ارشيف من :آراء وتحليلات

الصين تزاحم اميركا على مركز الدولة الاعظم في العالم

الصين تزاحم اميركا على مركز الدولة الاعظم في العالم
يعتقد الاميركيون ان الصين تنتزع منهم الأعمال. وتتراجع اميركا الى دور أقل شأنا في النفوذ العالمي. وتتنامى الشكوك المتبادلة فيما بين سكان الدولتين الكبريين المتزاحمتين. تلك هي نتيجة الاستقصاء الذي اجري في 39 بلداً. فما وراء المحيط وفي اوروبا تنمو المخاوف من أن الصين سوف تهيمن على الأسواق وتنتهج سياسة توسعية. أما في الصين الشعبية، وحسب رأي الخبراء، فإن التقييم السلبي للولايات المتحدة الاميركية، هو نتيجة للبروباغاندا المعادية لأميركا.

ففي الصراع من اجل مزاحمة الصين، فإن الولايات المتحدة الاميركية تفقد مركزها كزعيم . وفي الكثير من البلدان يعتقدون ان الدور القيادي العالمي، الاقتصادي والسياسي، اصبح يعود للصين. تلك هي نتيجة الاستطلاع لـ 38 الف شخص في 39 بلدا، اجراه مركز الاستطلاع الاميركي Pew، ومقره واشنطن. واعلن المركز انه يقف خارج السياسة ولا يرتبط بأي حزب.

الصين تزاحم اميركا على مركز الدولة الاعظم في العالم


اما الصينيون انفسهم فلا يشكّون أن بلدهم سيكون في الحساب الأخير البلد المهيمن في العالم. وحوالى ثلثي الصينيين يقولون ان الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة الاميركية او هي على وشك تجاوزها قريبا. أما الاميركيون فليسوا جازمين بهذه الدرجة. فنسبة 47% منهم تعتبر ان الولايات المتحدة الاميركية لا تزال تحافظ على مركزها كزعيم. ولكن في سنة 2008 كان 54% من المستطلعين يؤيدون هذه النظرة. وكما تلاحظ جريدة وول ستريت جورنال، فإن تراجع الثقة بالتفوق الاميركي يرتبط مباشرة بالاضطراب الاقتصادي الذي عانته الولايات المتحدة الاميركية سنة 2008.

وفي مناقشة مع جريدة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية قال الباحث العلمي في معهد دراسات الشرق الأقصى في اكاديمية العلوم الروسية الكسندر لارين: "ان الصين قد تحولت بلا شك الى دولة عالمية، وفي عدد من المؤشرات اقتربت من الولايات المتحدة الاميركية. ففي حجم الناتج المحلي القائم اصبحت تشغل المركز الثاني بعد الولايات المتحدة الاميركية. وفي سنة 2012، وفي تقديرات مختلفة، بلغ الناتج المحلي القائم الصيني اكثر من 8 تريليونات دولار. اما الناتج المحلي الأميركي فيبلغ تقريبا 16 تريليون دولار. وكما يعتقد الخبراء، فإن الصين ستلحق بالولايات المتحدة الاميركية في الفترة ما بين سنتي 2020 و2030".

وتحتل الصين المرتبة الاولى في العالم في وتيرة النمو الاقتصادي. وهي تسبق الجميع في استخراج الفحم الحجري، وفي انتاج الفولاذ، والترابة، والتلفزيونات، والدراجات الهوائية، والثياب والاحذية. ولكن في حساب حصة الفرد من السكان، فإن الصين لا تزال متخلفة كثيرا عن البلدان المتقدمة. ولاجل ردم هذه الهوة، فإن على الصين ان تتخلى عن الاعتماد على الاستثمارات والصادرات، وان تعيد توجيه الاقتصاد نحو السوق الداخلي. وليس من الواضح كيف ستستطيع تنفيذ هذه المهمة.

"بدون مشاركة الصين لا يمكن حل اي مشكلة عالمية كبيرة. ان نفوذها يمتد ليس فقط في منطقة آسيا والمحيط الهادي، بل وفي افريقيا وغيرها من القارات. ان شركات الصناعة المنجمية الصينية تشتري اصول المواد الخام في جميع انحاء العالم. وفي اوروبا الغربية ايضا ينظرون الى الصين بوصفها مستثمرا هاما. وتقوم الصين بتحديث قواتها المسلحة، وبالاخص القوات المسلحة الجوية والبحرية. ولكن في حقل الاسلحة الصاروخية ـ النووية، والاسلحة العالية الدقة، والخدمات اللوجستية، فهي لا تزال غير قادرة على الوقوف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الاميركية، حسبما يقول احد الخبراء.

الصين تزاحم اميركا على مركز الدولة الاعظم في العالم


ويبدو ان العرض العام لنسبة القوى للولايات المتحدة الاميركية والصين ليس بعيدا عن الحقيقة. ومن المثير للاهتمام ان نسبة متقاربة من السكان في كلتا الدولتين لديها ميول غير عدائية تجاه الدولة الاخرى. ففي اميركا هناك 37% من المستطلعين لهم موقف ايجابي من الصين، وفي الصين هناك 40% لهم موقف ايجابي من اميركا. وفي تقدير مركز Pew فهذا يعني انه في سنة 2008 فإن الشكوك المتبادلة قد ازدادت.

ان الشعور بالشك العميق حيال الصين، في الولايات المتحدة الاميركية، ناشئ عن التخوف من ان المزاحمة من قبل الصين تهدد وظائف عمل الاميركيين. ولكن هناك ايضا اسباب اخرى لعدم الثقة. ومن هذه الاسباب توتر علاقات الصين مع بعض جيرانها، وبالاخص اليابان. كما لا يعجب الاميركيين ان المليونيريين الصينيين يتباهون بثرواتهم، وحتى انهم يشترون عددا من الماركات التجارية للشركات الاميركية الشهيرة.

ومما يثير حفيظة الاميركيين ايضا ان النخبة الصينية ترسل ابناءها الى افضل المعاهد والجامعات الاميركية كما تؤكد جريدة نيو يورك تايمز، وبنتيجة ذلك احيانا فإن بعض الاميركيين الذين لا يكفيهم المال لا يستطيعون دخول هذه المعاهد والجامعات.

وفي اليابان ساء الموقف من الصين بعد اشتداد التوتر الاقليمي بين البلدين حول بعض الجزر المتنازع عليها.

ولكن كيف يفسر نمو الميول السلبية في الصين حيال الولايات المتحدة الاميركية؟ يقول احد الخبراء ان هذا يعود الى الموقف السلبي لقسم كبير من السكان من الثقافة الجماهيرية الاميركية. كما يعود ايضا الى تأثير الدعاية المعادية لاميركا في وسائل الاعلام الرسمية الصينية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
2013-07-30