ارشيف من :آراء وتحليلات

المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مضيعة للوقت

المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مضيعة للوقت
على وقع ما يحدث في مصر ويكتسب أھمية قصوى لأنه من النوع الذي يعيد خلط الأوراق وترتيبھا وتجميد كل خطط السلام إن وُجدت... وعلى وقع تطور الأزمة السورية التي سلكت طريقا طويلا في ظل استحالتين: الحل السياسي والحسم العسكري... ثمة ما يدور ويسير في الشرق الأوسط بھدوء وعلى ھامش الأحداث، ھو الحركة الأميركية التي يقوم بھا وزير الخارجية جون كيري بإصرار ومثابرة لإحياء مفاوضات "السلام" بين "إسرائيل" والفلسطينيين. وھذه الحركة كانت لافتة ومثيرة للاھتمام في ديناميتھا وكثافتھا وحيويتھا السياسية والدبلوماسية، حيث إن كيري قدم الى المنطقة ومنذ توليه منصبه في شباط/فبراير الماضي ست مرات حتى الآن.

وھذا ما ولّد انطباعا بأنه يحمل شيئا جديا في جعبته، ويريد أن يمرر إنجازاً في الوقت الضائع في المنطقة، أو أنه يقدم "دبلوماسية بدل عن ضائع"، لتعويض قصور وضعف الدبلوماسية الأميركية المنكفئة عن سوريا والمرتبكة في مصروليس لديھا ما تقدمه في ھاتين الدولتين أكثر الدول المعنية بعملية السلام المتوقفة على المسار الفلسطيني والمجمدة على المسار السوري حتى إشعار آخر...

المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مضيعة للوقت

في تقييم لتحرك كيري يقول مسؤول فلسطيني رفيع المستوى إن "الأميركيين يخفقون في جميع المناطق: اخفقوا في العراق وأفغانستان وسورية ومصر وغيرھا، واليوم يخفقون في فلسطين". وأضاف: "الأميركيون يفشلون، لكنھم لا يغادرون المشھد، بل يواصلون شراء المزيد من الوقت، وإدارة الأزمات بسبب فشلھم في حلھا". وتابع: "حتى لو وافقنا على العودة إلى المفاوضات فإنھا لن تكون سوى مضيعة للوقت لأننا نعرف جيداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياھو ليس لديه أي نية للتوصل إلى اتفاق سلام، وأن أولويته الأولى ھي استمرار الاستيطان".

وفي تقييم إسرائيلي، يقول رأي ورد في إطار التقدير الاستراتيجي للعام 2013 إن العلاقة الأميركية مع الشرق الأوسط عموما ومع "إسرائيل" خصوصا قد تكون في بداية طريق نحو التغيير القائم على نظرة جديدة أساسھا أن دور أميركا في العالم يضعف مما يفرض عليھا تركيز الاھتمام في المناطق الأشد حيوية لھا.

وفي ھذا السياق يكثر الحديث عن الاھتمام الأميركي المتزايد بالمحيط الھادي وشرق آسيا وبداية تراجع الاھتمام بالخليج العربي والشرق الأوسط. ولھذا فإن تراجع الاھتمام الأميركي ليس في مصلحة "إسرائيل" الاستراتيجية . ولكن المشكلة الآن أن أي حكومة إسرائيلية، خصوصا اليمينية منھا، غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن قضايا النزاع الجوھرية وھي القدس والحدود واللاجئين... وأن اختراقات أميركية لن تحدث وتقريبا لن يطرأ  اي جديد جوھري سوى محاولة التكيف مع الواقع والابتعاد عن مواجھة الأسئلة الجوھرية وفي أحسن الأحوال السعي لإيجاد حلول مؤقتة ومرحلية.

في هذه البيئة انطلق من واشنطن قطار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية عبر محادثات تمھيدية شكلية لا تتطرق للقضايا الجوھرية للصراع. وستقتصر على المسائل الإدارية المتعلقة بمكان المفاوضات، وجدولھا الزمني ، وھل ستكون سرية أم علنية. تجري المفاوضات الحالية في ظل ظروف فلسطينية وإسرائيلية داخلية وظروف إقليمية ودولية أشد تعقيدا من أي وقت مضى:

- للمرة الأولى تجري مفاوضات التسوية النھائية والفلسطينيون منقسمون على أنفسھم انقساما رسميا وجغرافيا لم يسبق له مثيل، حيث يعيش الفلسطينيون في الضفة والقطاع تحت حكمين فلسطينيين مختلفين: أحدھما يرى المفاوضات حلالاً والآخر يراھا حراما .

- وللمرة الأولى تجري المفاوضات الفلسطينية مع "إسرائيل" تقريبا من دون مساندة عربية فعلية في ظل الانشغال العربي المنھك بالصراعات الداخلية. فلا محور الاعتدال قادر على توفير الدعم رغم كل ما يسمى بلجنة متابعة المبادرة العربية. ولا محور المقاومة قادر على إبداء الرفض بفاعلية أو تقديم ما ھو أكثر من الدعم اللفظي لمعارضي التسوية

المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مضيعة للوقت

- في "إسرائيل" يسيطر على حكومتھا وداخل أحزابھا الرئيسية يمين متطرف لا يؤمن بأي شيء يمكن أن يقود إلى تقسيم "أرض إسرائيل".
- الواقع الدولي، لا يشكل ضغطا على الحكومة الإسرائيلية لتقديم "التنازلات" المطلوبة.
- يعتقد الإسرائيليون بأن شيئاً يمكن أن يتغير إذا وافقت السلطة الفلسطينية على ما ظلت ترفضه طوال الوقت، وھو
التوصل إلى اتفاق مرحلي وعدم السعي إلى حل دائم.
- إن الإدارة الأميركية، التي تدرك أن عقدة المفاوضات موجودة أساساً في الجانب الإسرائيلي ففكرت في حلھا عبر خلق الثقة مع حكومة اليمين فعمدت الى تعيين السفير الأميركي السابق في تل أبيب، وقبلھا رئيس مركز دراسات اللوبي الصھيوني في واشنطن، مارتين انديك مبعوثاً خاصاً للمفاوضات ليوفر أرضية للحوار مع القوى اليمينية الإسرائيلية.

وإلى جانب كل ذلك اختفت من إعلان العودة إلى المفاوضات أي إشارة إلى حدود العام 1967 ، التي كانت تعتبر من أبرز نقاط الخلاف.

ومن طريقة تعامل الإدارة الأميركية والطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أن لا أحد يعتبر ما جرى اختراقاً كبيراً يستحق الاحتفال... والرئيس الأميركي باراك أوباما لم يسارع للاحتفال بالإنجاز، ما جعل بعض المعلقين يعتبرونه أقرب إلى "التشاؤم الحذر" منه إلى التفاؤل الحذر.

انطلقت المفاوضات من واشنطن وهي اقرب الى ملهاة لتصفية المسألة الفلسطينية في لحظة فوضى عربية غارقة في الفتنة وتسعى الى تطويق المقاومة التي ما زالت تهدد "اسرائيل" وتعمل من اجل التحرير وبوصلتها فلسطين.
2013-07-31