ارشيف من :آراء وتحليلات

مقتل الجنود التونسيين ومستقبل الترويكا الحاكمة

مقتل الجنود التونسيين ومستقبل الترويكا الحاكمة
بحزن وأسى كبيرين استقبل التونسيون خبر وفاة أبنائهم البواسل من عناصر الجيش الوطني، في فاجعة غير متوقعة أطلت عليهم يوم الاثنين وقبيل الإفطار بقليل. حيث تداولت وسائل الإعلام الوطنية خبرا مفاده أن ثمانية من أبناء المؤسسة العسكرية تعرضوا لكمين، بمنطقة جبل الشعانبي من ولاية القصرين المتاخمة للحدود مع الجزائر، نصبه مسلحون غالب الظن أنهم من أبناء الوطن المنتمين إلى التيار السلفي التكفيري الجهادي.

مقتل الجنود التونسيين ومستقبل الترويكا الحاكمة
الارهاب التكفيري يطل برأسه من جديد في تونس

كما تعرض رجل أمن بمدينة الكاف قرب الحدود مع الجزائر أيضا إلى إطلاق نار أدى إلى وفاته، وبات واضحاً أن هناك استهدافا لمؤسسات الدولة ورسالة أراد التكفيريون أو غيرهم إرسالها للتونسيين مباشرة بعد إنهاء مجلس الأمن القومي لاجتماعه بالقصر الرئاسي بقرطاج. وزادت هذه الفاجعة من احتقان الشارع التونسي على حكامه العاجزين عن محاربة الإرهاب.

أحراش ومسالك وعرة

لقد قيل للتونسيين منذ أسابيع إن عملية الشعانبي التي يقوم بها الجيش التونسي ضد عناصر تكفيرية سلفية جهادية قد تمت بنجاح، وإن عناصر الجيش مشطوا المنطقة ولاحقوا التكفيريين إلى خارجها، لكن ما يحصل في الميدان هو بخلاف ذلك، ويبدو بأن هذه العناصر ما زالت تتحصن بالأحراج والمرتفات والمسالك الوعرة لمنطقة جبل الشعانبي. ويبدو أيضا أن لديها من الأسلحة المتطورة والثقيلة الشيء الكثير، أغلبه من مخلفات حرب القذافي ضد ثواره، تم تهريبه من ليبيا إلى تونس والجزائر ومالي. فلهذه الجماعات المكونة بالأساس من تونسيين وجزائريين وليبيين عمق استراتيجي هو تلك البقعة من الصحراء الكبرى الإفريقية الواقعة بين جنوب الجزائر وشمال مالي.

ومنطقة جبل الشعانبي التابعة لولاية القصرين، والمتاخمة للحدود الجزائرية، هي جزء من سلسلة جبال الأطلس الواقعة بين المغرب الأقصى وتونس مرورا بالأراضي الجزائرية. وتضم هذه السلسلة مرتفعات طبقال في المغرب الأقصى وجبال الأوراس في الجزائر ومرتفعات الشعانبي في تونس التي تقع فيها أعلى قمة جبلية في أرض الخضراء هي جبل الشعانبي. والتضاريس في هذه المنطقة جد وعرة والمخابئ والكهوف والأحراج كثيفة وبإمكانها أن توفر مخابئ مثالية للتكفيريين وتساعدهم على نصب الكمائن. كما تساعد أيضا هذه التضاريس العناصر المسلحة على التحرك بسهولة بين تونس والجزائر بعيدا عن أعين الرقباء، وهو ما تم بالفعل. فقد أكدت القوات المسلحة التونسية مدعومة بمعلومات من نظيرتها الجزائرية خلو المنطقة من الإرهابيين في وقت سابق، وأغلب الظن أنهم تسللوا مجددا بعد أن هدأت عاصفة التمشيط التي تم شنها وقبض خلالها على بعضهم.

