ارشيف من :آراء وتحليلات

الأزمة المصرية: السيناريوهات المحتملة

الأزمة المصرية: السيناريوهات المحتملة
إذا كانت خطوة عزل الرئيس الإخواني قد بدت سهلة في ظل الموجة الشعبية العارمة التي اجتاحت مصر والمؤيدة من المؤسسة العسكرية، فإن ترتيب النتائج السياسية المطلوبة عليها لا تبدو بالسهولة عينها، وذلك لاعتبارات عدة، قد يكون بعضها محسوباً، وبعضها غير متوقع أو مقدّر. هذه الاعتبارات أبرزها الآتي:

أولاً: رفض حركة الإخوان الاعتراف بما جرى معتبرة إياه انقلاباً موصوفاً ومحملة المؤسسة العسكرية المسؤولية الأساسية والمباشرة. وهي في هذا السياق أظهرت ممانعة قوية عبّرت عن نفسها بمواصلة الاعتصام في الساحات المحسوبة لها، وبمواصلة التظاهر في بعض الأماكن الحساسة والضاغطة بالمعنى السياسي للكلمة.

كما عبّرت عن نفسها بعملية تعبئة وتحشيد مستخدمة أقصى ما يمكن من مفردات الخطاب الديني، لتأخذ المواجهة طابع الصراع بين الكفر والإيمان، الحلال والحرام، ولدرجة عدّت فيها عزل مرسي أصعب من هدم الكعبة.

ثانياً: بمعزل عن التباسية المشهد الخاص بسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين والأمنيين في أكثر من مواجهة، فإن الإخوان نجحوا في استثمار هذه الحوادث لمصلحتهم سواء من خلال تأكيد ما يعتبرونه حقاً لهم، أم من خلال تسييله لخدمة برنامج التعبئة الشعبية، والمس بصورة المؤسسة الأمنية.

كما أفاد الإخوان مما جرى خارجياً حيث نجحوا ـ من خلال الاعتماد على ماكينة التنظيم الدولي للإخوان ـ في شن حملة علاقات عامة دولية لمصلحة مواقفهم.

ثالثاً: استفاد الإخوان من قدرتهم على مواصلة الاعتصامات والتظاهر في مقابل انسحاب خصومهم من الشارع، ومن هزّ الوضع الأمني في مصر بدءاً من صحراء سيناء ومروراً بأكثر من منطقة، في تصوير أن المواجهة ليست بين قسم من الشعب المصري وقسم آخر، وإنما هي حصراً مع المؤسسة العسكرية. ولتأكيد هذه الوجهة عمل الإخوان مؤخراً على توجيه مسيراتهم باتجاه المراكز الأمنية والمؤسسات العسكرية، وربما أيضاً لاستدراج هذه المؤسسات للتورط أكثر في الدم، وبما يساعد على كسر صورتها المقدرة شعبياً.

رابعاً: يعمل الإخوان ـ كما يبدو ـ على تخيير خصومهم بين سيناريوهين كل منهما أسوأ من الآخر بالنسبة إليهم: الأول، دفع الأمور إلى ما يشبه السيناريو الجزائري، والثاني، الاستجابة لمطالب الإخوان وشروطهم لقبول أي حل.

خامساً: استفاد الإخوان من جملة أمور أيضاً، أبرزها:

أ ـ وجود احتضان غربي لافت للإخوان عبر عن نفسه بالضغط على المؤسسة العسكرية لعدم الذهاب بعيداً في عملية قمع تحركات الإخوان، كما عبر عن نفسه من خلال الضغوط المتواصلة لاستيعاب الإخوان في أي حل سياسي داخلي.

ب ـ تسجيل خلافات داخل صفوف خصوم الإخوان تراوح بين اتجاه يريد الذهاب إلى الحد الأقصى في مواجهة الإخوان، واتجاه يرفض أي معالجة غير سلمية، كما يرفض اقصاء الإخوان من أي تسوية لاحقة.

ج ـ عودة رجالات النظام السابق إلى الحضور بقوة على أكثر من صعيد، ما ولّد شعوراً بأن هناك محاولات لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا بدوره ولّد بلبلة داخل صفوف خصوم الإخوان، وعقّد عليهم حساباتهم وخياراتهم.

د ـ تلعثم المرحلة الانتقالية سواء من خلال الاعتماد على طقم يمت بكليته إلى المرحلة الماضية، أم من خلال عدم تضمين المرحلة الانتقالية توجهات واضحة تفترض القيام بمراجعة جذرية للدستور المصري.

هـ ـ وقوف التيارات السلفية في منطقة غائمة، فهم من جهة أيدوا خصوم الإخوان ووقفوا وراء المؤسسة العسكرية ليتمكنوا من إقامة رأس جسر يسمح لهم لاحقاً باحتكار التمثيل الإسلامي، ومن جهة أخرى أبقوا على تأييدهم لبعض مواقف الإخوان. وهم في هذا وذاك، إنما يحاولون أن يقدموا أنفسهم كبدائل، كما يحاولون رفع أثمان منحهم غطاءهم السياسي لأي طرف من هذه الاطراف.

خلاصة القول هنا، لقد دخلت مصر في لعبة صراع مفتوحة بين مجموعة من السيناريوهات التي من شأن انتصار أي منها أن يحسم وجهة الأمور، فيها. هذه السيناريوهات، أبرزها:

أ ـ أن تذهب الأطراف المتصارعة إلى الحد الأقصى، ما قد يضعنا في مواجهة أزمة أمنية خطيرة تضاف إلى مجموعة الأزمات الأخرى التي تعيشها مصر.

ب ـ أن تندفع المؤسسة العسكرية إلى محاكاة تجربة عبد الناصر مع مراعاة الشروط والظروف الجديدة المحيطة والمكبلة لمصر. وهذا السيناريو لا يبدو سهلاً أو سيكون مسموحاً به على الأقل غربياً، إضافة إلى الموانع الداخلية.

ج ـ أن تجري محاولة لمحاكاة التجربة الكمالية في تركيا مع أرجحية أساسية للمؤسسة العسكرية. وهذه بدورها تبدو صعبة، نظراً لوجود قوى اجتماعية كبيرة لن تجد لها محلاً في هذه المعادلة.

د ـ بناءً عليه يصعب تصور وجود حلول حاسمة للأزمة السورية، والأسهل هو البحث عن تسويات معينة، بانتظار تبلور التوازنات الجديدة بين القوى الفعلية أي الجيش - الإخوان - والقوى السياسية والحزبية الأخرى. إنّ أي حل أو تسوية لا تلحظ هذه المعادلة ستبقي مصر في حال من عدم الاستقرار، وفي حال من الأزمات المفتوحة.
2013-08-03