تحكم قوّات اليونيفل مع النّاس وهي الّتي يمكن أن تسود، فإن اليونيفل ستجد نفسها حكمًا من الآن فصاعدًا في بيئة متوتّرة وشاعرة بالإهانة على الأقلّ. زد على ذلك، أصل وجود نظرة ريبة لدى هذه البيئة الشّعبيّة لوظيفة اليونيفل والّتي طالما أدّت إلى صدامات مع بعض قواها، ولولا تدخّل حزب اللّه لكنّا أمام مشهد آخر. ثمّ، وباعتراف الاتّحاد الأوروبّي نفسه، فإنّ هامش دخول أطراف أخرى غير حزب اللّه على خطّ العلاقة المتوتّرة معه الآن، لتنفيذ عمليّات ضدّ قوّات اليونيفل قد تزداد. أمّا العلاقات مع الاتّحاد الأوروبّي على مختلف الصّعد، فهي ستخضع من الآن لإعادة نظر، لحسابات مختلفة، قد تؤدّي إلى تجميد أيّ أدوار لها في الجنوب أو غيره من المناطق الحاضنة للحزب.

سابعًا؛ إنّ استهدافات القرار يمكن حصرها بالآتي:

1. إنّ المستهدف بالدّرجة الأولى هو المقاومة بصفتها هذه، إذ ليس في الحزب جناح عسكريّ إلاّ المقاومة. وبالتّالي فإنّ هذا القرار هو جزء من الخطّة العامّة الّتي يعمل عليها منذ مدّة، ومن خلال ماكينة إعلاميّة وسياسيّة ضخمة لأبلسة المقاومة، واعتبارها فاقدة لهذه الصّفة، وبالتّالي لم يعد لها شرعيّة أو مشروعيّة، ما يسهّل النّيل منها. وهذا القرار بهذا المعنى يلتقي مع ما يقوم به تيّار المستقبل وفريق الرّابع عشر من آذار، إضافة إلى الكيان الصّهيونيّ والولايات المتّحدة والنّظام السّعوديّ. وهذا تحديدًا هو سرّ ترحيب هؤلاء بهذا القرار، بل أكثر من ذلك إنّ مواقف هؤلاء هي الّتي مهّدت وهيّأت الأجواء الدّاخليّة لإصدار هذا القرار.

2. العمل على المطابقة والمماثلة بين ما يقوم به تنظيم القاعدة دوليًّا وإقليميًّا، وما تقوم به جبهة النّصرة داخل سوريّا، وما يقوم به حزب اللّه، وذلك للقول بأنّ الاثنين وجهان لعملة واحدة، إمعانًا بتشويه الصّورة، وإيجاد تداعٍ لدى الرّأي العامّ بين صورة الاتّجاه التّكفيريّ ـ الإرهابيّ المرعيّ سعوديًّا وصورة حزب اللّه، وبالتّالي تحويل حالة العداء للأولى نحو الثّاني، أو جعل العداء للأولى متلازما مع العداء للثّاني. وأكثر من ذلك إخضاع المقاومة لمقتضيات الحرب الغربيّة على الإرهاب.

وإذا كان المطلوب حذف جبهة النّصرة من المعادلة السّوريّة، فالمطلوب في المقابل معاملة حزب اللّه بالمثل.

3. إنّ أخطر ما في هذا القرار أنّه يوفّر الذّرائع القانونيّة ـ على الأقلّ في الغرب ـ كما يوفّر غطاءً مسبقًا لدى الرّأي العامّ الغربيّ إجمالاً وغير الغربيّ، ليقوم العدوّ الإسرائيليّ بشنّ عدوان على المقاومة في لبنان. لذا لم يكن غريبًا أن يسارع البعض إلى الاستنتاج بأنّ هذا القرار وفّر العنصر النّاقص الّذي من شأن وجوده أن يشجّع هذا العدوّ على شنّ حرب جديدة ضدّ المقاومة في لبنان. فالانقسام السّياسيّ حول المقاومة في لبنان والمنطقة، وتراجع شعبيّتها بفعل عمليّة تشويه حقيقة الصّراع الدّائر في المنطقة، ومن خلال إعطائه الصّبغة المذهبيّة، والانشغال الكبير الّذي تعيشه الشّعوب بفعل التّحوّلات العميقة الّتي تشهدها المنطقة، إضافة إلى ما يجري في سوريّا من شأنها أن توفّر الظّروف المثاليّة لشنّ عدوان إسرائيليّ.

بناءً عليه، يمكن القول إنّ أيّ عدوان إسرائيليّ جديد على لبنان، سيكون الأوروبيّون شركاء سابقين فيه، وشركاء في المسؤوليّة والتّبعات.

