ارشيف من :آراء وتحليلات

بندر في موسكو...يستبق التغييرات في السعودية


بندر في موسكو...يستبق التغييرات في السعودية

هناك معرفة قديمة بين فلاديمير بوتين وبندر بن سلطان، لم تبدأ باللقاء الأخير بين الرجلين في موسكو، حدث ذلك عندما كان الأول مسؤولا في جهاز الكي جي بي والثاني سفيرا للملكة السعودية في واشنطن،  ليس بالضرورة أن تكون المعرفة شخصية، إنما كانت معرفة عملية، كانت ميادينها إبان الوجود السوفياتي في أفغانستان، حينها اضطلع الأمير بندر بدور طليعي في إلحاق هزيمة قاسية بالاتحاد السوفياتي، بترتيبه التحالف المنافي للطبيعة بين جماعات الإسلام المتشدد والسي أي إي، فكانت الحرب بالوكالة عن الأميركيين وانتهت بإخراج الجيش الروسي من كابول.

بوتين من خلال وظيفته في الكي جي بي بالثمانينيات، كان قد أطلّ على دور بندر في تجويع روسيا، عندما اقنع ملكه فهد بالتخلي عن البرامج والمشاريع الإنمائية التي كانت تزمع المملكة القيام بها، للاضطلاع بحرب النجوم في عهد رونالد ريغان، عبر إغراق أسواق الطاقة بالنفط السعودي، لينحدر سعر البرميل إلى أدنى قعر، فبلغ ال 11 دولارا، مما حرم الاتحاد السوفياتي من موارد هائلة، أفسحت فيما بعد لطروحات البيروسترويكا ومن ثم تفكك الاتحاد السوفياتي، واجتياح الاستثمارات الغربية لروسيا وسرقة مواردها وثرواتها الأولية والطبيعية.

ما زال البعض يتساءل عن سر زيارة بندر الأخيرة لموسكو، ولم تتفق التخمينات على موضوع محدد للقائه مع بوتين، لكن بندر يعرف مضمون التفاهم الأميركي الروسي حول الأزمة السورية، ويدرك أنه تفاهم لا يقوم على تحاصص الدولتين العظميين للإقليم، وليس يالطا إقليمية، لا بل ما يعرف، أنه تفاهم يقوم على انكفاء أميركي، وقد نجح بوتين في لي ذراع واشنطن في المنطقة، وكل ما حدث من تغييرات إن في قطر أو مصر وقريبا في تركيا وليبيا والسعودية، هو مكتوب في هذا التفاهم.

لقد سبق لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن طالب واشنطن بحفظ ماء وجهه في هذا التفاهم، فكان الرد أن يلتقي بوتين، وهذا ما حصل، لكن أردوغان بالغ في الثمن، وهو الآن في منافسة ستنتهي لمصلحة صديقه الرئيس عبدالله غل.

يعرف بندر، أن الروس سينبشون دفاتره القديمة معهم، من أفغانستان إلى حرب النجوم مرورا بحرب الشيشان وتقسيم يوغسلافيا، وأن هذه المراجعة تأتي في لحظة تتهيأ فيها المملكة لتغييرات داخلية على مستوى رأس السلطة، لقد كان لافتا، سكوت سعود الفيصل في الآونة الأخيرة، بعدما كان رأس حربة في الأزمة السورية، في وقت يتهم فيه بندر بقيادة التصعيد ضد الرئيس بشّار الأسد وحزب الله، وهو تصعيد ممسوك أميركيا ولا فرصة له لخرق سقوف التفاهم الأميركي الروسي.

المرايا اللبنانية للسياسة السعودية تعكس بعضا مما يدور من تباينات وتعارضات بين قصور الأمراء في الرياض، فالرئيس تمام سلام الذي تم تكليفه كترضية للسعودية، يحار هو نفسه من حدة لهجة بعض الأمراء السعوديين حيال شيعة لبنان ونعتهم لهم بأوصاف حاقدة يستشف منها تعطيل مهمته في تشكيل الحكومة، عدم رد الرئيس سعد الحريري على مبادرة اليد الممدودة للتلاقي للسيد حسن نصرالله أو دعوة الرئيس نبيه بري له بالعودة إلى لبنان ودرس ترؤسه الوزارة، كذلك تخبط موقف تيار المستقبل من الجيش بين محاكمة ضباطه وعناصره الذين اقتلعوا ظاهرة الأسير من عبرا، وبين تكريم قائده بإفطار تقيمه النائب بهية الحريري على شرفه في البيال.

يدرك بندر أن الوقت يتسارع لمصلحة الرئيس بشار الأسد، فالخطط والاستعدادات باتت جاهزة لمعركة حلب، كما أن هناك إنجازات كثيرة للجيش السوري على الأرض قد تحققت في ريف دمشق ولم يعلن عنها وسيتم الإفصاح عن أهميتها في وقت لاحق، وإن الثغرات الحدودية في الشمال وعرسال ستتم معالجتها ولو كلفت الجيش السوري التوغل في الأراضي اللبنانية، بعدما تعهد الروس بإسقاط الخطوط الحمراء أمام هذه المعالجة على مستوى المجتمع الدولي، وهو ما يفسر قبول رئيس الائتلاف السوري بالتفاوض من دون شروط مع النظام، وانحسار الحاضنة الأهلية للمعارضة السورية، وإقبال قسم كبير من هؤلاء المعارضين على المصالحات الأهلية، إضافة إلى تزايد طلبات ضباط وقيادات في الجيش الحر لتسوية أوضاعهم والعودة إلى صفوف الجيش العربي السوري.

لم يبحث بندر مع بوتين في الأزمة السورية، فهذا الموضوع شأن أميركي روسي، ويعرف بندر أنه أعجز أن يبدّل قيد أنملة في تفكير الرئيس الروسي حيال هذا الأمر، وهو قد قرأ كما العالم اللغة المتشددة والحادة التي تحدث بها بوتين قي قمة الثماني وكيف لم يتراجع أمام أميركا وسائر الدول الكبرى، فبندر كما أردوغان سابقا، تحدث في شأن مستقبله في التركيبة السعودية الجديدة على ضوء التغييرات التي ستشهدها المنطقة.
2013-08-03