ارشيف من :آراء وتحليلات

مبادرات لحل الأزمة السياسية في تونس بالتزامن مع الحرب على الإرهاب

مبادرات لحل الأزمة السياسية في تونس بالتزامن مع الحرب على الإرهاب
تتسارع الأحداث في أرض الخضراء وتتلاحق بشكل مثير للاستغراب لدى الرأي العام الذي لم يعد يدرك ما يحصل وراء الكواليس. فالجيش الوطني ألقى بكل ثقله على الميدان في جبل الشعانبي لملاحقة إرهابيي القاعدة ومن والاهم أو سار على نهجهم. وقوى الأمن تحبط يوميا عمليات إرهابية بالجملة وتقبض على إرهابيين وتلاحق آخرين وتقتل البعض الآخر.

ورغم حالة الاستنفار التي أدت إلى القبض على بعض المتورطين في عمليات الاغتيال الأخيرة المتعلقة بالشهيد محمد البراهمي وعناصر الجيش وكذلك بعض قتلة الشهيد شكري بلعيد، فإن غول الإرهاب الذي جثم مؤخراً على صدور التونسيين ما زال يؤرق مضاجع الجميع خاصة وأن العمليات طالت أغلب مدن البلاد ما يؤكد أن العناصر التكفيرية تغلغلت بعد في أرجاء الخضراء مستغلة ضعف الدولة المؤقت الذي عقب انهيار نظام بن علي.

اتهامات

كما تتهم حركة "النهضة" الحاكمة بالتراخي مع هؤلاء منذ بداية حكمها وإلى تاريخ إحراق السفارة الأمريكية في تونس. فبعد هذه الحادثة تحركت حركة "النهضة" تحت الضغوط الدولية وضربت بقوة هذه العناصر التكفيرية، لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن تمكنت هذه الجماعات من تركيز بنيتها التحتية المتمثلة في شباب مغرر به ذي مستوى تعليمي محدود ويقطن أغلبه في الأحياء الفقيرة حول العاصمة وفي المدن الداخلية.

مبادرات لحل الأزمة السياسية في تونس بالتزامن مع الحرب على الإرهاب
الدخان يتصاعد من جبل الشعانبي
كما تمكنت هذه الحركات التكفيرية من الاستفادة من السلاح المهرب من ليبيا بعد أن فتحت أبواب مخازن جيش القذافي على مصراعيها بعد أن انهار النظام. وباتت هذه الجماعات تمتلك أسلحة ثقيلة وليس مجرد قطع بدائية على غرار تلك التي هي بحوزة تنظيمات القاعدة في باقي أصقاع المعمورة. فتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الموصوف بأنه الأشرس عالميا بات أكثر قوة واستفاد من انهيار النظامين التونسي والليبي وبات يتحرك بحرية على الحدود بين البلدين ومع الجزائر . ويؤكد الخبراء على أن الجيش التونسي مقبل على سنوات عجاف في حربه على الإرهاب وما يحصل معه في الوقت الراهن ما هو إلا بداية الغيث.

تواصل الأزمة

أما سياسيا فالأزمة تراوح مكانها في أرض الخضراء إذا استثنينا التصريحات الأخيرة لزعيم الحركة راشد الغنوشي. حيث كان الأخير متمسكا باستمرار النظام على حالته إلى حين الانتهاء من المرحلة الانتقالية الثانية في حين تطالب المعارضة بحل كل من الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي باعتبار انتهاء مدة عملهما المحددة بسنة واحدة. لكن الغنوشي وفي اعتصام لجماهير حركة النهضة بساحة القصبة قال انه بالإمكان أن تستقيل الحكومة على أن يشكل السيد علي العريض حكومة جديدة، وأضاف أن السيد علي العريض خط أحمر كما أن المجلس التأسيسي خط أحمر.

في المقابل لا تبدو المعارضة مدعومة بأهم الجمعيات والمنظمات الوطنية على غرار الهيئة الوطنية للمحامين والاتحاد العام التونسي للصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قابلة بأقل من حل المجلس التأسيسي والحكومة معا والاستعاضة عنهما بهيئة خبراء لإتمام الدستور وبحكومة إنقاذ وطني تتكون من التكنوقراط لا يمكن لأعضائها الترشح إلى الانتخابات القادمة لضمان حياديتها. وتعتصم المعارضة أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي بباردو يوميا وقد صعدت في الآونة الأخيرة من تسيير مظاهرات في مختلف المدن التونسية. كما تستعد المعارضة والنواب المنسحبون من المجلس التأسيسي لتنظيم مظاهرة مليونية لاستعراض قوة حشدها في الشارع خاصة بعد تشكيل أهم فصيلين معارضين في البلاد وهما "الاتحاد من أجل تونس" و"الجبهة الشعبية" لما يسمى جبهة إنقاذ وطني ستدعم دون شك وحدة المعارضة في مواجهة النهضة وحلفائها.

اتحاد الشغل

أما الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر المنظمات الوطنية، فإنه يقف في صف المعارضة التي وكلته في شخص أمينه العام حسين العباسي بالتفاوض مع الفريق الحاكم. ويقترح الاتحاد في مبادرته للخروج من هذه الأزمة الإبقاء على المجلس الوطني التأسيسي على أن يقتصر دوره على صياغة الدستور وفي مدة محددة وبإشراف خبراء في القانون الدستوري. كما يقترح الاتحاد وعلى غرار المعارضة حل هذه الحكومة وتعويضها بحكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية تحظى بثقة جميع الأطراف وليس السيد علي العريض كما ذهب إلى ذلك زعيم حركة النهضة.
مبادرات لحل الأزمة السياسية في تونس بالتزامن مع الحرب على الإرهاب
المعارضة تعتصم امام المجلس التأسيس
ويبدو من خلال ما تم اقتراحه أن مبادرة الاتحاد هي التي ستحظى بموافقة جميع الأطراف خاصة مع التصعيد الذي تنوي المعارضة القيام به خلال الفترة القادمة. فحركة "النهضة" بحسب كثير من الخبراء والمحللين ستقدم تنازلات كبيرة في نهاية المطاف أمام الضغط الشعبي المتنامي مع انعدام الأمن الذي كان أحد أهم سمات الخضراء في الماضي القريب ومع تأزم الحالتين الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. فـ"النهضة" تدرك أنه ليس بإمكانها أن تسيّر تونس بصورة منفردة أو بأحزاب كرتونية فقدت الكثير من وزنها الجماهيري على غرار حليفيها حزبي التكتل والمؤتمر.
2013-08-05