4. إضافة عنصر ضغط وإرباك جديد على حزب اللّه في لبنان وسوريّا بهدف دفعه إلى مراجعة حسابه جذريًّا، أو على الأقلّ، دفعه للالتزام بالخطوط الحمراء المراد فرضها عليه.

5. تحويل حزب اللّه إلى عبء كبير على لبنان، من خلال إشعار الدّولة واللبنانيّين بأنّ لهذا القرار تبعات لن تطال الحزب فقط، وإنّما يمكن أن تطال كلّ اللبنانيّين وكذلك الدّولة اللبنانيّة. هذه النّقطة تلتقي بالتّمام والكمال مع المساعي الكبيرة المبذولة منذ مدّة من قبل المشيخات الخليجيّة وفي طليعتها النّظام السّعوديّ، ومن قبل أدواتها في لبنان، والّتي تهدف إلى تحميل حزب اللّه مسؤوليّة كلّ ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وما آلت أو يمكن أن تؤول إليه أوضاع اللبنانيّين، وذلك في سياق دفع القسم الأكبر من اللبنانيّين للانفضاض من حوله، وفي سبيل تبرير فرض العزلة السّياسيّة عليه، من خلال منع مشاركته في أيّ حكومة مقبلة، حتّى لا تتحوّل هذه المشاركة إلى قيد على عمل الحكومة، وإلى أداة مانعة من تقديم المساعدات للبنان واللبنانيّين. ولذا كان طبيعيًّا أن يسارع تيّار المستقبل وأطراف الرّابع عشر من آذار إلى اعتبار القرار حجّة إضافيّة مؤيّدة لتوجّههم هذا.

6. إنّ التّمييز بين جناح عسكريّ وآخر سياسيّ يحمل في طيّاته رسالة، مفادها أنّ المستهدف هو الدّور الخاصّ بالجناح العسكريّ، وتحديدًا الإقليميّ منه، والمطلوب بالتّالي من حزب اللّه أن يتخفّف من بعده العسكريّ والاكتفاء بدوره السّياسيّ ضمن النّطاق اللّبنانيّ الدّاخليّ.

ثامنًا؛ إنّ ردود الفعل الأولّيّة على القرار أظهرت في غالبيّتها، على الأقلّ، مستوى جيّدًا وغير متوقّع، ولا يبدو أنّها ستقف عند هذا الحدّ، لأنّ المطلوب أن يشعر الأوروبيون ليس بخطئهم، وإنّما بخطيئتهم.

تاسعًا؛ من الواضح، أنّ القرار يمثّل خطوة في مسار، وهو مفتوح على التّوسّع أو التّضييق والحسابات السّياسيّة.

عاشرًا؛ لقد حرص الأوروبيون على اختراع هذه الصّيغة لإمرار القرار، لأنّها الصّيغة الأفضل لهم للاعتبارات الآتية:

1. أنّها صيغة مرنة ومطّاطة، تسمح بتمطيطها أو تضييقها وفق الظّروف والمعطيات وحسابات المصالح.

2. أنّها صيغة تسمح بالمناورة لجهة القول إنّها لا تستهدف الشّقّ السّياسيّ في الحزب، وإنّها حريصة على إبقاء التّواصل والانفتاح عليه، بما يتيح للاتّحاد الأوروبي التّقليل من حجم تداعيات هذا القرار.

3. أنّها صيغة تسمح بالقول إنّ الاتّحاد الأوروبي لا يستهدف الاستقرار في لبنان، أو الدّخول على خطّ الانقسام الدّائر فيه، بما يسمح بدوره بالتّخفيف من أعبائه الدّاخليّة، لا سيّما على الدّولة اللّبنانيّة.

حادي عشر؛ لا شكّ، أنّ قرار الاتّحاد الأوروبي يشكّل تغييرًا مهمًّا ـ ولو غير مفاجئ ـ في سياسته الخاصّة مع حزب اللّه، إلا أنّه قرار لن يفضي إلى تحقيق التّأثيرات المطلوبة منه، لأنّه لا يشكّل أكثر من ورقة إضافيّة أو جبهة إضافيّة في سياق الحرب الكبيرة المحتدمة في المنطقة عمومًا وسوريّا ولبنان تحديدًا بين مشروع النّهب الإمبرياليّ الأميركيّ ـ الصّهيونيّ بأعمدته العربيّة ومشروع المقاومة المناهض له. وبالتّالي، فإنّ هذا القرار يمكن النّظر إليه كجزء من عمليّة تحضير الأوراق وتنظيمها في سياق المواجهة الشّاملة، المفتوحة على الاستمرار أو على التّسويات في المدى القريب أو البعيد. وفي هذا السّياق، لن يغيّر شيئًا في المعادلات القائمة حاليًّا، ولن يعدو بالتّالي كونه أكثر من زوبعة في فنجان.
2013-07-26