غياب الحزم

ويعيب التونسيون على سلطات بلادهم وعلى حركة "النهضة" تحديدا عدم تعاملها بحزم مع هذه الظاهرة منذ البداية. فحين بدأت المعلومات تروج بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 وصعود حركة "النهضة" إلى الحكم، عن وجود معسكرات لتدريب السلفيين في البلاد وعن وجود إمارات سلفية صغيرة في بعض القرى النائية يحاول التكفيريون فيها فرض قانونهم الخاص ودولتهم، ردت حركة "النهضة" على مروجي هذه الأخبار بأنهم ينتمون إلى إعلام العار أو الإعلام البنفسجي الذي كان يطبل للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الذي كان يعشق اللون البنفسجي، وأن هدف هذا الإعلام هو زعزعة حكم حركة "النهضة" وشن ثورة مضادة.

مقتل الجنود التونسيين ومستقبل الترويكا الحاكمة
بعد الاغتيالات استهداف الجيش

كما قال زعيم الحركة راشد الغنوشي في وقت سابق، إن هؤلاء بحماستهم يذكرونه بشبابه، وإنهم سرعان ما ينضجون ويتخلون عن هذا التطرف، وإنهم "أبناؤنا" ويجب الصبر عليهم، وهو ما رأى فيه كثيرون تشجيعا من زعيم حركة "النهضة" لهؤلاء التكفيريين على المضي في غيهم. كما لم تتعامل السلطات التونسية بحزم مع مخازن الأسلحة التي تم اكتشافها في البلاد وتضم أسلحة ثقيلة من صواريخ مضادة للدروع والطائرات وقذائف آر بي جي وراجمات صواريخ ومدافع ثقيلة، إلى الألغام مرورا بالرادارات وغيرها. وهي قطع تم تهريبها من ليبيا بعد انهيار الدولة الليبية، وواضح وجلي أنها ستوظف لقتال جيش نظامي وليس لمحاربة أفراد عزل أو ميليشيا خفيفة التسليح. وكان الجنرال رشيد عمار قائد الجيش السابق قد حذر من صوملة تونس، وانتقد عشية تقديم استقالته أداء السلطة السياسية الحالية في التعامل مع الظاهرة الإرهابية، واعتبر أن ما كان سائدا في عهد بن علي وخصوصا العمل الإستخباراتي أفضل بكثير مما هو متوافر اليوم.

مستقبل الترويكا

وينتظر التونسيون خصوصا من المعارضة التي تعتصم مع النواب المنسحبين وجماعة تمرد أمام المجلس الوطني التأسيسي بقصر باردو (القصر الملكي السابق الذي تحول إلى مقر لمجلس النواب بعد إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية وبعد أن أضيفت له قبة برلمانية) موقف حزب "التكتل" من الأوضاع في البلاد بعد هذه المعطيات الجديدة. فقد أعلن حزب "التكتل" من أجل العمل والحريات، الذي يرأسه رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، في وقت سابق وعلى لسان النائبة لبنى الجريبي بأنه سيسحب وزراءه من الحكومة في حال لم يقم علي العريض بتقديم استقالة حكومته واتفاق "النهضة" مع فرقائها السياسيين على حكومة كفاءات وطنية من التكنوقراط لانقاذ البلاد ومواصلة ما تبقى من المرحلة الانتقالية الثانية.

مقتل الجنود التونسيين ومستقبل الترويكا الحاكمة
المعارضة اعتبرت مواقف العربض مخيبة

وجاءت الندوة الصحفية لرئيس الحكومة، التي رأتها المعارضة مخيبة للآمال باعتباره رفض الاستقالة، لتضع حزب "التكتل" أمام مسؤولياته ولتضع أيضا مصداقيته على المحك. حيث لم يصدح الحزب بموقف إلى حد هذه اللحظة بشأن خطاب العريض وأحداث الشعانبي. أما حزب "المؤتمر" الذي يتزعمه رئيس البلاد محمد المنصف المرزوقي فيبدو أنه متمسك بكراسي السلطة، واستقالة الحكومة بالنسبة له أمر غير مطروح، ويبدو أنه ذاهب للصدام مع الشارع المعارض شأنه شأن حركة "النهضة" التي هدد أكثر من مسؤول فيها بالاحتكام إلى الشارع، وهي التي نزلت  لإجهاض اعتصام المعارضة أمام المجلس التأسيسي.
2013-07-30